الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف يتصرف زوجي مع والديه الذين يتدخلان في حياتنا؟

السؤال

السلام عليكم.

أرجو المساعدة، أنا متزوجة منذ عامين، أقطن مع زوجي بعيدا عن أهله، تركت كل أثاثي في منزلي الكائن بجانب منزل أهله، وتعرض بعض الأثاث للكسر، وخسرت البعض الآخر، والذي بقي لم يكن كما تركته، نفد صبري وقررت أخذ أثاثي حيث أسكن، وأستنفع بما بقي منه، لكن والدا زوجي غضبا جدا، تحدث إليهما زوجي بأنه يريد استعمال أثاثه وليس لديه القدرة على شراء الجديد لضيق الحال، فهل هذا يعتبر معصية لهما؟ وهل السكن بعيدا عن أهل الزوج لا يجوز؟ خاصة أنه لا يمكن لنا التفاهم معهما، أمه تريد السيطرة، ويزيد الطين بلة أخواته البنات، ففي عامين لم تترك أخته شيئا إلا وفعلته لأعود، حتى أنها اتهمتني في شرفي، وأنني لا أريد العودة لأني أستقبل الرجال، فوضت أمري لله في هذا الموضوع، وخاصة أن زوجي أخذ بخاطري.

عرض على زوجي عمل آخر حيث أهله، وهو أفضل من عمله الحالي ماديا، ووالداه مصران أن يقبل العمل الجديد، ونعود للسكن حيث يسكنون، لكني رفضت الفكرة، وزوجي كذلك رافض، لأننا متأكدان أن الأمر سيؤول إلى الطلاق وتشتت أسرتي، فهل رفضه يعتبر من العقوق؟ وهل يحق لهما التدخل في كل شؤون ابنهما وزوجته؟ خاصة أننا نزورهم مرة كل شهر، ونأخذ لهم ما استطعنا حسب المقدرة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ بهية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على السؤال، ونسأل الله أن يؤلّف القلوب وأن يُصلح الأحوال.

لا شك أن همّ الزوجة الأول أن يكون زوجها عنها راضيا، والزوجة الصالحة مثلُك تُعينُ زوجها على إرضاء والديه، وعليه أن يجتهد في إرضائهما ولو بحسن الاستماع لكلامهما ثم فعل ما فيه مصلحة، عندما يتكلّم الوالد أو تتكلّم الوالدة علينا أن ننصت، وعلينا أن نُحسن الاستماع، وعلينا أن نجبر بخاطرهم، ثم نفعل ما فيه مصلحة وما فيه طاعة لله تبارك وتعالى.

فإذا كان الحال كما ذكرتِ والضرر كبير في حال الانتقال إلى المكان الأول –الذي هو إلى جوار الوالدين– ولا تستطيعون الصبر معهم، فأرجو أن يحتال الولد على والديه ويُسمعهم الكلام الطيب، وليس من الضروري أن يقول: (أنتم فعلتم وأنتم فعلتم)، ولكن عليه أن يبحث عن اعتذاراتٍ أخرى، ويجتهد في إرضاء والديه.

أمَّا أنت فننصحك أن تخرجي من الجدال والخصام ودعيه يتكلَّم، والحمد لله زوجك متفهم للوضع، يُناصرك، يعتذر لك، ويُهدِّئك، وهذا نموذج رائع من الأزواج، فحافظي على هذا الزوج، وحافظي على بيتك، ولا تُكثري الكلام عن أهله، ولا تجعلي حديثك الدائم معه حول أهله، بل شجّعيه على بِرِّهم والإحسان إليهم والسؤال عن أحوالهم، وتحمّلوا ما يحدث، فإن هذه الغيرة تُوجد أحيانًا من والدة الزوج أو أخوات الزوج، لأنهم يشعرون أن الزوجة القادمة جاءت تُشاركهم في جيب شقيقهم وفي جيب ولدهم، وفي حُبِّه، وبالتالي علينا أن نفوّت الفرصة على الشيطان، فكوني دائمًا الأفضل والأحسن، أنت تتواصلين مع موقع شرعي، ندعوك إلى أن تقابلي السيئة بالتي هي أحسن {ادفع بالتي هي أحسن} كما هو منهج القرآن.

اجتهدي في إرضاء زوجك، واحرصا دائمًا على عدم مواجهة الأعمال السيئة بمثلها، ولكن عليكم أن تُظهروا لهم الحفاوة والاحترام، وتسألوا عنهم، وهذا كفيل بأن يتغيّر الوضع، لأن الإنسان إذا قابل الإساءة بالإحسان فإنه يربح الدنيا والآخرة، يربح الآخرة لأن الثواب عند الله على هذا، وهو العفو عند المقدرة، ويربح الدنيا لأن الذي عنده شرّ هو الذي يتكلّم وهو الذي يريد مشاكل، إذا لم يجد تجاوبًا من الطرف الآخر فإنه يسكت وتنتهي المشكلات أو تقلّ وتُصبح في إطار ضيق جدًّا.

لا نريد أن تقفي أمام الكوب الذي انكسر والأشياء الصغيرة، ودائمًا ركّزي على الأمور الأساسية، ركّزي على علاقتك بزوجك، كوني عونًا له على الطاعة، واطلبي منه أن يُعينك على ما يُرضي الله تبارك وتعالى، ولا يُعتبر الولد عاقا لوالديه، شريطة ألَّا يُقابلهم بكلامٍ جارح، وشريطة ألَّا يُعنّفهم، وشريطة ألَّا يشتدَّ عليهم، ولكن دائمًا حتى ولو كان الوالد على خطأ –أو الوالدة– فإن منهج القرآن وأسوتنا بالخليل عليه السلام: {يا أبتِ ... يا أبتِ ... يا أبتِ ... يا أبتِ ...} بمنتهى اللطف، بل إذا اشتدُّوا عليه أو عليكم؛ عليكم أن تُؤثروا السكوت، لأن الصغير دائمًا يتحمّل من الكبير ويرجو مغفرة ربنا القدير سبحانه وتعالى.

نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد، ولا تقفي عن زيارتهم، ولا تقصروا في الإحسان إليهم، وافعلوا ما فيه مصلحة، وما يُبعد الشر، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يُلهمنا جميعًا رُشدنا وأن يُعيذنا من شرور أنفسنا.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً