الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

خيبات الأمل والإحباط من عدم الزواج، وعدم القدرة على مواصلة البحث.

السؤال

السلام عليكم.

أنا شاب 30 سنة، بحثت كثيرا ولمدة 4سنوات عن زوجة صالحة لأعف نفسي، وخطبت الكثير، وتمت الموافقة من واحدة ولم تكتمل لعدم التفاهم، وبعدها واصلت واستعملت الكثير من الوسطاء وذهبت للمدارس القرآنية، ولم يتم القبول ولكل أسبابه، رغم أنني ولله الحمد موظف ومتدين.

لقد وقعت حاليا في حالة نفسية صعبة من خيبات الأمل، والإحباط، ولم أعد قادرا على مواصلة البحث عن زوجة، ولم أعد أرغب حتى في الحديث عن موضوع الزواج، وقررت أن لا أبحث نهائيا وأنتظر إذا جاء المكتوب فسيسهل الله الأسباب حتى لو لم أبحث، وإذا لم يكن مكتوب فسأبقى لأنني فعلت كل الأسباب والنتيجة على الله.

والشيء الذي يؤرقني شدة الشهوة والرغبة في الحلال، ولكنني كرهت وانهارت نفسيتي، وصرت أفكر سلبيا، ولم يعد لي رغبة في الحياة للأسباب التي ذكرتها، وأسباب نفسية أخرى.

أفيدوني جزاكم الله خير الجزاء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نشكركم لتواصلكم معنا وثقتكم بموقعنا.

بحثك الحثيث والعملي لأربع سنوات عن فتاة مناسبة ولم تجد، رغم ذهابك لحلقات التحفيظ ولأماكن أخرى، يبدو أنه لا بد أن تعيد النظر في معاييرك لاختيار الزوجة، فقد تكون متشددا أو مثاليا في اعتبار المواصفات المطلوبة، وبالتالي لن تحصل على بغيتك بسهولة، يقول عليه الصلاة والسلام: "تُـنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين ترِبَتْ يداك". متفق عليه.

هذا الحديث وضع المحددات والمعايير لاختيار الزوجة في أربعة أمور:
- طلب الناحية المادية، فقد تكون الزوجة ذات يسار وغنى، فيطمع فيها الأزواج.
- وقد تكون الزوجة ذات حسب ومكانة اجتماعية مرموقة، فيطمع فيها الناس كذلك لهذا الأمر.
- وقد تكون الزوجة جميلة يشار لجمالها بين الناس فيتسابقون لطلب يدها.
- كما قد تشتهر الزوجة بالتدين والصلاح، فيطلبها الناس كذلك، وهذه الصفة الأخيرة، هي الصفة التي رغب فيها الحديث النبوي، ومع أهميتها إلا أن البعض لا ينتبه لمفهوم (التدين ) الذي عناه النبي ﷺ في كل من الرجل والمرأة، وقد بين الحديث الآخر تفاصيل هذا الشرط عندما قال عليه الصلاة والسلام: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه…)، فربط بين الدين والخلق، وهذا الربط مهم جدا، إذ أن التدين بلا أخلاق كالشجرة بلا أوراق، والتدين بلا أخلاق هو تدين مغشوش، لأن ثمرة التدين منعدمة، وهي السلوك الحسن، وهذا هو منطوق الآية الكريمة: (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر..) فربطت الآية الكريمة بين الدين والخلق، وبينت أن السلوك الطيب هو ثمرة للتدين الصحيح.

والتدين مرتبتان: مرتبة الوجوب: وهو التزام الفرائض الواجبة، وأداء الحد الأدنى منها، كمن يصلي الفرائض ولا يصلي معها السنن والرواتب، فعن طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أهل نَجْدٍ ثَائِرُ الرأس نَسْمَع دَوِيَّ صوته، ولا نفقه ما يقول، حتى دَنَا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا هو يَسأل عن الإسلام، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «خمس صَلَواتٍ في اليوم واللَّيلة» قال: هل عليَّ غَيْرُهُنَّ؟ قال: «لا، إلا أن تَطَّوَّعَ» فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «وصيام شهر رمضان» قال: هل عليَّ غَيْرُه؟ قال: «لا، إلا أن تَطَّوَّعَ» قال: وذكر له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الزكاة، فقال: هل عليَّ غَيْرُهَا؟ قال: «لا، إلا أن تَطَّوَّعَ» فأَدْبَر الرَجُل وهو يقول: والله لا أَزيد على هذا ولا أنْقُص منه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أَفْلَح إن صَدَق». متفق عليه.

والمرتبة الثانية هي مرتبة التطوع: وهي إذا ما زاد على الفرائض المذكورة بالسنن والرواتب.

هذا على صعيد التدين، الواجب منه والمسنون، أما على صعيد الأخلاق فهو مرتبتان كذلك:
مرتبة الوجوب: حيث ينبغي أن يتحلى بالقدر الضروري من الأخلاق، والسلوك الحسن، الذي يحجزه عن الوقوع في المحارم، والذي يدفعه لأداء الواجب الأخلاقي تجاه الآخرين، (ونعني في هذا المقام الزوج والزوجة).. فلا يقع في ظلم، ولا يقصر في واجب.

بينما المرتبة الثانية من الأخلاق، هي مرتبة التطوع والكمال، وذلك بأن يزيد على الواجب الأخلاقي، وأن يتحرى من فعل صغائر المعاملات الأخلاقية التي تسيء إلى الطرف الآخر.

هذا المحور كله يتعلق بصفة (التدين) الواردة في الحديث.

نأتي إلى الصفة الثانية وهي الصفة التي تهمك كثيرا وهي صفة (الجمال)، وهذه صفة تختلف باختلاف أذواق الناس، واختلاف الصورة الذهنية للجمال عند مختلف أمم الأرض، فهناك مجتمعات من ذوي البشرة السمراء، لا يحبون ولا يرغبون باللون الأبيض والعكس بالعكس، لأن الذائقة الجمالية تقترب من الشكل القريب من الشخص نفسه، كما أن الشخص لو تزوج امرأة ذات جمال مقبول في نظره، فإنه مع العشرة ودوام العيش معها، سوف يحبها ويراها جميلة في نظره، ويقنع بها-إذا أراد ذلك- وهذه نقطة هامة جدا، فالإنسان لو أراد القناعة فسوف يقتنع، أما إذا لم يقنع بما بين يديه فلن تكفيه نساء الأرض.

بقي أن أشير إلى نقطة هامة بخصوص الجمال، فقد خربت وسائل الأعلام والسينما الذائقة الجمالية عند الناس، وزرعت فيهم صورا مثالية لجمال موهوم، يتم صبغه بالألوان والإضاءات الناصعة، فيتطلع الشاب إلى تلك الصورة التي وضعتها في ذهنه الميديا والسينما، ويبحث عنها في الواقع فلا يكاد يظفر بها.

كل ما سبق- وغيره من الأسباب- ربما تكون عاملا مساعدا في نشوء الإحباط والشعور بالفشل طيلة السنوات الأربع التي قضيتها بحثا عن زوجة متخيلة في ذهنك.

نقطة أخيرة وهي أنه عند وضع معايير معينة للزوجة في ذهنك، فعليك أن تراعي واقعية هذه المواصفات، ولا نعني بالواقعية هنا، أن تتنازل عن كل رغباتك، لأن هذا قد يدفعك لاحقا للطلاق إن لم تكن تلك القناعة نابعة من الداخل.

وخلال فترة البحث يمكنك اللجوء إلى الصيام -إن كنت تطيق ذلك- وقد أرشد النبي ﷺ الشباب الباحث عن الزواج لذلك قائلا: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) متفق عليه.

نسأل الله أن ييسر أمرك، وأن يشرح صدرك، وأن يهديك سواء السبيل.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً