الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إحباط فتاة ويأسها

السؤال

أنا فتاة عمري 22 سنة، أعيش حياة بلا أمل ولا هدف، أعلم أنه لا يمكن أن يكون هناك إنسان لا يحلم، لكني تعودت على كبت أحلامي، وقتلت الأمل في نفسي، أنا أعيش في بلدٍ أوروبي، لا أملك أوراق إقامة، لكني أعيش في أحضان أسرتي، ولا أشكو نقصاً مادياً، حين جئت إلى هذا البلد كنت أحمل أحلاماً كثيرة لكنها كسرت كلها ومضت سنوات عدة وأنا جالسة بين أربعة جدران لا أحد يمنعني من الخروج غير أني أمنع نفسي، فأنا أشعر عند خروجي برهبة وكأني مقبلة على تجربة صعبة، ليس لدي أي صديقات حتى في النت، أعرف فتاة واحدة فقط، أبواي يحثاني على الخروج للدنيا وأخواتي يعرضن علي العمل لكني أرفض، مع أني مللت من روتينية حياتي، قد أجلس في البيت شهرين أو أكثر دون أن أرى الشارع، أحياناً كثيرة أحس أنني عالة على أسرتي، مع أني لا أكلفهم أي شيء، فأنا أتقاضى أجراً مقابل رعاية ابن أختي، لكني مع ذلك أحس أني هامش في هذه الحياة منذ سنوات، خضت تجربة التعرف على رجال من أجل الزواج لكني تبت إلى ربي وعدت مستغفرة نادمة لأن ما بني على باطل فهو باطل .

أنا لا أعرف ما جدوى وجودي، حتى البكاء أخشى أن أبكي لأن أسرتي يعتقدون أنني أغار من أختي التي تزوجت، فأصبحت أكتم حزني ولا أبكي إلا خفية، ولا أشكي همي سوى الله، وأكتبه على شكل خواطر.

أنا حلمت أن أكون داعية وأن أدرس علوم الدين، وحلمت أن أتزوج من صالح، وأن أربي جيلاً صالحاً، لكني اليوم ما عدت أحلم، فالسنوات تمر وأنا أراقبها دون أن أمضي مع الركب.

إخوتي يبحثون لي عن عريس، وأحياناً يكون فارق السن 20 سنة أو أكثر، فأرفض، فيعتبرني الناس غبية لأن إيجاد عريس فرصة يجب أن أستغلها للحصول على إقامة، وبعدها بإمكاني ترك العريس متى شئت، وأنا لم أتعود خداع الناس؛ لأني أتقي الله وأخشى غضبه.

لا أدري ماذا أفعل، ولا حتى ما هي مشكلتي، إنني فتاةٌ ضائعة تحب الحياة لكنها لا تجد سبيلاً إليها.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة / أمة الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك في موقعك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يبارك فيك وأن يكثر من أمثالك، وأن يحفظك من كل مكروه وسوء، وأن يرزقك زوجاً صالحاً يكون عوناً لك على طاعته وحجاباً لك من النار، وأن يشرح صدرك للذي هو خير.

وبخصوص ما ورد برسالتك: فأرى أن دعواك فيها قدر كبير من المبالغة، وأن أمورك في عمومها طيبة، وأن مثلك لم ولن يتخلى عنه المولى جل جلاله؛ لأن الله يا ابنتي لا يضيع أهله، ولا يتخلى عن أوليائه، ولا يكلهم إلى غيره، وأن الإنسان قد يعيش فترة من الشدة والكرب ثم لا يلبث أن يفتح الله له الحدود والسدود والأرزاق وقلوب العباد، وأمامك القرآن الكريم والسنة النبوية بهما العشرات من القصص التي تدل على مثل حالتك من الابتلاء ثم الفرج العاجل والعظيم من الله جل جلاله، فهذا نبي الله يوسف، وهذا نبي الله موسى، وهذا نبي الله إبراهيم، وهذا سيد الخلق حبيبك محمد صلى الله عليه وسلم، ولذلك عبر القرآن عن ذلك بقوله: (( حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ ))[البقرة:214]، وقوله: (( حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ ))[يوسف:110]، فلا ينبغي لك يا أمة الله أن تكون هذه هي حالتك النفسية؛ لأن الإسلام يدعو إلى التفاؤل ويحارب التشاؤم واليأس والقنوط والإحباط؛ لأن هذه كلها وسائل سلبية تتعارض مع عقيدة الإيمان بالقضاء والقدر، وأبشرك بأن الصبر دائماً عاقبته الفرج كما قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: (واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسراً) .

فأبشري بفرجٍ قريب ولا تتعجلي النتائج، ولا تتنازلي عن دينك وعقيدتك وقيمك وأخلاقك، وجلوسك في البيت لسنوات وليس لشهور أفضل لك بكثير من الضياع وفقدان الدين وذهاب الأخلاق، فاستمسكي بدينك، ولا تتعجلي الخير، واعلمي أن عاقبة أمرك ستكون إلى خير، وحاولي استغلال وقتك في حفظ القرآن والأعمال الصالحة حتى تتمكني من تحقيق أمنيتك، وهي أن تكوني داعية على بصيرة؛ لأن الدعوة تحتاج إلى إعداد واستعداد، وأهم سلاح للداعية طلب العلم الشرعي والالتزام بما يكلفه الشرع به من آداب وأحكام وسنن.

واعلمي بنيتي الغالية أنك لست على هامش الحياة كما تظنين، فهذا كلام لا أساس له، فأنت ما زلت صغيرة، وهذه الفترة ضرورية لك لتتأهلي لتكوني زوجة صالحة تستفيدي من إقامتك في منزلك مع والدتك كل ما يلزم للحياة الزوجية التي تنتظرك إن شاء الله.

وبالنسبة للزواج لا تقبلي إلا صاحب الخلق والدين، حتى ولو استمر صبرك سنين وسنين، حتى لا تندمين بعد ذلك ولا ينفع الندم، وأكثري من الدعاء أن يمن الله عليك بالعلم النافع والزوج الصالح والعون على ذكره وشكره وحسن عبادته.

مع تمنياتنا لك التوقيف والسداد والهداية والرشاد، وبالله التوفيق .

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً