الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشعر بالندم لعدم التحاقي بالعمل الذي أتمناه!

السؤال

السلام عليكم.

أنا شاب، حصلت على فرصة عمل في جهتين في آن واحد، وكلا الجهتين لهما مستقبل واعد، بعد أن وقع اختياري على إحداهما وبعد مضي 5 شهور من العمل أحسست بالندم من اختياري، وقمت بالتقديم مرة أخرى في تلك جهة العمل التي رفضتها سابقا، وخضت المقابلات والفحص لمدة 3 مرات، وفي كل مرة أحصل على الموافقة للبدء في تلك الجهة وأنا أرفض بدون سبب وجيه! قلبي يميل للجهة التي تقدمت لديها 3 مرات، وبعد الموافقة أرفض، لم أفهم نفسي!

والآن بعد مرور سنين يعود لدي الشعور نفسه بالندم والتحسف، ويرادوني هذا الشعور أياما عديدة ويثقل من همتي، وأبقى حزين، هل هو شر أبعده الله عني أم هو قضاء وقدر؟ ولماذا أقوم بالرفض في حين قد اتخذت قرار بالانضمام لدى تلك الجهة وفي آخر لحظة أتراجع لمدة 3 مرات؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نشكركم لتواصلكم معنا وثقتكم بموقعنا.
في الواقع لا نملك إجابة دقيقة على سؤالك: لماذا أقوم بالرفض في حين اتخذت قرار الانضمام لتلك الجهة.. إلى آخره.
كل ما يمكن قوله هو ما عبرت به عن نفسك عندما قلت: (لم أفهم نفسي)! بالتالي فأنت بحاجة إلى معرفة ذاتك أكثر، وننصحك بمطالعة بعض المقاطع التوعوية حول الذات ومعرفتها في اليوتيوب، كما يمكنك الاستفادة من نوافذ جوهاري وهي إحدى الأدوات البسيطة للوعي بالذات، ومعرفة كيف تنظر لنفسك وكيف ينظر إليك الآخرون.

أما سؤالك: هل هو شر أبعده الله عنك؟ فنرجو أن يكون كذلك، لكن الأهم من ذلك هو ألا تبقى حزينا وعالقا بالماضي ولا بالمستقبل، وعش لحظتك الراهنة بكل تفاصيلها، فالعلوق في الماضي يجلب الحزن، كما أن العلوق في المستقبل يجلب الهم والقلق، لذلك وصف الله عز وجل نعمته على عباده المؤمنين بأنهم لا يصيبهم حزن الماضي ولا هم المستقبل في الآية الكريمة:
﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُوا۟ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَـٰمُوا۟ فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ﴾ [الأحقاف 13]. فالاستقامة على أمر الله، والقيام بما أوجب الله من فرائض وواجبات كفيل بإسقاط التبعة الشرعية والنفسية على المسلم فيظل راضيا قانعا بما كتب الله تعالى له.

ولا داعي للقلق من الرزق، خاصة أن كلا الوظيفتين عائدها المادي مناسب لك، فقد أخرج الإمام ابن ماجه عن جابر بن عبدالله مرفوعا:
"- أيُّها النَّاسُ اتَّقوا اللَّهَ وأجملوا في الطَّلبِ فإنَّ نفسًا لن تموتَ حتَّى تستوفيَ رزقَها وإن أبطأَ عنْها فاتَّقوا اللَّهَ وأجملوا في الطَّلبِ خذوا ما حلَّ ودعوا ما حَرُمَ".

ربما مشكلتك الأساسية هي في التردد وعدم حسم الأمور، قد تكون مشكلة سلوكية كما قد تكون مشكلة نفسية، ونعني بالسلوكية هنا اعتيادك على التردد منذ الصغر، فهي أشبه بسمات الشخصية، وهذا النوع يحتاج إلى تدريب ومتابعة في تنفيذ الأمور وحسمها، حتى لو كانت النتيجة غير مرضية لك، فلا تندم على قرارك، لأنك اتخذت القرار بناء على ما توفر لك من معلومات وإمكانات، فإن اتضح بعد ذلك أن قرارك كان خطأ، فلا داعي لأن تلوم نفسك، لأنك لست شخصا معصوما يوحى إليه، إنما أنت بشر تصيب وتخطئ شأنك شأن بقية الناس.

والاحتمال الثاني من الناحية النفسية، ونعني به حصول نوع من الضغط النفسي أو التشتت الذهني عند اتخاذ القرار، بسبب مشكلة تعرضت لها، أو بسبب أمور تشغل بالك ساعتها، فمثل هذه الأمور قد تجعل الشخص لا يركز في اتخاذ القرار وبالتالي تؤدي به إلى التردد، والحل هو مزيد من التركيز عند اتخاذ القرار، أو تأجيل اتخاذ القرار لحين صفاء الذهن وهدوء النفس، لذلك ورد في آداب القضاء لا يقضي القاضي وهو غضبان أو جائع، أو في حالة نفسية تمنعه من التمعن والتركيز في الحكم القضائي الذي سوف يصدر عنه لئلا يقع في ظلم الناس.

وهكذا ينبغي أن تركز وأن تحسم أمرك حتى لا تقع في ظلم نفسك.

نسأل الله أن ييسر أمرك، وأن يشرح صدرك، وأن يهديك سواء السبيل.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً