الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أتعبنا بخل أبي وعدم انفاقه علينا، فما توجيهكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أريد حلاً مع حرص أبي الزائد عن اللازم لدرجة البخل، أمي تعمل منذ صغري وإلى اليوم، وتأخذ مصروفا شهريا قدره 850 جنيهًا، بمعدل 28 جنيهًا يومياً، في الفترة الأخيرة أنهيت دراستي وبدأت العمل من المنزل، ليس عملًا واحدًا، وذلك لشعوري بالمسؤولية نحو أمي ومشاركتها مشاعر القهر والذل.

مع العلم أخي الكبير والذي يكبرني بأربع سنوات لا يعمل، رسب أكثر من مرة في الدراسة الجامعية، وبعد الدراسة لم يعمل ولا مرة، حتى حين تخرجت أمي كانت تشعر بالهزيمة، وأنا أشعر بالقهر، أين حقوقنا، فنحن نشعر بالمذلة كل يوم عند العمل، وأخي في البيت ولا يعمل، وأبي يعمل نصف يوم، أفتونا ماذا نعمل وكيف نتصرف؟

السؤال الثاني: حفلة التخرج التي ستقام للخريجات أنا دفعت تذكرة حضور والدي لها، وأمي دفعت لي الحفلة، وكذلك تذكرتها، دفعت تذكرة أبي حتى أشعره بواحد في المئة من صلة الرحم، رغم معاملته السيئة وبخله الزائد، أشعر أنني أخطأت في تلك الخطوة، وأمي كانت تستحق أن أدفع لها التذكرة وليس والدي البخيل، فوالدتي سلبت حياتها من أجلي حتى أصبحت بشكل أكبر من عمرها الحقيقي.

أفيدوني، فأنا أشعر بالقهر مما يحدث، وشكرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أميرة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فأهلا بك -أختنا الفاضلة- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله الكريم أن يصلح حال والدك، وأن يبارك فيك، وأن يحفظك من كل مكروه، وأن يجزي الوالدة عنكم خير الجزاء، وأن يعوضها الله بما هي أهل وزيادة.

أختنا: دعينا نبدأ بالجواب عن السؤال الثاني لأنه له ارتباطا بالأول: هل أخطأت حين اشتريت تذكرة لوالدك؟ وهل بهذا السلوك قد أخطأت في حق الوالدة؟

نقول لك: ما فعلتِه هو ما كان ينبغي عليك فعله، وقد أحسنت حين اشتريت لوالدك التذكرة ليحضر هذه المناسبة السعيدة، ونحن نقول ذلك ونؤكد على أن بر الأبناء للآباء في الشريعة واجب بلا مقابل، بمعنى أن البر ليس مرتبطًا بالإحسان، فلو أحسن الوالد يحسن الولد، لا -أختنا الكريمة-، البر مرتبط بكونه أبًا وإن أخطأ.

الله عز وجل أمر ببر الوالدين حتى لو دفعا الإنسان إلى الكفر بالله عز وجل، قال الله {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ(14) وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}، [لقمان].

قال السعدي في تفسيره: ولما أمر بالقيام بحقه، بترك الشرك الذي من لوازمه القيام بالتوحيد، أمر بالقيام بحق الوالدين فقال: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ} أي: عهدنا إليه، وجعلناه وصية عنده، سنسأله عن القيام بها، وهل حفظها أم لا؟ فوصيناه {بِوَالِدَيْهِ} وقلنا له: {أن اشْكُرْ لِي} بالقيام بعبوديتي، وأداء حقوقي، وأن لا تستعين بنعمي على معصيتي، {وَلِوَالِدَيْكَ} بالإحسان إليهما بالقول اللين، والكلام اللطيف، والفعل الجميل، والتواضع لهما، وإكرامهما وإجلالهما، والقيام بمؤونتهما واجتناب الإساءة إليهما من كل وجه، بالقول والفعل، فوصيناه بهذه الوصية، وأخبرناه أن {إِلَيَّ الْمَصِيرُ} أي: سترجع أيها الإنسان إلى من وصاك، وكلفك بهذه الحقوق، فيسألك: هل قمت بها، فيثيبك الثواب الجزيل؟ أم ضيعتها؟ فيعاقبك العقاب الوبيل.

وعليه فما قمت به هو الخير، وإحسانك إلى والديك هو الحق، والاهتمام بوالدتك جراء ما قدمت هو دين في رقبتك، نسأل الله أن يعينك على ذلك.

نأتى بعد ذلك إلى السؤال الأول: مسألة بخل الوالد في النفقة، ونحن لا نعلم على وجه اليقين هل هو بخل أم حرص؟ وهل هو عن فقر أم غنى؟ لأن الفرق بينهم كبير وطريقة المعالجة تختلف من حال إلى حال.

لكن اعلمي -أختنا- أنه لو كان بخلاً عن غنى، بمعنى أن عنده المال لكنه يبخل على نفسه وأهله وأولاده، فإن هذا مرض نفسي، صاحبه أكثر المتضررين منه، ولعل هذا بعض قول الله تعالى: {وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء} هذا البخل منه متى ما ثبت يحتاج منكم إلى رعاية وعناية بهذا الأب، وأن يعرف خطورة ما هو عليه، وأن يعلم طبيعة البخل وأضراره، حتى يبادر بالعلاج منه، والعلاج منه ميسور بأمر الله متى ما اقتنع صاحبه بذلك.

ويمكنك الاستعانة على ذلك بمن يحب والدك الحديث إليهم، وبشيخ الجامع الذي يصلي فيه، وببعض الرسائل البسيطة التي توصلينها له، وكل هذا مع الصبر عليه والدعاء له، والحمد لله أنك بدأت الآن حياتك العملية، ولعلك -إن شاء الله- تعوضين والدتك عن تعبها، وكذلك تهتمين بوالدك، وتأخذين الأجر من الله تعالى على ذلك.

وننصحك بالاهتمام بعملك ووالدتك، وألا يأخذ هذا الموضوع تفكيرك فيفسد عليك حياتك، فلو افترضنا أن والدك لم يتغير، وأنت تتألمين من هذا الموضوع، ما النتيجة؟ أن الوالد لم يتغير وأنت تزداد صحتك النفسية سوءاً، والموقف الصحيح هنا أن تتناسي هذا الموضوع قدر المستطاع وتفكري في مستقبلك، وكيف ترضين والدتك وتعوضينها خيرا، وأن تشكري الله على نعمه الكثيرة، فلا تركزي على هذه الجزئية وتنسين باقي التفاصيل الطيبة في حياتك، وهي نعم الله التي لا تعد ولا تحصى.

نسأل الله أن يحفظك، وأن يبارك فيك، وأن يوفقك لكل خير، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً