الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أبي يطلب مني سداد ديونه، هل سيغضب مني ربي إذا لم أسددها؟

السؤال

السلام عليكم.

متزوج ولدي أطفال، ووضعي المادي بين العادي والأقل، والدي مغترب، كبير في السن، في كل فترة يطلب مني مالاً، وأعطيه بسبب ديونه المتراكمة، واستمراره بالبقاء في البلد الذي هو فيه، أخبرته أن يعود إلى بلده وسوف أرسل له المال؛ لأنه ببقائه في بلد آخر دون عمل الديون سوف يرهق كاهلي وكاهله، فقاطعني، ولم يعد يتحدث معي، حاولت التواصل معه، ولكن كان يغلق الهاتف، الآن أصبح لديه ديون، وخيرني بين أن أدفع ديونه أو يستمر في مقاطعتي.

المشكلة أن المبلغ كبير، ولدي فقط ربع المبلغ، وأقسم بالله أن بيتي أيضًا يحتاج إلى مواد غذائية، فهل يجب أنه أدفع المبلغ كاملاً لأبي أو أقسمه بين أهل بيتي وأبي؟ وهل سيغضب مني رب العالمين إذا لم أرسل له المبلغ؟

مع العلم أنه لا يريد مغادرة البلد، ويريد الاستمرار والعيش على الديون، ورفض اقتراحي واقتراح إخوتي له بالعودة وإرسال الأموال إليه، أريد نصيحة تريح بها بالي؛ لأني تائه بين عائلتي وأبي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ خالد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فأهلا بك -أخي الحبيب- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله الكريم أن يبارك فيك وأن يحفظك وأن يقدر لك الخير حيث كان وأن يرضيك به.

وبخصوص ما تفضلت به، اعلم بارك الله فيك: أنّ الله تعالى قد وعد من ينفق على أهله بالخلف، والأجر العظيم، ففي الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما من يوم يصبح فيه العباد إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا)، وعنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: قال الله تعالى: (أنفق يا ابن آدم أنفق عليك).

وفي صحيح مسلم عن أَبِي هُرَيْرَةَ عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك).

وأنت أخي مطالب بالنفقة على من تعول أي على زوجك وأولادك، وكذلك مطالب بالنفقة على والديك إن كانوا فقراء، لقول الله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) الإسراء.

ومن الإحسان الإنفاق عليهما عند حاجتهما، قال ابن المنذر رحمه الله: "أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين اللذين لا كسب لهما ولا مال واجبة في مال الولد" اهـ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في (الاختيارات): "وعلى الولد الموسر (أي الغني) أن ينفق على أبيه المعسر (أي الفقير) وزوجة أبيه، وعلى إخوته الصغار" اهـ.

أما بالنسبة لحالتك أخي الكريم: فقد أوضحت أنك غير قادر على سداد دين الوالد، وأن ما معك من مال لا يكفي لذلك، فلم يكلفك الله ما لا تطيق، ولن يحاسبك الله على ما لا تقدر عليه، وعليه فننصحك بما يلي:

1- إخراج نفقة بيتك وأولادك بالمعروف، فلا يجوز لك أن تهملهم، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول).

2- وضع ما تبقى بعد ذلك في سداد دين والدك.

3- الإحسان إلى أبيك بالسؤال عنه وتفقد حاله وإن غضب عليك، أو أساء معاملتك، فإنك تريد بذلك مرضاة الله عز وجل وبره.

4- اجتهد في نصح والدك بما تراه خيرًا له في دينه وآخرته، واستعن بعد الله بأهل الدين والخلق ممن يستمع هو إليهم، ولا تجعل أفعاله سببًا للعقوق أخي، فأنت مطالب بالبر وإن أساء هو إليك.

وأخيرًا: صل أباك بما تقدر عليه دون أن تضيع أولادك، فأنت مسؤول عنهم.

نسأل الله أن يحفظك وأن يرعاك، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً