الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تراودني أفكار بأن النعم ستزول عني، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،

أنا فتاة في مقتبل العمر، أعاني من مشكلة التفكير الزائد حول كل شيء، كنت أعاني من وسواس العقيدة، والحمد لله، تحسنت حالتي، وصرت أعرف كيف أسيطر على هذه الأفكار، وبدأت أتعلم بعض الأمور عن الدين، وأقرأ القرآن بانتظام، وصرت أحافظ على الصلاة أكثر، وأسمع رقائق دينية خاصة عن الصبر، وحسن الظن بالله، والشكر على النعم.

في الآونة الأخيرة بدأت تأتيني أفكار أن النعم التي أنا فيها ستزول عني، وأن هذا الهدوء في حياتي أشبه بهدوء ما قبل العاصفة، وأن المصائب ستأتيني، حتى إني صرت أعجز عن الشعور بالسعادة، بل أقول في نفسي: إنه بعد سعادتي هذه سيكون الحزن، وكلما أدركت نعمة تأتيني فكرة أن هذه النعمة ستزول.

لقد عشت حياة ميسرة، والحمد لله، فلم أعش الفقر والمرض المزمن وفقدان الأحبة، فالمشاكل التي واجهتني في حياتي لم تكن بتلك الصعوبة، واستطعت -بفضل الله- تحملها، وحتى الآن أشعر بأن همومي ليست بتلك الصعوبة مقارنة مع غيري من الفقراء والمرضى، وأبناء الحروب، ولهذا تأتيني فكرة أنه حتماً ستنزل علي مصائب كبيرة، وأخاف ألا أتمكن من الصبر عليها.

كذلك لدي أمنية أدعو الله أن يحققها لي منذ 7 سنوات تقريباً، وأريدها بشدة، وأشعر أني في حاجة ماسة لها، لكن منذ أن أتاني هذا الوسواس صرت أشعر بأني لا أستحقها، وأخاف الدعاء بها، وتأتيني فكرة أنه لو استجاب الله لي ومنحني إياها سيبتليني بشيء أكبر، لأن الدنيا ابتلاءات، والسعادة وهم مؤقت.

إني لا أفهم نفسي، فأرجو منكم مساعدتي وإرشادي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مارية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب.

أولاً: نسأل الله تعالى أن يثبتك على ما أنت فيه من الخير والتقرُّب إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة، فداومي على صلاتك وقراءة القرآن، واستمري على ما أنت عليه من سماع الرقائق الدينية، فإن هذا كلّه يُعينك إن شاء الله تعالى، على تحمُّل مشاق هذه الدنيا ومتاعبها.

لقد أمرنا الله تعالى بالاستعانة بالصلاة ونحوها من الأعمال الصالحة، فقال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}، وقال: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ}.

ما تشعرين به – أيتُها البنت الكريمة – من التخوّف من نزول مصائب كبيرة في المستقبل بسبب أن الله سبحانه وتعالى لم يبتليك إلى الآن بشيءٍ من المصائب؛ هذه الفكرة فكرة غير سوية بلا شك، فإن الله سبحانه وتعالى يُقدّر للإنسان ما يُصلحه من أحواله، وهو لطيفٌ بعباده، رحيمٌ بهم، يُقدّر لهم من الأقدار ما يقدرون على تحمُّله، فليس غريبًا أن يُعافيك الله تعالى ويصرف عنك المكروهات، لعلمه سبحانه بأن ذلك هو الذي يُصلحك.

أحسني الظنّ بالله، واعلمي أنه على كل شيء قدير، ليس به حاجة إلى أن يبتليك بالمصائب والهموم والأحزان، ولكنّه يفعل ذلك ببعض العباد لعلمه سبحانه وتعالى بأن ذلك هو الذي يُصلحهم، فلا تُقارني هذا النوع من المقارنات، بل الموقف الصحيح هو أن تُكثري من شُكر الله تعالى وحمده، والتقرُّب إليه بالأعمال الصالحة، كلَّما نظرت في مصائب الآخرين، فإن ذلك – أي النظر إلى مصائب الآخرين – يدعوك إلى شُكر نعم الله تعالى التي أنت فيها، فهذا هو الموقف الصحيح الذي ينبغي للإنسان المسلم أن يَقفه، لا أن ينظر إلى أن أنه لا بد وأن يأتيه من المصائب مثلما جاء للآخرين، فإن الله تعالى قد يُعافي بعض الناس ويكتب لهم حياةً خالية من المصائب الشاقة، وقد قال: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} نسأل الله أن يجعلك من هذا الصنف من الناس، الذين يصبرون على العافية ويصبرون على ما يُبتلون به، وحياة الإنسان لا تخلو من الابتلاء، ولكن كلٌ على قدر إيمانه، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.

أمَّا الدعاء بحاجاتك فلا ينبغي لك أبدًا أن تنقطعي عنه، فاسألي الله تعالى، والدعاء هو بنفسه عبادةٌ تُؤجرين عليها، فأكثري من دعاء الله تعالى بكل ما ترينه نافعًا لك، وفوضي الأمور بعد ذلك إلى الله تعالى، فإن علم الله أن الخير أن يُعطيك سيُعطيك، وإلَّا فإنك لن تعدمي خيرًا بهذا الدعاء، فإمَّا أن يصرف الله تعالى عنك أقدارًا مكروهةً لا تعلمينها، وإمَّا أن يدّخر الله تعالى لك الثواب إلى الآخرة، فالدعاء كلُّه مغنم وربح على كلِّ تقدير.

نصيحتُنا لك أن تُعرضي عن الأفكار التي تدعوك إلى القلق والهم أو إساءة الظنّ بالله تعالى، أو توقُّع المكروهات في المستقبل، فإن هذه كلها من مكائد الشيطان، فإنه حريصٌ على أن يُدخل القلق والهم والحزن إلى قلبك، كما قال الله تعالى في كتابه الكريم: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا}.

استبشري بفضل الله تعالى ورحمته، واعلمي أن القادم أفضل إن شاء الله تعالى، ووصيتُنا لك وصيةُ النبي صلى الله عليه وسلم: (احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ).

نسأل الله تعالى الخير كله.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً