الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أتعبتني عثرات الحياة، فهل ذلك دليل غضب الله عليّ؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لدي استشارة نفسية ودينية، لدي عثرات كثيرة في حياتي، أشياء تحدث معي ولا تحدث مع غيري في نفس وضعي، رغم أنني أدعو الله وأتوسل له قبل الإقدام على أي أمر، وأستخير الله قبل كل شيء، ولكني أمر في أمور لا يقبلها العقل، هل هذا يدل أن الله لا يرضى عني؟ لست متدينة ولكني أخاف الله وأدعوه، وأخاف من معصيته، وينتابني شعور دائم أن الله لا يقبل صلاتي ودعائي، وأنه غاضب مني.

أشعر أني نحس، وأن حياتي سلبية، مثال: قبلت في الجامعة، وكان لدي امتحانا يجب إعادته لمعظم الطلاب الذين لم يوفقوا بالنجاح، وعندما امتحنت أغلقوا باب الإعادة، وجميع الطلبة دفعوا مبالغ مخفضة بخلافي أنا لأن النظام تغير، ودفعت المبلغ كاملًا.

مثال آخر: عند البحث عن سكن لي وصديقتي، بحثت لمدة ثلاثة أسابيع ووجدت شقة بعيدة جدًا، وصديقتي بنفس اليوم وجدت شقة قريبة، لا أقصد الحسد، ولكني أفكر بنفسي لماذا يحدث هذا معي؟ هل هو دلالة على عدم رضا الله عني؟ ماذا أفعل؟ علمًا أنني تحدثت عن أمور صغيرة جدًا، ولم أذكر عما يحصل معي يوميًا، غيرها الكثير.. وأود منكم المساعدة وإخباري ماذا أفعل؟

شكرًا جزيلًا وآسفة على الإطالة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سارة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلًا بك في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يعفو عنك، وأن يعافيك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وبخصوص ما سألت عنه فإننا نحب أن نجيبك من خلال ما يلي:

أولًا: البداية الصحيحة تقود غالبًا إلى نهاية صحيحة، أما البداية الخاطئة فإنها لا تقود البتة إلى نهاية صحيحة.

ومنشأ الخطأ عندك -أختنا- هو تصورك أن ما حدث معك أمر غير طبيعي، وأنه قد يدل على غضب الله عليك، ثم بعد ذلك تطور الأمر إلى الحديث عن الصلاة غير المقبولة، والدليل بالطبع ما يحدث لك، وكل هذا وهم من الشيطان أرادك أن تعيشي فيه.

أختنا الكريمة: هناك من اقترض ليدفع مصاريف الجامعة فابتلاه الله بحادث فقد فيه ساقيه، واضطر أهله للاقتراض مرة أخرى لا لأجل الجامعة، ولكن للعلاج، فقد انتهى أمله في الالتحاق بها، فماذا يقول هذا الشاب إذا قرأ حديثك؟

وإذا أردنا التتبع فسنجد أشياء كثيرة أنت في نعمة وعافية منها، فلا تستلمي للشيطان ولا وسوسته، واستعيذي بالله منه.

ثانيًا: الابتلاء -أختنا- صفة ملازمة للإنسان، قال تعالى: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا)، وهذا الابتلاء قد يكون عقوبة على ذنب، وقد يكون رفعة في الدرجات، وفي كلا الحالتين هو خير للمسلم، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- : ((عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله خير إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له)).

ثالثًا: حتى يعلم المسلم نوع الابتلاء هل هو عقوبة على الذنب أم بلاء لرفع الدرجة عند الله؟ عليه أن ينظر في حاله، فإن كان يعلم أنه من أهل العصيان ترجح ساعتها كونها عقوبة له، كما قال أحد السلف حينما أصيب بمرض شديد في آخر عمره: [علام أصبت بذاك فجعل يتذكر علّه ذنب يعاقب به فتذكر، فقال: ربما كانت من نظرة نظرتها وأنا شاب].

وأما إن كان المسلم يعلم أنه من نفسه استقامة لأمر الله، ومحافظ على ما أمر الله به، فليعلم أن هذا بلاء رفعة من الله، يقول بعض السلف: [إن الله إذا أراد لعبده مكانًا عليًا فلم يبلغ الدرجة بعمله، فإن الله يبتليه ويصبره على البلاء ليرفع إلى الدرجات العليا التي أرادها الله له].

رابعًا: إن كان الهم والحزن والغم بلاء، أو بسبب ذنب، يمكنك ساعتها تحويله إلى نعمة بالصبر عليه، مع التوجه إلى الله بالدعاء والرضا بقدر الله عز وجل والتسليم الكامل له، وهذا من شأنه أن يَعْمُر قلب المؤمن، فيعيش في غاية السعادة، وعلى العكس من ذلك تمامًا، نعني إذا تضجر من قدر الله، فإنه يعيش حياة البؤس على خلاف الصبر على المكاره الذي يزيل من النفوس الهموم والغموم كما قال الشاعر:
فَدَعْ مَا مَضى واصْبِرْ على حِكِمْةِ الْقَضَا ** فَلَيْسَ يَنَالُ الْمَرْءُ مَا فَـاتَ بِالْجُهْـدِ

ونرجو منك أن تأخذي من قصص الأنبياء والصالحين الأسوة الحسنة، فمثلًا في قصة نبي الله أيوب -عليه الصلاة والسلام- وهو نبي مرض مرضًا شديدًا، فما زاد في دعائه عن وصف حاله فقال: (رب إني مسني الضر) ووصف ربه بصفته {وأنت أرحم الراحمين}، ثم لا يدعو بتغيير حاله، صبراً على البلاء، ولا يقترح شيئاً على ربه تأدباً معه وتوقيراً، فهو نموذج للعبد الصابر الذي لا يضيق صدره بالبلاء، ولا يتململ من الضر الذي تضرب بها به الأمثال في جميع الأعصار، بل إنه ليتحرج أن يطلب إلى ربه رفع البلاء عنه، فيدع الأمر كله إليه اطمئناناً إلى علمه بالحال، وغناه عن السؤال، وفي اللحظة التي توجه فيها أيوب -عليه السلام- إلى ربه بهذه الثقة، وبذلك الأدب كانت الاستجابة، وكانت الرحمة، وكانت نهاية الابتلاء.

قال تعالى: {فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضرٍ وآتيناه أهله ومثلهم معهم}، رفع عنه الضر في بدنه فإذا هو معافىً صحيح، ورفع عنه الضر في أهله فعوضه عمن فقد منهم، {رحمة من عندنا}، فكل نعمة فهي من عند الله ومنه: {وذكرى للعابدين}، تذكرهم بالله وبلائـه ورحمته في البلاء وبعـد البلاء، وإن في بلاء أيوب -عليه السلام- لمثلاً للبشرية كلها.

ونذكرك -أختنا- بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (عِظَمُ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ).

نسأل الله ان يحفظك من كل مكروه والله الموفق، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً