الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أريد الزواج لكني أشعر بأني غير ناضج!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

اسأل الله أن يجزيكم خير الجزاء لما تقومون به من حل لمشاكلنا، والتنفيس عن مشاعرنا.

أنا شاب في بداية مرحلة العشرين، أحلم وأريد أن أكوّن عائلة وأن أنجب أولاداً صالحين، فبدأت أفكر بالزواج بجدية، لكي أعف نفسي عن الحرام، ولكن الزواج يحتاج إلى أن أكون ناضجاً في كل جانب (الإيماني، والاجتماعي، والجسدي، والعقلي، والمالي، والنفسي، والدراسي، والوظيفي)، ولكن ما إن أحلم إلا ويقطع حلمي واقعي ومشاكلي، ومنها أنني جاهل ولا أعرف أشياء تعتبر بديهية لمن هم في سني! مثلاً منذ سنين أعاني من مشكلة صحية ولم أذهب إلى المستشفى؛ لأني لا أعرف أين أذهب بالضبط؟ وماذا أقول لأصف مشكلتي؟

مثال آخر: لا أعرف كيف أتصرف لو حدث تسرب غاز في البيت الآن -لا سمح الله-، وأيضاً لو تعرضت لحادث مروري -لا سمح الله- لا أعرف كيف أتصرف، هذه نقطة من بحر الأشياء التي أجهلها.

وأيضاً في الجانب الاجتماعي، فأنا لا أعرف الكثير من عادات وتقاليد مجتمعي، بالرغم من أنني أختلط بهم ونشأت بينهم، وليس لدي أصدقاء، وأجد صعوبة شديدة في تكوين ذلك، وأخاف أن أبادر في التحدث مع أحد وهو لا يريدني! فأقول: إذا كنت لا أعرف كيف أذهب إلى المستشفى، وأجهل طريقة الذهاب، ومن أسأل وأين، ولا أعرف كيف أتصرف في بيتي لو حدث شيء سيئ -لا سمح الله-، ولا أعرف كيفية التعامل مع الأمور البديهة، فكيف سأتزوج؟ وكيف سأصبح أباً أصلاً؟! حرام أن أصبح زوجاً أصلاً فكيف أريد وأحلم أن أصبح أباً؟! لا والله، ضاعوا الأولاد وهلكوا وهلكت معهم إذا استمررت على هذا، إنا لله وإنا إليه راجعون.

فكرة تراودني هل أستطيع أن أفعل أي شيء أريده؟ (غالباً تكون أفكاراً سخيفة وأستحي أن أفكر بها، فضلاً عن إخباركم ولكن سأخبركم لأنني أريد الحل)، الأفكار مثل: هل أستطيع أن أذهب إلى منزل شخص أكرهه وأخرجه من بين أهله وأضربه وهو لا يستطيع أن يضربني؟ أو الشراء من المطاعم بدون مال، فقط يعطونني لأنني أنا! إذا كانت الإجابة بنعم أكون مسروراً، وإذا كانت الإجابة لا، أكون حزيناً ومتضايقاً، وأسأل نفسي: الآخرون يستطيعون ذلك أيضاً؟ إذا كانت الإجابة نعم أشعر بالضعف والعجز والحزن! وإذا كانت الإجابة لا، أشعر بالسرور والقوة وقمة الفرح!.

أرجو منكم بعد الله أن تحلوا مشكلتي، وتذكّروا أن الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ساعدوني فما السبيل إلى النضج في هذه الجوانب؟ فأنا أعاني من نقص أو ضعف شديد في أغلبها.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبدالإله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نشكركم لتواصلكم معنا وثقتكم بموقعنا.

لا شك أن الزواج مسؤولية ويحتاج لنضج كما تفضلت، لكن ما معنى هذا النضج؟ لا يوجد مقياس دقيق يمكن أن تقيس عليه، لكن يوجد هناك صفات عامة ذكرها النبي ﷺ في الحديث الشريف: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه).

والمقصود بالدين هنا أنه يقيم الفرائض العامة كالصلوات والصيام وسائر الواجبات الضرورية، والمقصود بالأخلاق أن يكون لديه قدر من حسن العشرة مع الزوجة بحيث لا يظلمها، وما زاد عن ذلك فليس مطلوباً منه، بل هو مجرد كمالات يسعى إليها البشر.

أما ما ذكرته من الجوانب المختلفة: إيماني، اجتماعي، جسدي.. إلى آخره. فهي تدخل فيما يسمى بالتوافق الزواجي، ويقصد به أن يكون لدى الزوجين قدر مشترك من التفاهم على مثل هذه الجوانب والتقارب فيها، وفي بعض البلدان يخضع المتزوجون حديثاً إلى دورات تأهيلية لتعلم الحياة الزوجية كما يحصل في ماليزيا وفي بعض الدول العربية، وهذا يقلل من حوادث الطلاق مستقبلاً.

أما نظرتك لنفسك بأنك شخص عاجز لا تستطيع نفع نفسك، مثل عدم قدرتك على معرفة التخصص المناسب الذي تذهب إليه في المستشفى للعلاج، فهذا ليس قصوراً عندك، بل هو وضع طبيعي مع بعض الناس، فليس كل الناس أطباء ولا مختصون في الصحة العامة بحيث يعرفون التخصصات الدقيقة التي يمكن أن تناسب هذا المرض أو ذاك، بمعنى آخر: الجهل في هذا الجانب لا ينقص من شخصيتك ولا من وضعك واستعدادك للزواج!

ولكن عموماً يمكنك التركيز على ما يلي:

- مشروع الزواج مشروع أسرة -غالباً- وليس خياراً فردياً فحسب؛ بمعنى أن هذا المشروع يدخل فيه غالباً الأب والأم وأحياناً الإخوة والأخوات، لذلك ينبغي أن تبدأ بعرض مشروع الزواج عليهم وسوف يساعدونك في تحديد صلاحية هذا الخيار من عدمه.
- بخصوص الأفكار السخيفة لا داعي للاسترسال معها، فهي مجرد أفكار وسواسية لا أهمية لها، لكن لا بد من قطعها وعدم الالتفات إليها، حتى لا تتحول إلى أفكار وسواسية متعبة.

- يمكنك اللجوء للاستخارة بعد اللجوء للاستشارة، فالاستخارة مع الله تعالى والاستشارة مع البشر، وهي أن تصلي ركعتين وتدعو بهذا الدعاء الذي رواه البخاري عن جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا الاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ يَقُولُ : إذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلْ : ( اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ , وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ , وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلا أَقْدِرُ , وَتَعْلَمُ وَلا أَعْلَمُ , وَأَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ , اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ (هنا تسمي حاجتك ) خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ : عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ , فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ , اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ (هنا تسمي حاجتك ) شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ : عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ , فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ ارْضِنِي بِهِ . وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ ) وَفِي رواية ( ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ).

نسأل الله أن ييسر أمرك، وأن يشرح صدرك، وأن يهديك سواء السبيل.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً