الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل أحلام اليقظة أوصلتني إلى الوسواس القهري؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قبل كل شيء، أود أن أعتذر عن ركاكة اللغة التي سأكتب بها، المهم أنا فتاة طالبة، وبعمر 24 سنة، وأدرس بالسنة الثانية بسلك الدكتوراه، أعاني من العديد من الوساوس والأفكار القهرية التي تكاد تصيبي بالجنون، منذ نحو ثمان سنوات.

بدأ الأمر بأحلام اليقظة المفرطة، التي كنت ولا زلت أعاني منها، حيث أتخيل وأعيش في أوهام وتخيلات أنسجها في عقلي لساعات طويلة، بل قد أقضي اليوم وأنا أتخيل، وأتفاعل مع هذه التخيلات، فمثلاً إذا تخيلت نفسي في موقف أضحك مع أشخاص أو أبكي، أبدأ بالضحك فعلاً أو البكاء، وغيرها من المواقف الأخرى.

تزداد هذه التخيلات أثناء سماعي للموسيقى، فأنسج في عقلي مواقف تتماشى مع الموسيقى التي أستمع إليها، المهم أني أصبحت غير قادرة على كبح نفسي والتحكم في تصرفاتي، خاصة أمام الناس، حيث أقوم ببعض التصرفات التي قد تبدو للبعض غريبة، كما أني عدت غير قادرة على التركيز، وأصبحت أه‍مل دراستي كثيراً، كما أن شخصيتي أصبحت ضعيفة، وعصبية للغاية.

لقد حاولت في العديد من الأحيان الابتعاد عن الموسيقى وكبح هذه التخيلات، لكني لا أستطيع، وفي الأعوام الأخيرة ازدادت هذه الأفكار، والتخيلات القهرية بشكل مفرط، فما الحل؟

هل أنا أعاني من أحلام اليقظة المفرطة فقط، أم من الوساوس القهرية أيضاً؟ علماً بأني مؤخراً بدأت أصاب بوسواس النظافة، فبدأت أشك في طهارة ونجاسة كل شيء.

أخيراً: أود أن أعلم هل يجب أن أتوجه إلى أخصائي نفساني أم طبيب نفسي؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Salma حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في إسلام ويب، ورسالتك واضحة وعباراتك رصينة ومعبرة، وأنت تحدثت عن هذه التخيلات وأحلام اليقظة المفرطة، وطبعاً هي دليل على وجود القلق النفسي والتوترات الداخلية، وربما شيء من الذي يسميه علماء السلوك (الكبت) من خلال أحلام اليقظة، يعبر الإنسان عن أشياء ظلت مكبوتة في داخله، ولم يستطع إخراجها، لأنه لم يعبر عن نفسه أولاً بأول، خاصة في الأشياء التي لا ترضيه، على العموم لا أرى أن هناك تأخيراً أبداً في أن تتخذي المسارات وطرق العلاجات الصحيحة.

بالنسبة لأحلام اليقظة، يجب أن تقطعي الرابط، الرابط -كما تفضلت- الموسيقى، وقطع الروابط من الناحية النفسية والسلوكية من أهم العلاجات التي يجب أن يلتزم بها الإنسان، هناك تجربة بافلوف، العالم الفسيولوجي الروسي الكبير، الذي على ضوء تجاربه بنيت نظريات التعلم، والارتباط الشرطي، حين أتى بالكلاب وعرض عليها الطعام، وكان لعابها يسيل، وبعد أن أحجم عن إعطائها الطعام ظل أيضاً لعابها يسيل، خاصة حين يربط ذلك بصوت جرس، إذاً صوت الجرس كان هو الرابط، في الأول كان اللعاب هو الرابط، وبعد أن قطع الجرس فانقطع تقديم الطعام انقطعت الروابط، وتوقف سيل اللعاب.

هذه التجربة فسيولوجية سيكولوجية مهمة جداً، فإذاً توقفي عن سماع هذه الموسيقى واستبدليها بشيء آخر، سماع شيء من القرآن، سماع شيء مفيد، هنالك الآن الكثير من الكتب المسجلة يمكن للإنسان أن يستمع إليها، خاصة إذا كانت الذاكرة السمعية عند الإنسان أقوى من الذاكرة البصرية، سماع ما يساعدك في دراستك، وأنت ما شاء الله في مرحلة أكاديمية مهمة، فاستغلي هذه الأوقات فيما يعود عليك بالنفع في دينك ودنياك، أيضاً عبري عن ذاتك ولا تحتقني، عبري عن مشاعرك، كوني إنسانة محاورة، ولبقة في هذا السياق، مارسي الرياضة، رياضة المشي، رياضة الاسترخاء، كلها أشياء مفيدة جداً، عليك أيضاً تجنب تناول الطعام في وقت متأخر من الليل.

بالنسبة للوساوس -أيتها الفاضلة الكريمة- طبعاً هي تنتعش كثيراً حين يكون لدى الإنسان أحلام يقظة، لأن الاسترسال في التفكير يأتي بمحتوى وسواسي أيضاً، اقطعي هذا الرابط، أيضاً حقري الوساوس، ونظمي وقتك، وتجنبي السهر واجعلي لحياتك أهدافاً، فكري فيها، أنت -الحمد لله- طالبة دكتوراه، وفي السنة الثانية، وما ذكرت الكثير والكثير الذي يمكن أن تقومي به في سياقات مفيدة جداً، وهذا يؤدي إلى راحة تامة لهذا القلق.

أنت محتاجة لعلاج دوائي بسيط، هنالك مضادات الوساوس ممتازة، مثل السيرترالين والفلوفكسمين والفلوكستين، كلها أدوية طيبة، أي منها سيكمل الرزمة العلاجية أيضاً، يمكنك أن تذهبي إلى الطبيب النفسي، فالطبيب النفسي سيجري معك بعض الحوارات الاستكشافية، ومن ثم يقوم بتوجيه الإرشاد اللازم لك، وإن رأى أن هنالك ضرورة للتحويل لأخصائي نفسي سيقوم بذلك.

بارك الله فيك وجزاك الله خيراً، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً