الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أولادي خرجوا عن سيطرتي وتركوا الصلاة، فكيف أعيدهم للصواب؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لا أعرف كيف أبدأ سؤالي؛ لأنني محاطة بآلاف الأسئلة، والأهم منها أنني كرهت الحياة بسبب معصية أولادي، وعدم اهتمامهم بحياتهم الدنيوية ولا الأخروية، حاولت بجميع الطرق لكن دون جدوى، والآن ينتابني شعور بالكره لنفسي، وأتمنى الموت، مع أنهم وصلوا إلى مرحلة يمكنهم الاعتماد على أنفسهم، لا أرى فيهم ما يريحني، خصوصاً وأنهم لا يصلون، ولا يطيعونني، حياتهم مقتصرة على النوم والأكل وشرب الممنوعات، حاولت تربيتهم على الأخلاق والصلاة، درسوا في مدارس محترمة، وأنا الآن منهارة، وكل شيء أمامي أسود.

أرجو من سيادتكم النصح، وأتمنى متابعة حالتي إلى أبعد الحدود، ويمكن أن أدفع مقابلًا للخدمات التي تقدمونها، لدي الكثير مما أعانيه، هل هذا عقاب من الله على أفعالي، أم ابتلاء؟ ساعدوني جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نجية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

يجب العلم أن الهداية أنواعها ثلاث:
1- هداية فطرية: وهي الهداية بالفطرة التي فطر الله تعالى عليها كل الناس، والتي تتضح في قوله تعالى: "الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى".

2- هداية إرشاد ودلالة: وهي الهداية عن طريق "الإرشاد"، وهو الجهد المبذول من الأنبياء والمرسلين مع المدعوين؛ فقد قال الله تعالى: "وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم"، وأيضًا هو الجهد المبذول من الآباء والمربين مع الأبناء (التربية)، لاستجلاب المستوى الأعلى من هداية الإرشاد، وهي هداية التوفيق.

3- هداية توفيقية: وهي أعلى مستويات الهداية، واصطفاء محض من الله؛ لأنه يعلم السر وأخفى، فسبحانه القائل: "إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء"، وقال أيضًا: "فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون"، فالجهد التربوي يندرج تحت هداية الإرشاد والدلالة؛ وهو وسيلة وأخذ بالأسباب لاستجلاب هداية التوفيق من الله للولد، فيجب عليك بذل السبب عبر الإرشاد والدلالة، وتكاملها بدعاء الله أن يرزق أولادك الهداية والتوفيق.

لا تنس الدعاء لهم بالصلاح والهداية، فإن دعاء الوالدين مستجاب، كما أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- بقوله: (ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهنَّ) منها (دعوة الوالد لولده)، فكل ما نبذله في تربية أولادنا هو أخذ بالأسباب، بينما الهداية من الله.

كذلك فالله عز وجل يبتلي عباده بالشدة وبالضراء وبالرخاء والسراء، وقد يكون الابتلاء بالولد بعدم صلاحه، لرفع درجاتهم ومضاعفة حسناتهم إن صبروا على فساد أبنائهم، وقد يكون هذا الابتلاء بسبب ذنوبهم وتقصيرهم في أوامر الله.

—————————————————-
انتهت إجابة: أ/ عبدالرحمن محمد ضاحي ….. مستشار تربوي.
تليها إجابة: د/ محمد المحمدي …. مستشار تربوي.
——————————————————

أهلاً بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله أن يصلح حال أولادك وأن يهديهم وأن يردهم إلى الحق رداً جميلاً، إنه سميع مجيب.

أختنا: بالطبع نحن نستشعر ألمك، ونعرف مدى الحزن الذي أصابك، ولكن هذا لا يدفعنا إلى اليأس من رحمة الله، ولا القنوط، بل يدفعنا إلى ثلاثة أمور:
1- الصبر عليه.
2-العمل على تغييره.
3-الرضا بالقضاء بعد بذل الأسباب.

أولا: الصبر، اعلمي -أختنا الكريمة- أن ما أنت فيه هو ابتلاء من الله عز وجل، لينظر هل تكوني صابرة شاكرة أم جزعة ساخطة؟ ومن رضي فله الرضا، ومن سخط فعليه السخط، ولا يضر ربنا شيئاً.

واعلمي أن الابتلاء سنة ماضية يتبين بها الصادق في طلب رضوان الله والجنة من الدعي، قال تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ)، هذا وقد ذكرت أنك اجتهدت في تربيتهم، وبذلت جهدك في تقويم سلوكهم، وهذا ما يطمئنك -أختنا- فقد أعذرت إلى الله عز وجل، والواجب اليوم الاقتداء بالصابرين التماساً للأجر من الله، قال ربي: (وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157).

ولابد أن نشير هنا -أختنا- إلى نقطة هامة: صلاح الوالدين لا يوجب صلاح الأبناء، نعم، هذه قاعدة مطردة قد يصلح الوالد أو الوالدة، ثم يكون ولده على خلاف ذلك، وما قصة نبي الله نوح عنا ببعيدة، وهو من هو مكانة عند الله عز وجل، ومن الجيد استحضارها أمامك كل وقت، وشاهدي طلب نوح من ولده أن يركب سفينة النجاة: (وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ)، لكن كان جوابه غاية في الجحود: (سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ)، ونوح -عليه السلام- يعلم الخاتمة، ويظل ينصح له قائلاً: (لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ)، لكن الغلام ظل على ما هو عليه فكان أمر الله: (وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ)، نوح نادى ربه من شفقته على ولده فقال: (رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ)، فكان قول الله الفصل له ولكل من سلك الطريق: (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ۖ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۖ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ)، هنا سلم نوح لأمر ربه فقال: (رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ۖ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ)، هذا هو التسليم المراد -أختنا- بعد أخذ كل الأسباب الممكنة لهدايتهم.

ثانياً: العمل على تغييره، قد ذكرت أنك بذلت كل الأسباب الممكنة لهدايتهم، ونحن هنا ننصحك بما يلي:
1- الاستمرار وعدم التوقف في ذلك، وبذل كل الأسباب المتاحة.
2-الأبناء ليسوا جميعاً على خلق واحد، هناك السيّئ والأسوء.

اجتهدي في البدء بالأقل سوءاً، بهذه الوسائل:
- التواصل مع أصحابه الصالحين أو الأقل سوءاً وحثهم على النهوض به.
- التغيير يبدأ بالذنب الأشد فالأقل.

- الاجتهاد في التواصل معه وإيقاظ عاطفة البنوة داخله، فحب الولد لأمه قائم، وأحياناً يبتعد البعض عن السوء حباً لأمهم.

-إن كان للابن مدرس يحبه، أو شيخ يعرفه، أو شخصية يحترمها، فيمكن التواصل معها.

-إحياء ثقته بنفسه، وإحياء بعض الصفات الجيدة فيه، حتى لا ييأس من العودة متى ما أراد العودة.

-الدعاء لله عز وجل في الأوقات الفاضلة، والأيام الفاضلة، والأزمنة الفاضلة أن يهديهم، لا تقطعين عنهم الدعاء أبداً، فقد تأتي الهداية في لحظة لم تتوقعيها.

ثالثاً: مع الصبر والعمل على التغيير للأفضل لابد من الإيمان بالقضاء والقدر، وأن كل شيء لحكمة، والله لا يقضى لعبده إلا الخير، وإذا آمنت بالقدر طيب الله قلبك، فلا ندم على ما فات من حياتك، ولا تحسر على ما هو واقع بعد بذلك الأسباب كلها، وبالطبع تتخلصين من بعض اليأس والقنوط الذي لمحناه في رسالتك.

والقائمون على إسلام ويب -أختنا- لا يتقاضون أجراً على ما يبذلونه، نسأل الله أن يكتب أجرهم، وهم مع كل مكلوم ومبتلى، وبناء على طلبك فإننا نرجو منك مراسلتنا بما يلي:
1- أعمار الأبناء، وصفاتهم الخلقية.
2- أقربهم وداً إليك.
3-إيجابياتهم وسلبياتهم.
4-مستوى تعليمهم.
5-مدى مراقبة الله في قلوبهم وموقفهم من الدين كدين.
6-صحتهم العامة البدنية والنفسية والمالية.

ونحن -إن شاء الله- ندرس تلك الحالات ونوافيك بما ينبغي فعله، عسى الله أن يهديهم، وأن يصلحهم إنه جواد كريم، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً