الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لماذا تسيء لي أمي أنا فحسب من بين إخوتي؟

السؤال

السلام عليكم.

عائلتنا أربع بنات وولد.

الأختان الكبيرتان متقاربتان في السن، تزوجن أول العشرين، وأخي أكبر مني بأربع سنوات، مهمل، وسبب لنا حياةً مليئةً بالمشاكل والانعزال عن الأقارب.

أختي الأصغر مني بأربع سنوات مفضلة، وغير مسؤولة، حتى عند خطئها، كنت أتعرض أنا للضرب والإهانة بدلاً منها؛ لأنني مسؤولة عنها، وإذا تدخلت بشؤونها كأن أقول لها: هذه الرفقة غير صالحة، ولا تصاحبيها، أتعرض للضرب والإهانة على أنني أتدخل في حياتها، وأعقدها، والله يشهد أني تعرضت لضغط وظلم لا يعلم به إلا الله.

الحمد لله كنت ملتزمة ومتفوقة في دراستي، ودخلت كلية الهندسة، والتزمت بوظيفة أيضاً بعد تخرجي، وهنا كانت بداية معاناتي.

انقلب علي أهلي، وضاعفوا الإهانات والإذلال لكي لا أكون متكبرة، وأظن أني أحسن من أخواتي.

كانت أمي تحرض أبي على رفض الدكتور والمهندس رغم صلاح دينهم وأخلاقهم بشهادة أخوالي وأعمامي، وتعجبهم من رفض أهلي (طبعاً بدون أخذ رأيي، وبدون علمي، وتقول لهم: إنني رفضتهم لإكمال دراستي)، وغير المتعلم تقنع أبي به، وتضغط علي لإقناعي، حتى زوجتني شخصاً غريباً عن عائلتي، ولصقت بي تهمة أني أعرفه، واضطروا للقبول، مع أنني لم أكمل دراستي، وعانيت ما عانيت من قطيعة أقاربي وأبي دون أن أعرف ما السبب؟

وبعد زواجي حاولت تزويج أختي من الطبيب الذي رفضت تزويجي له.

أنا أكره أمي، وأخاف من العقوق، لم أستطع مواجهتها، ولكن تملقي لها رغم كل ما سببته لي يدمرني، ويشتعل قلبي عندما تظن أنني لا أعلم بصنيعها!

كيف أبرئ نفسي من افتراءاتها بعد سنين؟ وما الذي يعوضني؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ماريا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فأهلا بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به، إنه جواد كريم.

أختنا: نحن نتفهم نفسيتك، وخاصة في صغرك من تسلط الأخ الأكبر عليك، ومحاسبتك على أخطاء أختك عند التصويب لها، أو عند تركها، ولا شك أن هذا أثر عليك نفسياً، وكثير من أخواتنا يحدث لهن ذلك، وهذا سلوك نرفضه، وإن كنا ندرك أنه موجود.

ثانياً: دعينا أولا نضع قاعدة نؤسس عليها حكماً ثم نعود إلى جوابنا: لنفترض -أختنا- أن الوالدة كانت كذلك وأكثر، وأنها ما قدمت لك خيراً قط؛ فهل يسقط هذا برها؟ بالطبع: لا، فالله قد أمر ببر الوالدين حتى لو دفعاك للشرك أو الكفر، فقال تعالى: (وإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).

الشرك: وهو أعظم الذنوب، وأشدها إثماً، يأمر الله الولد إذا أمره والداه أو أحدهما بالشرك ألا يستمع له، لكن في نفس الوقت يجب عليه بره ومصاحبته بالمعروف، فإذا كان هذا في حق الوالد الذي يدفع ولده للشرك، فكيف بالمسلم؟!

ثالثاً: أنت اليوم أم، وتفهمين تماماً ماذا تعني الأمومة، وأمك ليست بدعاً من القول، وفطرتها تجاه ابنتها لا تملك هي تغييرها، فأصدق الحب وأنقى الحب وأخلص الحب هو حب الأم لابنتها، تلك فطرة خلق الله الناس عليها.

نعم قد تخطئ الأم في تقدير أمر ما، لكن محال أن تتعمد أذية ابنتها، ومحال أن تمكر بها، ومحال أن تريد لها الضرر، ومحال أن تكيد لها أو تصرف عنها الخير، لكن يبدو أن المشكلة التي حدثت معك جعلتك تفسرين بعض الأحداث تفسيراً خاطئاً، أو تحملين بعض المواقف فوق ما تتحمل، ولو أحسنت الظن بأمك، وتخلصت من الخطأ الذي وقع لك وأنت صغيرة، وحاورتها، لعلمت جيداً أن هناك ما خفي عنك، وأن تفسيراً للأحدث كان على عكس ما وصل لك.

رابعاً: أختنا الكريمة: أنت تحتاجين إلى معرفة قدر زائد عن فضل الأم وبرها في الإسلام، وكيف أن برها يرفع درجتك في الدنيا والآخرة، ويكفيك الحديث الصحيح الذي نحفظه منذ نعومة أظفارنا، حين جاء رجل إلى رسول الله، وقال: (يَا رسولَ اللَّه، منْ أَحَقُّ الناس بِحُسْنِ صحابتي؟ قال: أمك، قَالَ: ثم مَنْ؟ قَالَ: ثم أمك، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أمك، قَالَ: ثم مَنْ، قَالَ: ثُمَّ أبوك).

اعلمي أن رضا الله في رضاها، فقد ورد: (رِضَا اللَّهِ فِي رِضَا الْوَالِدَيْنِ، وَسَخَطُ اللَّهِ فِي سَخَطِ الْوَالِدَيْنِ).

وأن المرء مهما فعل فلن يفي والدته حقها، فقد فقال -صلى الله عليه وسلم-: (لا يَجزي ولدٌ والدًا، إلا أن يجده مملوكًا فيشتريه فيعتقه).

وأمك ضيفة اليوم في دار الدنيا، وغداً راحلة، فبادري بإصلاح ما بينك وبين الله ببرها، واستسمحي منها -وإن شعرت أنك المظلومة- استجابة لأمر الله عز وجل، واسمعي منها، فعسى أن تتحدث فيظهر لك بعضاً مما خفي عنك.

المهم أن تكون العودة إليها لأجل الله، براً بها قبل رحيلها، قبل أن تندمي -أختنا- على وقت مر ولن يعود، وسلي كل من فقدت أمها تنبئك الخبر.

أختنا: لا تجعلي الشيطان يحول بينك وبينها، واليوم ليس وقت السؤال عمن يعوضني، فما كتبه الله وقدره هو الخير للعبد، وإن لم يشعر، اليوم -أختنا- وقت الصلح مع الله ببر الوالدة، هذه نصيحتنا لك، ونسأل الله أن يحفظك ووالدتك، وأن يذهب ما بينكما من جفوة، وأن يرزقك برها، إنه جواد كريم، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً