الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كتمة وضيق تنفس شديد وخنقة، فما العلاج؟

السؤال

السلام عليكم.
بارك الله فيكم وجميع القائمين على هذا الموقع الذي أصبح الموقع الموثوق والمتميز دومًا.

أعاني من كتمة وخنقة شديدة عندما أكون في مكان مغلق، أو مكان مزدحم، أو مكان درجة حرارته مرتفعة قليلًا، أو غرفة مغلقة، فأصاب بكتمة شديدة، وضيق تنفس، مع برودة شديدة في الأطراف، مع تعرق، وتأتيني هذه الحالة ليلًا، وعندما أكون في قاعة الجامعة أو غرفة مغلقة، أو ازدحام حفلات أعراس أشعر بأني سأختنق، وأهرب للخارج باحثًا عن هواء أستنشقه، وهكذا.

كذلك عندما أكون في غرفة أو قاعة مغلقة، أحيانًا تأتيني فجأة وأهرب من المكان باحثًا عن هواء أو أوكسجين، وأخاف أن أختنق أو أن أموت بسبب الكتمة والخنقة عندما تأتيني هذه الحالة.

لدي قولون عصبي، ولقد أجريت تحاليل دم وسكر وضغط وقلب -إيكو-، ورسم وأشعة سينية للرئة، وكلها طبيعية وسليمة.

هذه الحالة مستمرة معي منذ سنة ونصف، وأعاني من القولون العصبي معها، خوفي الوحيد هو عندما تأتيني هذه الحالة أشعر بخنقة شديدة وكتمة، وأنفي ينسد حينها، ولا أستطيع التنفس، وأتجشأ في هذه الحالة، أفزع وأذهب لمكان فيه برودة، وهواء بارد، حتى أهدأ قليلًا، وأخاف أن تصيبني مجددًا، وأن أموت أو أنكتم، عندما تأتيني، ولا يصل الهواء للرئتين وأختنق، ولا أستطيع التنفس.

هل هي حالة خطيرة؟ وهل لها مضاعفات؟ أو هل الكتمة تسبب فعلًا الوفاة؟ لأني أنجو من هذه النوبات بصعوبة بفضل الله، ولكني أخاف لأنها تتكرر كل أسبوع، وأحياناً تهدأ لمدة شهر، ثم تعود مجدداً.

أرجو إفادتي، والإجابة على سؤالي هذا، وشكرًا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عزام حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في موقع إسلام ويب، وأشكرك على كلماتك الطيبة، وأسأل الله تعالى أن ينفع بنا جميعًا.

أنا اطلعتُ على رسالتك بكل تفاصيلها، وهي واضحة جدًّا، وأبشرك -يا أخي- أن الحالة التي تعاني منها -حتى وإن كانت مزعجة لك- حالة بسيطة جدًّا بجميع المقاييس، فالذي تعاني منه هو قلق المخاوف، وقلق المخاوف قد يكون لكل شيء: الخوف من الأماكن الضيقة، الخوف من الأماكن المزدحمة، الخوف من الأماكن المظلمة، الخوف من المرتفعات، الخوف من ركوب الطائرات، الخوف حتى من الصلاة في المسجد، بعض الناس تأتيهم هذه المخاوف.

حقيقة المخاوف متعددة، ولا نستطيع أبدًا أن نقول: إنها ناتجة من ضعف في الشخصية، أو قلة في الإيمان، لا، هو سلوك سلبي مكتسب، غالبًا يكون الإنسان قد تعرّض لنوع من المخاوف في فترة الطفولة، ويُعرف أن فترة الطفولة فيها الكثير من المخاوف، الخوف من الظلام، الخوف من الغرباء، الخوف من الحشرات، الخوف من الرعد... كل هذا موجود.

بكل أسف أحيانًا الطفل قد يتعرض لنوع من الرهبة والتخويف حتى من ذويه، فتظلّ هذه المخاوف أو هذه التجارب السلبية مخزّنة في الدماغ، ومشفّرة على مستوى الكيان المعرفي والوجداني عند الإنسان، وقد تظهر عنده في شكل مخاوف مختلفة بعد أن يكبر الإنسان.

هذه نظرية معروفة ونظرية مقبولة جدًّا. إذًا المخاوف مكتسبة ومتعلّمة، والشيء المكتسب يمكن أن يُفقد من خلال التعليم المضاد، وأنا أقول لك: إن الذي يحدث لك يجب أن تتجاهله، لن يحدث لك اختناق، لن يحدث لك أي شيء، على العكس تمامًا أريدك أن تقتحم وأن تواجه، وأن تعرّض نفسك لهذه المواقف، وتُكرر ذلك، وسوف تجد أن مستوى الخوف قد قلَّ كثيرًا.

طبعًا سنصف لك العلاج الدوائي الذي يُساعد كثيرًا على التخلص من هذه المخاوف، والتطبيقات العملية اليومية التي يمكن أن تقوم بها.

الدواء المفضل في مثل حالتك: عقار يعرف (سيرترالين) من الأدوية الممتازة جدًّا، وستجده تحت مسمّيات تجارية مختلفة، منها (زولفت) و(لوستيرال) لكن ربما تجده تحت مسمى تجاري آخر في اليمن، وذلك حسب الشركة المنتجة.

تبدأ في تناول الدواء بجرعة خمسة وعشرين مليجرامًا يوميًا -أي نصف حبة من الحبة التي تحتوي على خمسين مليجرامًا- تتناول هذه الجرعة يوميًا لمدة عشرة أيام، ثم تجعلها حبة واحدة يوميًا –أي خمسين مليجرامًا– لمدة أسبوعين، ثم تجعلها مائة مليجرام يوميًا –أي حبتين– وتستمر عليها لمدة ثلاثة أشهر، وهذه هي الفترة العلاجية، علمًا بأن الجرعة الكلية يمكن أن تكون حتى أربع حبات في اليوم، لكن لا أعتقد أنك ستحتاج لهذه الجرعة.

هذه الجرعة البسيطة الوسطية ستكون مناسبة لك، وبعد انقضاء الثلاثة أشهر وأنت على جرعة الحبتين خفضها إلى حبة واحدة –أي خمسين مليجرامًا– وهذه هي الجرعة الوقائية والتي أريدك أن تستمر عليها لمدة ثلاثة أشهر، بعدها تخفض الجرعة إلى خمسة وعشرين مليجرامًا يوميًا لمدة أسبوعين، ثم خمسة وعشرين مليجرامًا يومًا بعد يومٍ لمدة أسبوعين آخرين، ثم تتوقف عن تناول هذا الدواء.

أريدك -أيها الفاضل الكريم- أيضًا أن تتناول دواء آخر، كدواء داعم ومساعد، الدواء الآخر يُسمَّى (دوجماتيل) واسمه العلمي (سولبيريد)، وهو رائع جدًّا في علاج القلق واضطرابات القولون العصبي، ويكون داعمًا طبعًا لفعالية السيرترالين؛ تناول السولبيريد بجرعة خمسين مليجرامًا صباحًا ومساءً لمدة شهرٍ، ثم خمسين مليجرامًا صباحًا لمدة شهرٍ، ثم توقف عن تناوله، لكن تستمر على السيرترالين بنفس الكيفية والجرعة والمدة الزمنية التي ذكرتها لك، كلا الدوائين من الأدوية السليمة جدًّا، والفاعلة، وغير الإدمانية.

أيها الفاضل الكريم: بجانب العلاج الدوائي كما ذكرتُ لك يجب أن تقتحم، يجب أن تحقّر هذه الأفكار، ولا تتوقف أبدًا عن تواصلك الاجتماعي، تشارك الناس في أفراحهم وأتراحهم، وتصلي مع الجماعة في المسجد، وتجتهد في دراستك، وتُحسن إدارة وقتك، وتتجنب السهر، ويجب أن تركّز كثيرًا على الفعاليات الأسرية، تكون شخصًا فاعلاً ومفيدًا في أسرتك، وتكون بارًّا بوالديك.

أيها الفاضل الكريم: هنالك أيضًا تمارين نسميها بتمارين الاسترخاء، تمارين التنفس المتدرجة، وكذلك تمارين شد العضلات وقبضها ثم استرخائها، ذات فائدة عظيمة جدًّا، فأرجو أن تطبقها، توجد برامج على اليوتيوب توضح كيفية تطبيق هذه التمارين، كما أن إسلام ويب أعدت استشارة رقمها (2136015) أرجو أن تستعين بهذه الاستشارة، وتطبق ما ورد بها من تعليمات وإرشادات وتمارين، وأسأل الله تعالى أن ينفعك بها.

أيها الفاضل الكريم: هذه الكتمة النفسية لا علاقة لها بالوفاة، الموت هو أمرٌ آخر تمامًا، أما هذه فهي مجرد حالة نفسية نادرة من الانشداد العضلي في القفص الصدري، والذي يأتي من قلق المخاوف؛ لأن القلق يتحول إلى توتر، والتوتر يتحول إلى توتر عضلي، وهذا هو الذي يُسبب لك الكتمة، وحتى القولون العصبي سببه الانقباضات التي تحصل في القولون نتيجة للتوتر النفسي.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً