الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أخاف من الاجتماعات والمناسبات، فكيف أتحرر من ذلك الخوف؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بارك الله فيكم، وشكراً لكم على ما تقومون به وتقدمونه لهذه الأمة، أسأل الله أن يكتب أجركم جميعاً.

لدي خوف كبير يمنعني من حضور المناسبات، ويمنعني من الاجتماع مع معظم الناس، ولكني أحياناً أجد نفسي إذا أصبحت في اجتماع ما أتجرأ قليلاً حتى تتجه الأضواء لي، وأصبح أنا المتحدث، والكل ساكت، هنا أشعر بخوف داخلي، وأشعر أن صوتي يرتجف، ويتكرر هذا المشهد في كل مرة أقدم على وظيفة جديدة.

فمثلاً: قبلت قبولاً مبدئياً في وظيفة أفضل من عملي الحالي، (فعملي الحالي مندوب توصيل)، وحين ذهابي لمقر الشركة لإجراء المقابلة، وجدت عدداً لا بأس به ينتظر، قد يكون أقل من ٣٠ شخصاً، فأصابني خوف ورهبة أيضاً، وغادرت المكان.

وينطبق نفس الكلام على معظم الاجتماعات العائلية التي لا أحضرها بسبب الخوف، ولكن في نفس الوقت قد أجتمع مع مجموعة من الأهل في مكان مفتوح (مثلاً حديقة)، فأجد أني أتقبل الأمر أكثر من الاجتماع المنزلي الذي لا أحضره أساساً بسبب التخوف، مع أني حاولت أن أجبر نفسي على حضور بعض المناسبات، ولكن حتى التي استطعت حضورها فقد كنت كالجدار فيها لا أتحرك، ولا أتحدث إلا مع من يجلس بجواري فقط.

فهذه الرهبة بدأت بشكل واضح وصريح منذ عدة سنوات تؤثر على سير حياتي، فقد اعتزلت الكثير من الأهل والأصدقاء، وأثرت على تطوري الوظيفي، وعلى رغبتي بالزواج، وعلى أمور كثيرة.

ملاحظة أخيرة: في حال كنت أحتاج لتناول أي دواء فإني أود إعلامكم بأني شخص أعاني من معدتي، وعدم تقبلها لأمور كثيرة، كما أني مصاب بالسمنة.

وشكراً لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في موقع استشارات إسلام ويب.

أخي: لديك درجة بسيطة من قلق المخاوف، وقلق الأداء، وربما أيضًا شيء من الخوف من الأماكن الضيقة، حيث إنك لا تحس بالارتياح داخل المنزل حين تجتمع بالأسرة.

والخوف –أيها الفاضل الكريم– هو سلوك نفسي مكتسب، حيث لا أحد يُولد ومعه الخوف، ربما يكون قد اكتُسب هذا الخوف في مراحل الطفولة الأولى، ويُعرف أن مخاوف الطفولة كثيرة، كالخوف من الظلام، والخوف من الحشرات، وكثيرًا ما يقوم بعض الأهل بتخويف الطفل وهو صغير، وهذا يترتّب عنه هذه الظواهر لاحقًا.

أيها الفاضل الكريم: إذًا الخوف مكتسب، والشيء المكتسب يمكن أن يفقده الإنسان، وذلك من خلال التعليم المعاكس.

من المهم جدًّا أن تدرك أن الأعراض الفسيولوجية التي تحس بها عند المواجهات –مثل: شعورك أن صوتك يرتجف، أو أنك تتعرق، أو يوجد تسارع في ضربات قلبك، أو خفة في رأسك– هذه المشاعر مبالغ فيها، وإن وجدت تكون موجودة بنسبة لا تزيد عن العشرة بالمائة (10%)، هذه حقيقة يجب أن تدركها تمامًا.

وعلى ضوء ذلك أقول لك: إنه لا أحد يُلاحظ عليك أي نوع من التغيرات، حتى الذين يعتقدون أن وجوههم يكون فيها احمرار شديد؛ هذا الشعور أيضًا ليس كله صحيحاً.

الأمر الآخر وهو: أن تحقّر هذا الخوف، وأن تبدأ مباشرةً في تطوير مهاراتك الاجتماعية التخاطبية، وذلك بأن تُراعي تعابير وجهك، ونبرات صوتك، ولغة جسدك، خاصة حركات اليدين.

النقطة الأخرى وهي نقطة علاجية مهمّة جدًّا، هو: أن تلجأ لما نسمّيه بالتعرُّض في الخيال، تتصور نفسك أنك في اجتماع كبير، أو أنك مثلاً في المسجد وفي صلاة الجمعة، وقد تغيّب الإمام لسبب ما، والناس أحسنوا فيك الظن، وطلبوا منك أن تؤدي الخطبة وبعدها الصلاة. هذا -يا أخي- موقف يمكن أن يحدث، لا تعتبره أمرًا خياليًّا، يجب أن تتأمّل طول هذه الرحلة النفسية الخيالية، لكنها مهمّة جدًّا.

تصور أيضًا أنك قمت بتقديم موضوع مهمّ جدًّا في محيط عملك، كيف أنك قد حضّرت الشرائح، وكيف أنك قمت بالإعداد الجيد للمادة، وكيفية تقديمك لها، ... وهكذا، هذا النوع من التعرُّض في الخيال مهمٌّ جدًّا.

وحقيقة التخوّف حين تكون في الاجتماعات الأسرية؛ هذا خوف سخيف، يجب أن تتخلص منه مباشرة، على العكس تمامًا التفاعل الأسري تفاعل إيجابي وجيد جدًّا.

إذًا بهذه الكيفية تستطيع حقيقةً أن تتخلص من هذه المخاوف بالتدريج، وهناك أنشطة اجتماعية مفيدة جدًّا، منها:

- ممارسة الرياضة مع مجموعة من الشباب، كلعب كرة القدم مثلاً.
- الحرص على الصلاة مع الجماعة، وخاصةً في الصفوف الأولى، هذا أيضًا نوع من التعريض الإيجابي جدًّا.

فهذه التطبيقات مهمّة، ودائمًا يجب أن يكون في خلدك أنه من الضروري أن تقوم بالواجبات الاجتماعية، ولا تتخلف عنها أبدًا، كمشاركة الناس في أفراحهم، وتقديم واجبات العزاء، وزيارة المرضى، وصلة الرحم، وتفقُّد الجيران والأصدقاء، هذه كلها أنشطة اجتماعية ممتازة جدًّا، وتؤدي إلى تأهيل النفس وتطويرها، والارتقاء بالصحة النفسية.

أخي الكريم: توجد تمارين تسمَّى بتمارين الاسترخاء، دائمًا نُشير إليها لأنها مفيدة جدًّا في قلق المخاوف، خاصة الخوف والرهاب الاجتماعي أو قلق الأداء، هذه التمارين يمكن للأخصائي النفسي أن يُدربك عليها.

وإن كان ذلك غير ممكن، (فإسلام ويب) أعدت استشارة رقمها (2136015) يمكنك الاستعانة بها، وتطبيق ما ورد بها، وسوف تجدها مفيدةً جدًّا. كما أنه توجد برامج على اليوتيوب توضح كيفية ممارسة تمارين الاسترخاء.

بالنسبة للدواء أخي الكريم: لدينا أدوية ممتازة جدًّا، سوف نتجنّب الدواء الذي يزيد الوزن، وإن كان من المستحيل حقيقةً أن نجد دواءً لا يؤدي إلى شيء من زيادة الوزن، لكن نبحث عن حلٍّ لها، وبالمناسبة السُّمنة في حدِّ ذاتها تجعل الإنسان محرجًا اجتماعيًّا، لذا يلجأ إلى التجنُّب، فيا -أخي الكريم-: يجب أن تضع برامج منضبطةً جدًّا، وتلتزم بها من أجل تخفيف وزنك.

الدواء الذي أنصحك بتناوله يُعرف باسم (سيرترالين) هذا هو اسمه العلمي، وله أسماء تجارية كثيرة، منها (زولفت) و(لوسترال)، تبدأ في تناوله بجرعة نصف حبة –أي خمسة وعشرين مليجرامًا– يوميًا لمدة عشرة أيام، بعد ذلك اجعلها حبةً كاملةً –أي خمسين مليجرامًا– يوميًا لمدة شهر، ثم حبتين يوميًا، تناولها كجرعة واحدة، استمر على جرعة المائة مليجرام هذه لمدة ثلاثة أشهر، ثم خفضها إلى خمسين مليجرامًا –أي حبةً واحدةً– يوميًا لمدة شهرين، ثم خمسةً وعشرين مليجراماً يوميًا لمدة أسبوعين، ثم خمسةً وعشرين مليجرامًا يومًا بعد يومٍ لمدة أسبوعين آخرين، ثم توقف عن تناول الدواء.

أخي: لابد أن تطبق الإرشادات النفسية السلوكية الاجتماعية التي تحدثنا عنها، وتتناول الدواء كما هو، وبنفس الكيفية التي وصفتها به، وللمدة المطلوبة، تناول الدواء مع التطبيق السليم للإرشاد السابق يؤدي إلى نتائج علاجية رائعة جدًّا.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً