الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وساوس شديدة بعد التوبة، وعدم الشعور بقوة الإيمان

السؤال

السلام عليكم.

أنا شاب عمري 18 سنة، كنت عاصيًا وتاركًا للصلاة، وأتناول الدخان، وأمارس العادة الفاسقة، وأسمع الأغاني، ولكن الحمد لله تبت لله من جميع هذه المعاصي، أصبحت تأتيني وساوس كفرية، أول الأيام كنت أبكي خوفًا أن أكفر، أو أني قد كفرت.

أصبحت كلما أتجاهل الوسواس يأتي غيره، ولم أعد أشعر بالإيمان في قلبي، وأحس أن إيماني كل يوم ينقص، وبعد شهر تقريبًا غلبتني شهوتي ووقعت في الذنب وندمت، وأسأل الله أن يغفر لي ولم أعد أشعر بالحماس للدين عكس الأول، وأنا خائف أني بعد وقت أصبح كافرُا.

وشكرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أولاً: نهنئك – أيها الحبيب – بما مَنَّ الله تعالى به عليك من التوبة، والإقلاع عن الذنوب والمعاصي، ونبشِّرُك بأن الله سبحانه وتعالى سيقبل توبتك ما دمت تبت توبةً صحيحة، وذلك بأن تندم على فعلك للمعاصي، وتعزم على عدم الرجوع إليها في المستقبل، وتُقلع عنها، فإذا تبت بهذا النوع من التوبة فإن الله تعالى يقبل التوبة عن عباده، كما أخبر في كتابه الكريم، والرسول -صلى الله عليه وسلم- أخبر بأن التوبة تمحو ما كان قبلها، فقال: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له)، فهذا من توفيق الله تعالى لك وفضله عليك.

ولا يضرُّ كونك رجعت مرة أخرى لمرحلة الضعف إلى الذنب، فإن هذا شأن ابن آدم، فـ (كلُّ بني آدم خطّاء وخير الخطّائين التوّابون)، والله تعالى يبتلي الإنسان بالخير والشر، ومن ذلك أنه سبحانه وتعالى ابتلانا بما ركّب فينا من الشهوات، فإذا وقعنا في مرحلة ضعفٍ وأصاب أحدنا الذنب، فالواجب عليه أن يُجدد التوبة، ويرجع إلى التوبة سريعًا، فيتوب توبة مستوفية الأركان، بأن يندم على فعله الذنب مرة ثانية، ويعزم في قلبه أنه لن يرجع إليه في المستقبل، ويُقلع عن الذنب، فهذه التوبة الثانية يمحو الله تعالى بها الذنب، وهكذا.

أمَّا ما أُصبت به من الوساوس فهذا أمرٌ متفهَّمٌ -أيها الحبيب-: فإنك لمَّا كنت في طريق المعصية لم يكن الشيطان ينزعج ممَّا أنت فيه فيتركك وشأنك، أمَّا حين اخترت الطريق التي توصلك إلى رضوان الله وجنّته فإنه اغتاظ لذلك وغضب، فيحرص كل الحرص على أن يصرفك عن هذا الطريق، فيُكدّر عليك حياتك، فقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (إن الشيطان قعد لابن بأطرقه كلِّها).

فلا تُبال بهذه الوساوس، واصرف ذهنك عنها، لا تسترسل معها، حقّرها، ولا تبحث عن إجاباتٍ لها، واعلم بأن الإنسان لا يُبتلى بالوساوس – خاصة الوساوس الكُفريّة – إلَّا لما يعلم الشيطان بأن في قلبه إيمان، وخوفك من هذه الوساوس وكراهتُك لها دليلٌ على أن الإيمان في قلبك.

وقد جاء بعض الصحابة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يشكو إليه شيئًا من هذه الوسوسة في قلبه، وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنه يكره هذه الوساوس ويخاف منها، فقال له الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (ذاك صريح الإيمان) فجعل خوفه من الوساوس وكراهته لها دليلاً صريحًا على وجود الإيمان في القلب، فنطمئنك على إسلامك وإيمانك، ولكنّك مطالب بأن تأخذ بالتوجيهات النبوية إذ تخلصك من هذه الوسوسة، وهي أمور ثلاثة:

أولُها: الاستعاذة بالله كلَّما داهمتك هذه الأفكار.
والثاني: التجاهل التام للوساوس وعدم الاشتغال بها، والإعراض الكلي عنها.
والثالث: الإكثار من ذكر الله تعالى.

وينبغي أن تملأ وقتك بالشيء النافع، فلا تترك في وقتك فراغًا، فإن الشيطان يحاول أن يملأ هذا الفراغ.

نسأل الله بأسمائه وصفاته أن يتولَّى عونك وييسّر لك الخير، ويثبتنا وإياك على الحق إلى أن نلقاه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً