الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أتعبتني وساوس الكفر وكدرت حياتي، فكيف أطردها من عقلي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لديّ وساوس في العقيدة، وكلام لا يجوز عن الله، حتى أنني الآن وأنا أكتب مشكلتي تواجهني وساوس كثيرة جدًا بأنني أتعمد هذا، كلما حاولت تجاهلها، أفقد السيطرة تماماً، وأعيد التشهّد مراتٍ عديدة، الشعور بالذنب يكاد يقتلني، أخاف أن أموت والله غاضبٌ علي.

هذه المشكلة سببت لي قلقاً من المستقبل، أصبحت أخاف من مجيء اليوم التالي؛ لأن الوساوس سوف تعود، اليوم أصبت بوساوس كثيرة جداً وتجاهلتها، شعرت بأن قلبي يكاد يتوقّف، تجاهلتها حتى هدأتُ، لكن أحياناً أشعر أنني أتعمّد استحضار الفكرة حتى أثبت أنها ليست مني، فأشعر بالذنب مجدداً، أحيانا أشعر بأن قلبي سيتوقف؛ لأنني أتعمد مناقشة الفكرة، فهل هذا حرام؟ هل أحتاج لنطق الشهادتين مرةً أخرى؟ أشعر بتعب، وبأن قلبي سيتوقف.

وسؤالي الأهم هنا هو: هل محاولة إثبات أن الفكرة ليست مني تؤدي إلى استمرارها؟ أنا خائفة أن لا تُقبل أعمالي، وأخاف أن أكون بهذا الفعل قد تعمّدت إحضار الفكرة إلى ذهني، هل هذا حرام؟

أحياناً أحاول تجاهل الفكرة، وأحاول إقناع نفسي أنها ليست مني، فأنا أحب الله عزّ وجل، هل أنا آثمة؟ أنا خائفة جداً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سلمى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعدگ

فأهلاً بك -أختنا الكريمة المباركة- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله الكريم أن يمن عليك بالصلاح والهداية، وأن يسدد خطاك إلى ما يحبه ويرضاه، إنه جواد كريم.

أختنا الكريمة: نريد أن نطمئنك تماماً أنك فتاة مؤمنة -والحمد لله-، وما حدث معك مما تكرهين هو دليل إيمانك، فلا تقلقي ولا تضطربي ولا تخافي، بل اعلمي أنك مأجورة على رد هذه الوساوس.

أختنا: ما حدث معك يحدث مع كثير من المسلمين، لكن طريقة المعالجة هي التي تعجل بزواله أو تبقيه بعض الوقت، وعليه فإننا سنخبرك -بأمر الله- بالطريقة الصحيحة في دفعه:

أختنا: اجعلي هذه قاعدة في ذهنك لا تفارقك أبداً: (كل ما يُقذف في عقلك أو قلبك وقد وجدت كرهاً له، فأنت على نقيضه، وكل ما أُلقي فيهما ووجدت سروراً وترديداً واقتناعاً وأنساً، فأنت مؤمنة به).

ودعينا نبسط الأمر أكثر: لو قيل لك: بأن الكون ليس له إله! أو أن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- ليس حقيقة! أو أن الجنة والنار ليست حقاً! بم تقابلين هذا؟ بالسرور والترحاب أم بالإنكار والقلق؟ إن كرهت، فأنت على نقيض ما سمعت، أي مؤمنة بأن للكون إله، وأن النبي هو محمد هو نبيك، وأن الجنة والنار حق.

وعليه فكل وسواس أتاك وكرهته، فهذه شهادة بلسان الحال أنك مؤمنة، واستمعي معنا إلى هذا الحديث: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: (جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَسَأَلُوهُ: إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ).
قَالَ: «وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ؟».
قَالُوا: نَعَمْ.
قَالَ: «ذَاكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ».

هؤلاء جماعة من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- قالوا للنبي: إنا نجد في أنفسنا الشيء القبيح، نحو من خلق اللهَ؟ وكيف هو؟ ومِن أيِّ شيء هو؟ ونحو ذلك مما يتعاظم النُّطق به، فأجابهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن هذا صريح الإيمان، وهو المانع من قبولكم ما يُلقِيه الشَّيطان في أنفسكم والتَّصديق به.

وعليه فلا تلتفتي لتلك الوساوس، وخذي هذه النصائح التي نكررها لكل من ابتلاه الله بالوسوسة، فهي نافعة -بإذن الله-:
أولاً: اعلمي -أيتها الفاضلة- أننا نحن من نضخم شأن الوسواس، وكذلك من نهونه، حين لا نفهم طبيعته، ولا نعامله بالتفاهة التي يستحقها، ومن التفاهة التفكير في الكلام والاجتهاد أن نرد عليه لنقول: إنه ليس منا، وإنما منه هو، هذا -أختنا- مراد الشيطان منك، أن تظل المعركة قائمة، وأن يظل الشرود والخوف والحزن موجوداً، وعليه فتجاهلي وابتسمي ورددي مبتسمة: (كرهي لما تقول شهادة بأني مؤمنة والحمد لله)، ثم غيري التفكير عن عمد، ولا تعيدي الاسترسال فيه.

ثانياً: بيئة الوسواس التي ينتشر فيها هي بيئة التفكير السلبي، وهو يعتمد في ضحيته على أمرين:
1- إظهار ضعفها وخوفها وعجزها عن مقاومته.
2- إضعاف ثقتها بنفسها ودينها وربها، بل وعالمها وكل محيط بها.

لذا أول ما ينبغي عليك فعله هو تحويل كل أمر سلبي في حياتك إلى إيجابي، مع ربط الوسواس بالسخف، ولا يكفي أن يكون ذلك اعتقاداً داخلياً، بل يلزم التلفظ به، بأن تقولي: هذا وسواس، كلام فاضي، كلام سخيف، هذا نوع من التغيير المعرفي المهم جدًّا، فحين يستخف الإنسان بشيء فسوف يحتقره، وحين يحتقره سوف يحدث ما يعرف بفك الارتباط الشرطي، أي أن الوسواس يُصبح وكأنه ليس جزءًا من حالة الإنسان.

ثالثاً: ننصحك -أختنا- بقراءة كتاب مبسط في العقيدة، وننصحك بكتاب 200 سؤال وجواب حول العقيدة كبداية لك، كما ننصحك بسماع بعض الشروحات هنا على موقعنا إسلام ويب.

وأخيراً: أنت على خير كبير، فانهضي ولا تقلقي، واعلمي أن ربك أرحم بك من والديك، ولا يريد لك إلا الخير، فلا تخشي من الكريم -أختنا-، قومي لصلاتك ونافلتك، وكتاب ربك، وأذكارك وأعمالك، ودربي نفسك على احتقار تلك الوساوس، وأنت في أمن وأمان.

نسأل الله أن يحفظك وأن يرعاك، والله الموفق.

———————————————————————-
انتهت إجابة: د/ أحمد المحمدي …… مستشار تربوي.
تليها إجابة: د/ محمد عبدالعليم …. استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان.
———————————————————————

الحمد لله تعالى قد أفادك الشيخ الدكتور أحمد المحمدي -حفظه الله- بكلامٍ بليغ، وأسدى لك كل الإرشاد الشرعي المطلوب فيما يتعلق بالوساوس والتعامل معها، وأنا أقول لك من المنظور النفسي:

الوساوس هي حقيقة ليست تحت إرادة الإنسان، هي متطفلة على الإنسان، هي سخيفة، وتتسلّط على الإنسان، وتكون مُلحّة، وتستحوذ، ويكون الإنسان كارهاً لها، رافضاً لها، ويحاول مقاومتها، لكنه يفشل في ذلك.

في بعض الأحيان حين تكون الوساوس مزمنة، قد تضعف المقاومة عند الإنسان، وهذا أيضًا نعتبره نوعًا من تطور الوساوس، وفي كلِّها أفتى العلماء -حفظهم الله- أن صاحب الوساوس من أصحاب الأعذار، ولا حرج عليه من الناحية الشرعية، لكن الوساوس يجب أن تُعالج، والوساوس يمكن أن تُعالج، وقد أعطاك الشيخ الدكتور أحمد المحمدي توجيهات سلوكية إسلامية عظيمة، وعلم النفس الحديث اتفق مع نفس هذه المناهج، وهو: أن يرفض الإنسان الوسواس، أن يحقّره، وأنا سوف أوضّح لك هذه البرامج السلوكية بصورة مختصرة جدًّا.

أولاً: قومي بما نسميه بالتحليل الوسواسي، بأن تكتبي هذه الأفكار الوسواسية في ورقة، ابدئي بأضعفها وأقلّها حدة ثم انتهي بأشدها، وقسّميها إلى مجموعات ثلاث، أو أربع مجموعات مثلاً، وبعد ذلك استجلبي الفكرة الأولى دون أن تتمعّني فيها، دون أن تمحِّصيها، دون أن تحاوريها، فقط دعي الفكرة تطرأ على خاطرك وفجأة خاطبيها قائلة: (قفي، قفي، قفي، أنت فكرة حقيرة، أنا لن أهتمّ بك أبدًا)، هذا يُكرر لمدة دقيقتين على الأقل.

بعد ذلك انتقلي للتمرين الثاني وهو: (صرف الانتباه)، بأن تأتي بفكرة أكثر نفعًا وأكثر فائدة وأكثر جمالاً، وهذه الفكرة الطيبة الجميلة الإيجابية سوف تزيح الفكرة الوسواسية، وهذا مهمٌّ جدًّا، مثلاً: فكري في التنفس لديك، كيف أن الهواء يدخل في الرئتين، وكيف أنه ينتشر في الدم، وكيف أن الأكسجين هو مولّد الطاقة، وهكذا، ثم بعد ذلك تقومين بعدّ التنفُّس لمدة دقيقة مثلاً.

ثم بعد ذلك انتقلي للتمرين الثالث: والذي نسميه بـ (التنفير)، وهذا بالفعل يؤدي إلى فك الارتباط الشرطي، من خلال التنفير تقومين باستجلاب الفكرة، وفي بدايتها تقومين بالضرب بشدة وقوة على يدك على سطح صلب، والهدف هو أن تحسّي بألم شديد، وتربطي هذا الألم بالفكرة الوسواسية، الربط ما بين الاثنين يؤدي إلى تنفير الوسواس وضعفه؛ لأن الأشياء المتضادة لا تلتقي في حيّز فكري وجداني واحد.

تمرين التنفير هذا يُكرر عشرين مرة متتالية، وبعد أن تنتهي من الفكرة الأولى، تنتقلي للفكرة الثانية أو التي تليها، حتى نهاية الأفكار كلها، وتُطبقي عليها تلك التمارين الثلاثة، والذي غالبًا لا يستغرق سوى حوالي نصف ساعة، ويجب أن يكون في مكانٍ هادئ داخل الغرفة.

من البرامج العامّة أيضًا: ممارسة تمارين الاسترخاء، تمارين التنفُّس المتدرجة، تمارين شد العضلات وقبضها، وتوجد برامج كثيرة جدًّا على اليوتيوب توضح كيفية ممارسة هذه التمارين، فأرجو أن تستفيدي منها، وإسلام ويب أعدت استشارة رقمها: (2136015).

حاولي أن تستفيدي من وقتك، بأن تتجنبي الفراغ الذهني والفراغ الزمني، وأحسني إدارة وقتك، وهذا أيضًا يُساعدك كثيرًا، من المهم جدًّا الحرص على الرياضة، كرياضة المشي ففيها فائدة كبيرة للإنسان.

وبعد ذلك أقول لك: العلاج الدوائي، مهم جدًّا في حالتك، و-بفضل من الله تعالى ورحمته- توجد الآن أدوية فعّالة جدًّا، والسبب في فائدة الأدوية هو أنه قد اتضح -وبما لا يدع مجالاً للشك- أن هذه الوساوس في معظمها وساوس طبيّة، تتعلق باضطرابات فيما يُعرف بالنواقل العصبية، وهناك مواد كيميائية معيّنة، مثل: مادة تُعرف باسم (سيروتونين)، وُجد أنها مضطربة، ولا يمكن قياس هذه المواد في أثناء الحياة.

من أفضل الأدوية التي أنصحك بها عقار يُسمَّى (بروزاك)، وهذا هو اسمه التجاري، ويُسمَّى علميًا (فلوكستين)، وربما تجدينه تحت مسميات تجارية أخرى، تبدئين في تناوله بجرعة كبسولة واحدة، وقوة الكبسولة عشرين مليجرامًا، تستمرين عليها يوميًا صباحًا بعد الأكل لمدة أسبوعين، ثم اجعليها كبسولتين يوميًا -أي أربعين مليجرامًا- لمدة شهرٍ آخر، ثم اجعليها ستين مليجرامًا يوميًا، ويمكن تناولها كجرعة واحدة، استمري عليها لمدة شهرين، ثم اخفضيها إلى أربعين مليجرامًا يوميًا لمدة شهرين أيضًا، ثم كبسولة واحدة يوميًا لمدة ستة أشهر، وهذه هي الجرعة والفترة العلاجية والوقائية، ثم بعد ذلك اجعليها كبسولة يومًا بعد يومٍ لمدة شهرٍ، ثم توقفي عن تناوله.

يتميّز الفلوكستين بأنه فاعل وسليم وغير إدماني، ولا يُؤثر على الهرمونات النسائية، ولا يؤدي إلى زيادة في الوزن.

يُدعم عقار بروزاك بدواء آخر يُسمَّى (رزبريادون)، تتناولينه بجرعة واحد مليجرام ليلاً لمدة ثلاثة أشهر فقط، وهو أيضًا دواء سليم.

هذه هي الخطة العلاجية الدوائية المتكاملة، وكذلك الإرشاد النفسي والإرشاد الشرعي، وإن أخذت بذلك -بحول الله وقوته- ستكون هذه الوساوس شيئاً من الماضي، وتختفي تمامًا، وتتطور صحتك النفسية بصورة ملحوظة.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً