الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أمي تتجاهلني لأنها ترى بأني فاشلة ولم أتزوج بعد!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا البنت الكبرى في عائلتي، وعمري ٣٠ سنةً، وأصغر إخواني في المرحلة الابتدائية.

أشعر بأني فاشلة في هذه الحياة؛ لأني ما زلت عازبةً، ولم يتقدم أحد لخطبتي، على غرار أخواتي، كما أني لم أجد أي وظيفة جيدة، وحين وجدت وظيفةً لم تعجب أهلي، ولم يسمحوا لي بالعمل فيها، مع أنها الوظيفة الوحيدة التي قبلتني.

علاقتي مع أمي زادت سوءاً؛ فهي دائماً تقارنني بغيري من الناجحين الذين يعملون، أو كانوا متزوجين ولديهم أطفال.

قبل عدة أسابيع تجادلنا في موضوع سخيف، وأنا تأسفت لها أكثر من مرة، لكنها بدأت تأخذ كل ما قلته وتستخدمه ضدي، مع أني وضحت لها ما كنت أعنيه من كلامي، وتأسفت منها كثيراً، لكنها ما زالت تتجاهلني، وتعاملني بجفاء، وتأسفت منها مجدداً، لكنها قالت لي بأنها لا تريد أسفي، وأنها سئمت من الكلام معي كلياً، والآن لا تكلمني إلا إذا احتاجت أمراً مني، لكنها ترفض الحديث معي في أمر آخر وترفض أي عرض مني حين أريد مساعدتها في البيت أو المطبخ، وتمنعني من المساعدة، كما أنها قطعت علاقتها بكل عائلتها إلا والدتها، ولا تكلم أبي إلا عن طريق الرسائل الهاتفية.

كما أنها تطلب منا عدم قول أي شيء لأي أحد، حتى لو كانت أختي، ودائماً ترى أنها على صواب، وتغضب لو أني لم أعترف أنها كذلك، حتى وإن كنت لا أرى أنها على حق، ولا يمكنني مصارحتها، وأعرف أنها تكرهني؛ لأنها قالت لي ذلك مراراً.

الآن تقول لي أن أعيش حياتي، لكني لا أستطيع ذلك، لأنها تقول لا لمعظم الأشياء.

ليس لدي أصدقاء، وأعيش في غربة، وأشعر بالكآبة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ جمان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -بنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك حُسن العرض للاستشارة، ونسأل الله أن يهدي هذه الوالدة، وأن يلهمك السداد والرشاد، وأن يجلب لداركم الوفاق، وأرجو أن تحرصي على برِّها، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.

لا يخفى عليك أن بعض الاحتكاكات تحصل بين الفتاة وبين أُمِّها، وأرجو أن يكون للوالد دورٌ في الإصلاح، إذا كانت الوالدة مخاصمة للجميع، فهذا يعني أن الأمور تحتاج منكم إلى صبر، وأرجو أيضًا أن تتفهموا دوافع غضب الوالدة، فالوالدة أحيانًا بحاجة إلى مَن يُقدّرُ تعبها، ويُقدّر مجهودها في تربيتكم، ولابد أيضًا عندما نتكلّم مع الوالد أو الوالدة أن نُراعي فرق السّن، فلا نجادل، وإنما أحيانًا نحتاج إلى أن نُحسن استماع الكلام الذي يصدر إلينا، وبعد ذلك يمكننا أن نفعل ما فيه مصلحة وما يُرضي الله.

لكن المجادلة والرفض، (وهذا لا، وهذا لماذا كذا؟) هذا لا يُرضي كثيراً من الأمهات والآباء؛ وخاصةً في المراحل المتقدمة من أعمارهم، ولذلك أرجو أن تنتبهي لما يلي:

أولاً: عليك بالدعاء لنفسك والوالدة.

ثانيًا: عليك بالاهتمام بها، وفعل الأشياء التي تُحبُّها، والصبر عليها.

ثالثًا: عدم مجادلتها إذا تكلّمت، ويكفي أن تكوني مستمعة جيدة، وكما قلنا: بعد ذلك حتى لو طلبت منك شيئًا افعلي ما يُرضي الله، افعلي ما هو صواب، لكن دون أن تُجادلي، دون أن تتكلمي، دون أن تقولي (أنا أفعل هذا لأجل كذا وكذا).

وقد ظهر من كلامك أن الوالدة عندها احتكاكات مع الجميع، وهذا يعني أنها في وضعٍ تحتاج منكم جميعًا إلى الصبر، وتحمُّل هذا الوضع، وأرجو أن يكون تواصلك مع الوالد جيدا، وبقية الأخوات، واعلمي أن الذي قدّره الله لك سيأتيك، ولا يوجد إنسان فاشل، لكن يُوجد إنسان لم يكتشف جوانب التميُّز عنده، وجوانب القدرة والملكات التي وهبها له الوّهاب سبحانه وتعالى.

فاستمري في اكتشاف نفسك، واجتهدي في طاعتك لربك، وكوني قريبةً من محارمك وأفراد عائلتك -خاصة الوالد والوالدة-، وأيضًا احرصي على أن تفعلي الأشياء التي تُحبُّها الوالدة، بلا شك أنت تعرفين الأشياء التي تُعجبها، والأشياء التي تميل إليها، فبادري بعملها، ولا تنتظري جزاءً ولا شكورًا؛ لأنك تمارسين البر، وهو عبادة لله تبارك وتعالى، واطمئني من هذه الناحية فإن الفتاة إذا قامت بما عليها، وظلّت الوالدة غاضبةً، وظلّ الوالد غاضباً لا يقبل ولا يرضى؛ فلا شيء على الفتاة من الناحية الشرعية، بل تجد العزاء في قول الله تبارك وتعالى بعد آيات البرّ: {ربكم أعلم بما في نفوسكم} يعني: من البر والحب والرغبة في برّ الوالدين {إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوّابين غفورًا}.

فأرجو أن تؤدّي المطلوب منك شرعًا، وبعد ذلك إذا رضيت الوالدة فبها ونعمت، وإذا لم ترض الوالدة مع أنك على حق، مع أنك قمت بما عليك؛ فإن ربّنا غفّار، رحيم، يُسامح، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يُسعدك، وأن يضع في طريقك مَن يُسعدك، وأن يُهيء لك فرص عمل تناسبك وتُريحك وتنجحين فيها، ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً