الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أريد حلاً لتصرفات زوجي، فأنا لا أعلم كيف أتعامل معه؟

السؤال

السلام عليكم.

زوجي مغترب ونحن وأطفالي معه وأنا لا أعمل، دخله كبير -ولله الحمد-، يصرف بشكل معتدل على متطلباتنا الأساسية، وعلى تعليم الأطفال، مشكلتي الأساسية معه أنه لا يعطيني مصروفاً خاصاً بي، وطلبت منه أكثر من مرة طلبات لي مثل اللبس وغيره يرد علي حاضر ولا يعطيني شيئاً.

وأيضاً مستأجر لنا منزلاً غير مناسب، وغير مجهز حتى الأساسيات والأثاث، تقريباً نعيش على الأرض، وطلبت منه مراراً تغيير مكان السكن ولكن دون جدوى، والسبب أنه يرى بأن السكن المناسب سيكلف مالاً أكثر، وهو يريد أن يوفر أكبر قدر من المال، فأنا أحتاج لحل للتعامل مع مثل هذه التصرفات؛ لأنني ضقت بها ذرعاً، وأمر بحالة ضيق شديد واستياءً منه، بالرغم من أنه شخص متدين ودائماً ما أذكره بأن أعظم النفقات ما ينفقها على بيته ولكن دون جدوى، وأفكر جدياً في الرجوع لبلدي وتركه، فهل إذا رجعت بلدي وتركته على ذنب؟

وأرجو توجيه نصيحة مناسبة للزوج، وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أميمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك أختنا الكريمة في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله الكريم أن يبارك فيك وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به، وبخصوص ما تفضلت به فاعلمي بارك الله فيك ما يلي:

أولاً: طبائع الرجال تختلف من شخص لآخر، ويظهر ذلك كثيراً عند الاغتراب عن الأهل، البعض منهم يكون قلقاً من الغد، مضطرباً في عمله فيحاول الاقتصاد قدر الطاقة، بدافع توفير ما يؤمن زوجه وأولاده، تلك قناعات البعض اتفقنا معها أم اختلفنا لكنه واقع.

ثانياً: إننا نحمد الله أولا أن زوجك يتحمل النفقات الضرورية، فقد كتبت أنه ينفق عليكم وعلى تعليم أولادكم بشكل معتدل، وهذا والحمد لله جيد مقارنة بما نعلم عن غيره، وقد تتعجبين من ذلك، هناك البعض أختنا لا ينفق على طعام أولاده ما يشبعهم أصلاً، والرسائل التي تأتينا كثيرة ومتنوعة ومؤلمة وصادمة في نفس الوقت.

ثالثاً: كذلك نحمد الله إليك أن الزوج متدين وصالح، وهذا أختنا جيد ويجب أن تعظمي من دائرة الإيجابيات بجوار السلبيات، فإن التغافل عن هذه الصفة مفض إلى تدمير الحياة الزوجية، ودعينا نفسر لك:

لا يخلو رجل من أخطاء، كما لا تخلو امرأة من نقائص، تلك طبيعة الحياة ولسنا ملائكة، وهنا يأتي الشيطان المتربص فيعظم إيجابياتك لزوجك وبيتك ويغمض عينيك عن هناتك وأخطائك، في الوقت الذي يضخم سلبياته ويغمض عينيك عن إيجابياته، وهذا لا شك يقودك إلى ما أنت فيه من حالة غير مستقرة نفسياً، ويوهمك الشيطان أن الابتعاد عنه خير لك وأفضل، وليس الأمر بذلك، ونحن لا نوصيك أبداً بترك زوجك والعودة إلى بلدك، لا تفعلي أختنا، فكثيراً ممن فعلن ذلك ندمن بعد شهرين فقط من رحيلهن، وبعضهن تأسفت لزوجها ولكن لم يعد يقبل بها كما كان قبل ذلك، ولذا نحن لا نريدك أن تخوضي تلك التجربة.

رابعاً: إننا نوصيك أختنا بما يلي:
1- الصبر على الزوج مع تذكر إيجابياته وتضخيمها حتى لا تتركي فراغاً للشيطان يعبث بك.
2- اختاري الوقت المناسب، والوسيلة المناسبة، والطلبات المناسبة وذكري زوجك بها بود وحب، فإذا استجاب ولو بالقليل فأكثري من مدحه والثناء عليه وتعظيم ما فعل حتى تشجعيه على الاستزادة.
3- كما نوصيك أختنا بالرضا، ونبينا صلى الله عليه وسلم قال (وارض بما قسم الله تكن أغنى الناس) فلئن كنت في بيت ضعيف أساسه، فهناك من يعيش في العراء، هذه وسائل أختنا لتخفيف ضائقة الصدر القائمة عندك، وهو توجيه من النبي صلى الله عليه وسلم: (انظُروا إلى مَن هوَ أسفَلَ منكُم ولا تَنظُروا إلى من هوَ فوقَكم فإنَّهُ أجدَرُ أن لا تزدَروا نِعمةَ اللَّهِ) فمع الوسيلتين السابقتين استخدمي تلك الوسيلة حتى تتزن نفسيتك.

أما نصيحتنا للزوج فنقول له: الحياة أخي قصيرة، وما يمر من أيامك لن يعود إليك، والذي رزقك هو الله، والذي هيأ لك ما أنت فيه هو الله تعالى، ليس ذلك بجاه لك عند الله ولا حسب، بل رزقك الله من فضله لحكمة يعلمها، وأمرك أن تبر أهلك وأولادك وأن تنفق عليهم بالمعروف، بل وجعل النفقة عليهم أفضل الصدقة ففي الصحيحين عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إذَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةً وَهُوَ يَحْتَسِبُهَا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً».
وقال لسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه: «وَإِنَّك لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إلَّا أُجِرْت عَلَيْهَا ـ حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِك» أَيْ فِي فَمِهَا.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "الإنفاق على الأهل والأولاد، أفضل من الإنفاق في سبيل الله، وأفضل من الإنفاق في الرقاب، وأفضل من الإنفاق على المساكين... وذلك لأن الأهل ممن ألزمك الله بهم، وأوجب عليك نفقتهم، فالإنفاق عليهم فرض عين، والإنفاق على من سواهم فرض كفاية، وفرض العين أفضل من فرض الكفاية".

وقد قال المناوي رحمه الله تعليقاً على الحديث الصحيح الذي يقول فيه الله تعالى : «وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ» قال: النفقة على العيال أعظم أجراً من جميع النفقات.

وقوله هذا يدل عليه ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: «دِينَارٌ أَنْفَقْته فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْته فِي رَقَبَةٍ، وَدِينَارٌ تَصَدَّقْت بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ , وَدِينَارٌ أَنْفَقْته عَلَى أَهْلِك أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْته عَلَى أَهْلِك». وكذلك حديث: «أَفْضَلُ دِينَارٍ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ دِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى عِيَالِهِ».

فالرزاق هو الله، وأنت موكل بهم، فاجعلهم يعيشون أسعد أيامهم معك من غير إسراف لكن أيضاً من غير تقتير، فالأولاد ينظرون إلى أصحابهم وجيرانهم، فأنفق عليهم من عطاء الله عليك واحتسب الأجر.

نسأل الله أن يصلحكم وأن يسعدكم، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً