الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل محاولتي للتغيير يعتبر عدم رضاً بقدر الله؟

السؤال

السلام عليكم.

هل محاولتي للتغيير عدم رضاً بقدر الله؟ لدي عقدة نقص من مظهري (بشرتي، شعري، جسدي) وأحاول أن أتغير سواء بالدعاء، أو أن أهتم بنفسي فهل شعوري يعتبر عدم رضاً؟

حالياً أشعر برضاً عن شكلي، ولكن بعدها أكرهه ثانيةً ويتكرر الموضوع، وأيضاً أدعو الله بالمال، وأن يرزقنا شقةً جديدة؛ لأن البيت الذي أعيش فيه ليس فيه حتى مكان للاختلاء مع الله، ولم أعد أطيقه، أحمد الله على وجود مكان للستر والنوم والطعام، ولكني أنوي العمل وكسب المال بأي شكل للخروج من هذا المكان، فهل هذا عدم رضاً؟

أحاول دائماً أن أحمد الله ولكن مر عام على دعائي وكلما أدعوه هو أن أخرج من البيت وأصبح جميلة، فهل سبب عدم تحقق دعائي هو عدم رضاي؟

وقد بدأت الالتزام بالصلاة الإبراهيمية بنية تحقيق دعائي، ويوجد صورة كرتون (توم وجيري، وأميرات ديزني)، وصورة لجدتي -رحمها الله- معلقة على الحائط، أخبرت والدتي أنه أمر محرم، ولكنها رفضت، وحاولت إزالته مرتين فصرخت في وجهي، وبصراحة الآن أنا خائفة، ولا أريد المحاولة مرة أخرى، فهل وجودها يمنع دخول الملائكة وتحقيق دعائي، أو يمكنني إذا دعوت في غرفة ليس فيها صورة؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سلمى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -بنتنا الفاضلة- في الموقع، ونسأل الله -تبارك وتعالى- أن يُلهمك السداد والرشاد، وأن يجعلنا ممّن إذا أُعطي شكر وإذا ابتُلي صبر وإذا أذنب استغفر.

نحب أن نطمئنك -بنتنا- أن كل فتاة جميلة بأدبها وأخلاقها وحيائها، وأن هذا الجمال مُقسَّم بين الناس، ولكل فتاة مَن سيُعجبُ بها، ولذلك لولا اختلاف وجهات النظر لبارت السِّلع، فأرجو أن يكون عندك هذه القناعة، فأنت جميلة، وسيأتي الشاب الذي يُعجب بك ويسعد معك، ونسأل الله أن يوفقك ويُقدّر لك كل خير.

بالنسبة للسعي في تحسين مظهر الإنسان والاهتمام بنفسه والتحسين في وضعه: هذا ليس فيه الاعتراض على قضاء الله وقدره، بل على الإنسان أن يبذل الأسباب ثم يتوكل على الكريم الوهاب، وأسعدنا جدًّا أنك تعترفين أنك في نعم، والإنسان دائمًا ينبغي أن ينظر إلى مَن هم دونه، إلى مَن هم أقلَّ منه، كما وجَّهنا رسولنا -صلى الله عليه وسلم- (كي لا نزدري نعم الله علينا).

والإنسان إذا نظر وطبّق هذا التوجيه النبوي فسيجد ملايين في الأرض أنه أفضل منهم في أشياء كثيرة، يجد نفسه ولسانه يلهج بشكر الله وذكره، لأنه يشعر أنه في نعم ينغمر فيها؛ فلذلك أرجو أن تنتبهي أيضًا لهذا الجانب، ولا مانع من أن يبحث الإنسان عن عمل، ولكن ليس بالضروري أن يهرب من البيت، وإنما العمل من أجل أن يُحسّن وضعه، وتختار الفتاة عملاً يُناسبُها، هذا كله لا حرج فيه ولا إشكال فيه.

وبالنسبة للبيت يعني: الخلوة بالله -تبارك وتعالى- والمواظبة على ذكره لا تقتضي أن يكون للإنسان مكان خاص وبعيد من الناس، فالعبادة لله -تبارك وتعالى- الفرص فيها واسعة، الإنسان يستطيع بين الناس، وهي تعمل في مطبخها وفي بيتها، ما الذي يمنعها من أن تُسبّح الله، من أن تُصلي على النبي صلى الله عليه وسلم؟! وقد ذكرتِ الصلاة الإبراهيمية، وأعتقد أنك تقصدين (اللهم صل على محمّد وعلى آل محمّد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ...) هذه طبعًا أفضل صيغ الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- والمواظبة على هذه الصيغة فيها كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأُبيّ: (إذًا تُكفى همَّك، ويُغفر لك ذنبك).

فواظبي على كثرة الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، والاستغفار، والإكثار من قول: (لا حول ولا قوة إلَّا بالله).

أمَّا بالنسبة لموضوع الصور الموجودة: أرجو ألَّا تحتكي فيها مع الوالدة، حاولي أن تُبيّني لها وتُناقشيها بمنتهى الهدوء، لكن إذا غضبت الوالدة لا عليك، وأنت أدّيت ما عليك وقمت بواجبك تجاه الوالدة وتجاه النصح. وأيضًا يمكن أن تُغيّري طريقتك وتقولين للوالدة: (صورة جدّتي بدلًا من أن تكون مُعلّقةً نحتفظ بها في حقائبنا، نحتفظ بها في داخل مكان، نغلِّفُها، نضعها؛ لأن الإشكال في تعليق الصور، ليس مجرد الصور)، لذلك إذا كانت تريد أن تحتفظ بها للذكرى يمكن أن تضعها في حقيبتها، أو في مكان دولاب معيّن لا تكون معلّقة.

لا أقول هذا أيضًا مرضيّ عنه مائة بالمائة، ولكن المهم أنه أخف من الأول، وأعتقد أنها أيضًا صور فوتوغرافية، والأمر فيها -إن شاء الله- ليس كالصور المجسّمة، وعلى كل حال: تعاملين مع الوالدة بحكمة، وتنصحين لها، ومن الضوابط عند نُصح الوالدين أننا ننصحهم، فإذا غضبوا سكتنا، ثم بعد ذلك بعد مُدة نعيد النُّصح بطريقة جميلة وبطريقة أخرى ومدخل حسن، وبعد ذلك نُكرر هذا، ونجتهد في إرضائهم، فإذا غضبوا في مثل هذه الأمور فينبغي ألَّا نجادلهم، وألَّا نزيد في غضبهم، ونسأل الله أن يُعينك على بر الوالدة، وأن يلهمك السداد والرشاد، وأن يهدي الوالدة للحق وللخير، هو وليُّ ذلك والقادرُ عليه.

نوصيك بكثرة الدعاء وبذل الأسباب، والإنسان ينطلق بالرضا بما آتاه الله، بشكر النّعم التي أعطاه الله، ومن سعادة الإنسان أن يكتشف نعم الله عليه، فإذا شكرها نال بشكره لربِّنا المزيد، لأن الله يقول: {وإذ تأذَّن ربكم لئن شكرتم لأزيدنّكم}، والشكر حافظ للنعم وجالب للمزيد.

فنسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا جميعًا ذكَّارين، شكّارين، مطواعين، وأن يُعيننا على ذكره وشُكره وحُسن عبادته.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً