الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التقصير في الصلاة والعبادة رغم العزيمة

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أنا فتاة ملتزمة نوعاً ما -والحمد لله- إذ أنني ارتديت الحجاب قبل حوالي 3 سنوات بمحض إرادتي، ولكني أرتدي البنطال إلا أن لباسي محتشم، وأحاول جاهدة الالتزام بالصلوات، ونادراً جداً ما أقطع فرض صلاة عن كسل، وحينئذ أحس وكأنني فعلت ذنباً عظيماً والعياذ بالله؛ ولكنني الآن عازمة ألا أقطع فرض صلاة ما حييت -بإذن الله تعالى- وأريد التقرب من الله -عز وجل- أكثر وأكثر، ودوما أمسك ورقة وقلم وأضع برنامجا ينظم حياتي بما يرضي الله وألزم نفسي بأعمال صالحة كقراءة القرآن والتسبيح والكثير الكثير؛ إلا أنني سرعان ما أنقض بندا أو أكثر من بنود هذه المعاهدة -معاهدة الصلح مع نفسي- أقصد الجدول، وتمضي أيام وأسابيع دون أن أقرأ صفحة واحدة من القرآن، والمشكلة التسويف سأفعل كذا وكذا، فالنية موجودة، ولكن الكسل هو الغالب، ويؤلمني ذلك جدا؛ لأنني -سبحان الله العظيم- أحس براحة عظيمة لا توصف عندما أكون قريبة من الله -عز وجل- وأحس بسعادة تغمرني، والعكس صحيح كلما قصرت بحق الله -عز وجل- أصابني الاكتئاب والضيق ولا أطيق نفسي أبداً، وصدق -الله تعالى- إذ قال: (( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا ))[طه:124].
والمصيبة أنني لا أصحو لصلاة الفجر أبداً، بل أقضيها وأتمنى أن يوفقني الله ويقدرني على قيامها، رغم أني آخذ بالأسباب من استخدام منبه بل وصديقتي توقظني كل يوم، وأحياناً لا أسمع المنبه أصلاً ولا رنة الهاتف وأحياناً أسمع وأغلقها وأعاود النوم لاإرادياً، وهكذا دواليك للأسف كم أتمنى أن أصحو وأصلي الفجر وأناجي فيه ربي، وحاولت كثيراً أن أصحو دون جدوى؛ علماً بأن نومي ثقيل جداً ما العمل؟
وجزاكم الله كل خير.


الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هنادي أبو الراغب حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فنسأل الله أن يحفظك ويسدد خطاك، وأن يلهمك رشدك ويبلغك مناك.

فإن هذا الإحساس الذي دفعك للسؤال دليل على أن فيك الخير، فاحرصي على تقوية عناصر الخير في نفسك، واعلمي أن المؤمنة تموت بين حسنتين، حسنة قدمتها وهذه تجد أجرها وبرها وثوابها عند الله، وحسنة أخرتها بالتسويف وهذه تندم عليها حين لا ينفع الندم، فبادري بالأعمال الصالحة.

وأعجبني تذوقك لحلاوة الحسنات وتضايقك من حصول السيئات، وحقاً والله فإن للحسنة ضياءً في الوجه وانشراحا في الصدر وسعة في الرزق ومحبة في قلوب الخلق، كما أن للسيئة ظلمة في الوجه وضيقاً في الصدر وقلة في الرزق وبغضا في قلوب الخلق، ومن سرته حسنته وساءته سيئته فهو المؤمن.

وأرجو أن تكون بداية مشوار التصحيح بالاهتمام بأمر الصلاة، وأرجو أن تعلمي أن مجرد تأخير الصلاة عن وقتها خطيئة توعد الله أهلها، فقال سبحانه: (( فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ ))[الماعون:4-5] وقال ولد سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما لأبيه: (يا أبتاه أهم الذين لا يصلون؟ فقال: يا بني! لو تركوها لكفروا، ولكنهم الذين يؤخرونها عن وقتها).
وإذا نام الإنسان عن صلاة أو نسيها فإنه يصليها إذا ذكرها، وليس في النوم تفريط، ولكن التفريط في اليقظة، علماً بأن النوم الذي يعذر به الإنسان هو ما لم يكن فيه تفريط أو تقصير، ولكننا نريد أن نسأل إذا كان موعد الطائرة في هذا الوقت هل كنت ستنامين؟ وإذا طلبت منك إدارة الصحيفة الحضور في وقت صلاة الفجر هل كنت ستتخلفين؟.

وإنه ليؤسفنا أن نقول أننا نرتب لأمور الدنيا ونلتزم بكل ما فيه مصلحة ولو كانت صغيرة، فكيف يوجد فينا من يفرط في أمر صلاة الفجر، ولا أظنك من المفرطين؛ لأنه لا يتألم لضياع صلاة الفجر إلا حريص يطلب المعالي، فنسال الله أن يزيدك حرصاً وتوفيقا .

وهذه بعض الأشياء التي تعينك –بعد توفيق الله– وهي كما يلي:

1- الإكثار من اللجوء إلى الله، فإن الدعاء هو جماع كل خير، فلا تنسي أن تكثري من الدعاء ورددي بعد كلا صلاة: (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك).

2- البعد عن الذنوب والمعاصي فإنها تمنع من الخير، وقد قال الحسن البصري لمن شكى من عجزه عن صلاة الفجر: (قيدتك الذنوب).

3- الحرص على الحلال من الطعام فإن الطعام بذرة الفعال.

4- النوم على طهارة وذكر ونية.

5- إعطاء الجسم حظه من الراحة والاستعانة بشيء من القيلولة.

6- التقليل من الطعام.

7- إذا كان الوقت المتبقي للصلاة قليلاً فنضع يدنا تحت الخد وننام عليها.

8- التعاون مع الأهل والصديقات الصالحات وطلب المساعدة منهن وأنت ولله الحمد تقومين بذلك ولكن ما أحوجنا إلى حرص أكثر.

9- الاجتهاد في الطاعات في مختلف الأوقات، فإن الحسنة تجر إلى أختها، وأبشري فإنك مأجورة على هذا الحرص ومأجورة على حزنك على فوات الخير.

فأكثري من ذكر الله، واعلمي أننا في صراع مع عدونا الشيطان الذي يعقد على قافية أحدنا ثلاثة عقد يضرب على كل عقدة عليك ليل طويل فارقد، ويعلمنا نبينا صلى الله عليه وسلم كيف تُحل تلك العقد فيقول: (فإذا ذكر الله انحلت عقدة وإذا توضأ انحلت عنه عقدتان فإذا صلى انحلت العقد فأصبح نشيطا طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان).

فجددي عزمك وتوكلي على ربك، واعلمي أن النفس كالطفل إن أهملناه شب على حب الرضاع ونشأ على الدلال والضياع، وإن نهتم به ونأخذه بالعزائم نشأ على الخير، وقد قال الشاعر:
والنفس كالطفل إن تهمله شب على *** حب الرضاع وإن تفطمه ينفطمِ

وهيّا إلى المعالي، وأرجو أن تختاري الثياب الواسعة التي لا تصف ولا تشف وتجنبي ثياب الشهرة وابتعدي عن التشبه بالكافرات أو الفاسقات، واعلمي أن المؤمنة تعرف بسترها وحجابها كما قال ربنا تبارك وتعالى في آية الحجاب: (( يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ))[الأحزاب:59].
ونكرر لك شكرنا على تواصلك مع موقعك، ونسأل الله أن يوفقك لما يحبه ويرضاه، ونسأله أن يسهل أمرك وأن يغفر لك ذنبك.


مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً