الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قلق واكتئاب وأعراض جسدية متنوعة

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أخي في الله د. محمد جزاك الله كل الخير وجعله في ميزان حسناتك يوم لا ظل إلا ظل الله.

حقيقة لم أكن أفكر يوماً أنني ممكن أن أعرض مشكلة خاصة بي أو أن أبحث عن جواب عن طريق الإنترنت، ولكن بعد متابعة حثيثة لمشاكل الإخوة والأجوبة اقتنعت بذلك والحمد لله والمنة على ذلك، وسوف أحاول أن أختصر مشكلتي بسرعة لعل الله أن يجعل لي دواء من خلال نصيحتكم، وسوف أبدأ بالجزء الجيد من شخصيتي:

أنا شاب متزوج عمري 29 عاماً ملتزم دينياً أعمل بمهنة مهندس، صاحب شخصية قيادية مظهراً ومضموناً، أتمتع بذاكرة قوية وذكاء، وبعد نظر ومعرفة شخصيات الناس والتفاعل معها، أتمتع بمرح شديد وحب من كل الأشخاص المحيطين بي سواء في دائرة العمل والأسرة أو خارجها، أحب الشفافية والمصداقية في التعامل، كل هذه المميزات رفعتني لمنصب مرموق في عملي لمواجهة مسؤوليات عجز عنها أكبر من كان مني سناً وخبرة في مجال عملي، وأخيراً أتمتع بهدوء شديد.

أما الجزء العام السيء من شخصيتي:
أنا ممن يكبتون أحاسيسهم وانفعالاتهم الحقيقية داخلهم، عقلي لا يهدأ عن التفكير في مشكلة ما حتى أثناء النوم، في أكثر الأحيان أكون الشمعة التي تحترق لتضيء ما حولها.

مشكلتي الصحية والنفسية بدأت بزيادة حجم العمل الكبير الملقى على كاهلي، والذي يحتاج إلى 3 مهندسين للقيام به، وتزامن ذلك مع حرب مفتوحة في العمل من جبهة واحدة، من مديري المباشر في العمل نظراً لما ذكر أعلاه من نجاح، هذا جعلني بعد صبر طويل وبعد استنفاد الحلول أن أرد على الحرب المفتوحة من جهتي، لكن حسب طبيعة شخصيتي في محبة الشفافية والمصداقية في المعاملات والتي يفتقر لها مديري البيروقراطي، والذي تفوق حتى على المدرسة السلوكية البيروقراطية في التقمص، وفي ظل تلك الظروف بدأت مشاكلي الصحية والنفسية كالآتي:

شعور بخفقان بالقلب ودوخة وغثيان، جفاف بالفم، وضيق بالصدر وصل لحد الشعور بالاختناق، ونغزات وأوجاع بالصدر والقلب والذراع الأيسر، وأعلى الكتف الأيسر أثناء قيادة السيارة، وأثناء الجلوس في المكتب، أول سؤال تبادر إلى ذهني ما هذا؟ (القلب ! الرئة !، وكل ما يخطر من أفكار... إلخ).

بدأت رحلة العلاج من عيادة الأنف والأذن والحنجرة وكانت النتيجة بعد المنظار ايجابية، ثم عيادة الطب الباطني وكانت النتيجة ايجابية، ثم بعد ذلك بدأ ألم في الغدد اللمفاوية في الجزء الأيمن من الرقبة ورجعت لعيادة الأنف والأذن والحنجرة وتم تحويلي لعيادة الأسنان، وتم حشو بعض الأسنان وانتهى ألم الغدة.

بعد ذلك وأثناء تناول العشاء أصابني ورم كبير في الفك الأيمن اتضح أنها انسداد في الغدة اللعابية، وتم علاجها خلال نصف ساعة بالتدليك، بعد ذلك زادت الأعراض أعلاه وتوجهت لأكثر من عيادة باطنية وكان التشخيص النهائي (قولون عصبي) لم أستجب للعلاج وزادت الوساوس والقلق، وانتهى الموضوع بالتنظير للقولون وكانت النتيجة إيجابية.

بعد ذلك هدأت الأعراض كلها وقمت بأخذ إجازة والقيام برحلة عمرة إلى مكة المكرمة وقمت بعمل رقية شرعية والحمد لله تحسنت الأمور وكأن شيئاً لم يكن.

لقد أدركت بعدها أن الموضوع نفسي بحت، وفي يوم ظهرت هالات سوداء تحت العين جعلت العين وكأنها غائرة وبدأت تزداد حتى كتابة هذه الكلمات، ومن زيادة الأسئلة من المحيطين بي حول تلك التغيرات المفاجئة وخسارة الوزن، تعبت نفسياً وجسدياً وحاولت أن أسيطر على مشاعري وعصبيتي التي أصبحت لا تحتمل، وكرهي للعمل وحتى رؤية زملاء في العمل لكن دون جدوى، وعادت الأعراض كلها واتسعت دائرة التفكير التي لم تعد تشمل القولون بل شملت أموراً كثيرة أخطر وأصبحت أسأل عن كل ألم في جسمي لماذا؟

حاليا أتناول حبوب البوكسيديوم (Poxidium) ولها مفعول جيد لكن سلبياتها الإمساك لذلك لا أتناولها إلا وقت اللزوم، ولا أجد الراحة إلا بالنوم بحيث أصبحت أتغيب عن عملي وأنام بمعدل 12 ساعة يومياً وأمارس الرياضة لكن دون جدوى.

آسف للإطالة عليكم، وأفيدوني أفادكم الله؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فجزاك الله خيراً أخي الفاضل على هذه الرسالة الجميلة والمفعمة بالمعاني الطيبة.

أخي الفاضل! الحمد لله أن الجوانب الإيجابية والإيجابية جدّا، وهي كثيرة في شخصيتك، وحتى ما ذكرته من سلبيات أنا لا أراه سلبيات في الحقيقة، ولكنه جزء من الشخصية، فأنت لديك شخصية ذات مقدرات عالية وفكر متقد ومتواصل، وهذا بالطبع يجعلك أكثر همة وتنظر للأمور بجدية، مما يجعلك مشغولاً دائماً وتفكر فيها ويولد لك نوعاً من القلق. فهذا هو ثمن بسيط للنجاح، أرجو ألا تنظر إليه سلبياً، أقول لك ذلك بكل أمانة وصدق.

وكما تعلم – أخي – فالقلق طاقة جيدة وممتازة، ولكنه في بعض الأحيان قد يؤدي إلى ما وصفته من أعراض قد تكون أثرت عليك سلباً بعض الشيء.

لا شك أن الشخصية الحساسة تكون عرضة للتوتر والقلق الداخلي؛ لأن الاحتقانات النفسية تتولد داخل الإنسان..

إذن – يا أخي – الذي أرجوه منك هو أن تعبر عن نفسك في كل المواقف حتى المواقف البسيطة التي لا ترضيك، حتى لا يحصل نوع من الاحتقار، أعرف أن ذلك ربما لا يكون سهلاً في كل المواقف، كما أن الإنسان قد يصعب عليه مواجهة رئيسه المباشر في العمل، ولكن بالصبر والتؤدة والحكمة يمكن للإنسان أن يواجه رئيسه بكل ذوق وأدب، مهما كان هذا الرئيس لا يستمع، وأنت تملك القدرة على ذلك.

ثانياً: أنا أؤمن تماماً أن صاحب العمل حتى لو أراد أن يستفيد من طاقاتك بصورة غير منصفة، ولكن هو يعلم أن لديك مقدرات، وفي نظري شيء عظيم، أنت لديك المقدرة ولديك القدرة ولديك التميز، لذا هو اختارك لهذا العمل حتى وإن كان غير منصف، ولكن هو حريص على عمله وإن لم يكن حريصاً عليك دون أن أظلمه، إذن أنت مقتدر، وهذا هو الذي يهمني، ربما يكون بشيء من تنظيم الوقت وإدارته سوف تجد أنك الحمد لله في وضع أفضل.

كما أرجو أن تتذكر -أخي محمد- أنك في عمر وسن هي مهمة جدّاً لاكتساب المهارات والخبرات العملية والاجتماعية، وكل ما تقوم به من عمل كثير هو إن شاء الله في ميزان خبرتك ومعرفتك ومهاراتك، وسوف تجده رصيداً لك.

بالنسبة للجزئية الطبية في رسالتك، الذي حدث لك بالتأكيد هي نوبة هرع أو نوبة خوف أو نوبة رهاب، وكلها مسميات واحدة، وهذه الحالة تأتي في بعض الأحيان للأشخاص الذين تحمل شخصياتهم سمات القلق، أو الأشخاص من ذوي الهمة العالية، ثم بعد ذلك تحول الأمر إلى أعراض نفسوجسدية، والقلق يؤدي إلى ذلك، خاصة أعراض القولون والأعراض الأخرى وما ظهر الآن حول العين.

الذي أرجوه - يا أخي - هو أن تواصل مسيرة الرياضة فهي جيدة جدّاً، ويا حبذا لو قمت أيضاً بإجراء بعض تمارين الاسترخاء، أي نوع من الاسترخاء، هنالك أشرطة وكتيبات توضح كيفية إجراء هذه التمارين.

أنت – يا أخي – أيضاً محتاج للعلاج الدوائي، وبالنسبة للبوتكسيم الذي تتناوله الآن والذي يسمى بالبراكس أيضاً Librax، هو دواء شائع الاستعمال لعلاج القولون العصبي، وهو في الحقيقة أحد المهدئات، أنا لا أشجع على استعماله كثيراً، ولكن لا أقول ممنوعاً، يمكن للإنسان أن يستعمله عند اللزوم بمعدل حبة أو حبتين أو ثلاث ليلاً في الأسبوع.

الدواء الذي سوف تستفيد منه كثيراً – يا أخي – هو العقار الذي يعرف باسم سبراليكس، فهو مزيل لكل هذا القلق إن شاء الله، والهرع والخوف وحتى الاكتئاب الثانوي الذي ربما يكون حدث لك شيء منه.

تبدأ السبراليكس بجرعة 10 مليجرامات ليلاً بعد الأكل لمدة شهر، ثم بعد ذلك ترفع الجرعة إلى 20 مليجراماً وتستمر عليه مدة ستة أشهر، ثم تخفض الجرعة إلى 10 مليجرامات لمدة شهرين، ثم إلى 5 مليجرامات لمدة شهر، ثم تتوقف عنه تماماً.

يمكنك أن تدعم هذا الدواء أيضاً بدواء آخر يعرف باسم فلونكسول، وهو دواء إضافي تدعيمي فقط، جرعة الفلونكسول هي حبة واحدة – نصف مليجرام – في الصباح لمدة شهرين أو ثلاثة، ولكن السبراليكس سيظل هو الدواء الأساسي.

أسأل الله لك التوفيق والسداد، وأرى إن شاء الله أن أمورك سوف تسير من حسن إلى أحسن، وفقك الله وسدد خطاك.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • الأردن ام عمر

    ارقي نفسك
    اقرأ الرقيه الشرعيه وبإذن الله ربنا يشفيك

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً