الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أثر الصيام على المصاب بالتوتر

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الإخوة الأفاضل: تحية طيبة، وبعد:

أنا سيدة التزمت منذ عدة سنوات، وسؤالي هو حول أنه علي قضاء عدة سنوات مضت من الصيام، فهل إذا صمت تلك الأيام الطويلة متتابعة فيه ضرر على صحتي؟ فأنا أعاني من حالات توتر بسبب الظروق القاسية التي حولي.

أمر آخر ـ أن من طبيعتي قلة شربي للماء، وإذا شربت أشرب الشاي ولكن ليس بكثرة، فهل الصيام بهذا الشكل أيضاً يؤثر على قلة شربي للماء؟

أود نصائحكم لحالات التوتر التي عندي هل هناك أعشاب تساعد في التخلص من التوتر؟

وجزاكم الله خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نورا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

قال الله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [الشورى:25]، فهذا أول وأحسن ما نستفتح به كلامنا معك، فهنيئاً لك توبة الله عليك يا أختي.. وهنيئاً لك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) رواه الطبراني، وأبشري أيضاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) رواه الترمذي.

أما عن قضاء الشهور التي لم تصوميها قبل توبتك، فإنه لا يلزمك أن تصوميها متتابعة ولا ريب أن في ذلك مشقة عظيمة عليك، والله جل وعلا رحيم بعباده ولا يكلفهم ما يشق عليهم جدّاً؛ قال تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج:78]، وقال تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة:185].

إذا علم هذا، فإنه لا يجب عليك أن تقضي هذه الشهور متتابعة، بل يجوز لك أن تقضيها متفرقة بحسب الاستطاعة ودون أن يكون في ذلك مشقة عليك، فمثلاً إن كان لا يشق عليك أن تصومي كل أسبوع يوماً واحداً فبهذا تحصلين في الشهر أربعة أيام وفي السنة ما يزيد عن شهر ونصف، فهذا أسلوب لطيف حسن ولا يؤدي إلى ضرر صحي عليكِ، خاصة مع خشيتك المرض والضرر على الصحة.

أما عن علاج القلق الذي لديك، فإن أعظم علاج وأنفع دواء هو اللجوء إلى الله تعالى والتوكل عليه والأُنس بالقرب منه، فالقلب المتوكل على الله القريب من ربه قلب مطمئن ساكن منشرح لا مجال للقلق الزائد فيه، فاحرصي على تحقيق الاستعانة بالله ودعاءه والتضرع إليه (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)[الأنبياء:83] ( يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين) (رب أعني ولا تعن علي وانصرني ولا تنصر علي وامكر لي ولا تمكر علي واهدني ويسر الهدى إلي وانصرني على من بغى علي)، وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم في الملمات العظيمات: ( حسبنا الله ونعم والوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ).

هذا أعظم دواء وأجل سبب إن شاء الله تعالى، خاصة مع رعايتك الكاملة لصلواتك المفروضة لا سيما صلاة الفجر، فإن للصلاة التأثير الأعظم في انشراح الصدر وإزالة الضيق منه.

مضافاً إلى ذلك حرصك على مصاحبة الأخوات الصالحات واستبدال الرفقة البعيدة عن الله بالرفقة القريبة من الله، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) رواه أبو داود.

المقصود أن عليك أن تحرصي على طاعة الله وعلى الأسباب التي تعين على الطاعة، فأنت بذلك تحقيقين أعظم شفاء وأعظم دواء، ولا مانع بعد ذلك من التماس الأسباب الأخرى، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن (التلبينة تُجِمُّ فؤاد الحزين) أي أن لها تأثيراً في تسلية النفس وإسعادها – والتلبينة هي حساء من دقيق الشعير يضاف إليه الحليب ويحلى بالعسل.

يدخل في هذا المعنى تناول الأطعمة التي تشتهيها النفس بتوسط واعتدال واستعمال الطيب الذي يشرح النفس، ويدخل فيها أيضاً ارتداء الملابس التي تبهج القلب؛ فكل ذلك يجم النفس ويسعدها ويرخي الأعصاب ويجلب الهدوء، وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم على هذا المعنى في مواضع من كلامه الشريف، هذا مع الحرص على البعد عن أسباب الانفعال الزائد، والمحافظة على الهدوء، ويدخل في هذا تجنب السهر الطويل، وقد قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد:28].

أما عن سؤالك عن قلة شربك الماء وتأثير ذلك؛ فقد أحلنا السؤال إلى الطبيب المختص ليتولى الإجابة عليه مشكوراً.

ونسأل الله عز وجل الذي برحمته وسعت كل شيء أن يشرح صدرك، وأن ييسر أمرك، ونسأله تعالى لك التوفيق والسداد.
وبالله التوفيق.
-------------------------------------------
انتهت إجابة المستشار الشرعي الشيخ/ أحمد مجيد الهنداوي، وقد أحلنا الجانب الطبي على الدكتور محمد حمودة استشاري أمراض باطنية، حيث قال:

أن أفضل الأعشاب المزيلة للتوتر هي البابونج، حيث يساعد الشراب المصنوع من أوراق وأزهار هذه العشبة على إرخاء العضلات وتهدئة اضطرابات المعدة، لذلك فمن المفضل شربه دون إضافة الحليب أو السكر أو حتى العسل إليه.

إن جذور عشبة الجنسنغ وصفت لسنوات طويلة لمعالجة أعراض التوتر والقلق نظراً لفعاليتها في تخفيف هذه الحالات، ونصحوا بتناولها على شكل كبسولات، لأنها تحتوي على جرعات معيارية من هذه العشبة، فتحمي الفرد من تناول كميات كبيرة منها.

كذلك العشبة التي تعرف باسم "كافا" قد أثبتت فعاليتها في تهدئة الجهاز العصبي، كما تساعد في حالات الأرق وتخفف التوتر والقلق، وأفضل طريقة لتناولها عن طريق الكبسولات أيضاً.

لجذور السوس دور أيضاً في حالات التوتر، حيث تساعد خلاصة الجذور في تنظيم استجابة الجسم لتفاعلات التوتر، إلا أن لهذه العشبة مخاطر، لذلك لا ينبغي على الأفراد المصابين بارتفاع ضغط الدم أو أمراض الكلى تعاطيها.

أما بالنسبة للتوتر فلا يمنع من الصوم، وربما كان الصوم مفيدا؛ لأن الصوم يساعد الإنسان على الصبر وبالتالي يخفف من حدة استجابة الإنسان للأمور التي تدور من حوله وتعلمه التعلق بالله تعالى.

شرب الماء يبدو أنه ليس مشكلة عندك، لأنك بالأصل لا تشربين كثيراً، وأنصحك بالسحور كل يوم، وإن كنت تشربين الشاي أن تأخدي فنجان شاي عند السحور وشرب الماء لكي يساعداك على الصوم.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً