الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الرغبة في الانتقام نتيجة استحضار ذكريات مليئة بالظلم والإهانة

السؤال

السلام عليكم

كنت في طفولتي جباناً جداً وأخاف ممن هم في سني، وكان الأطفال يعاملونني باستهتار وإهانة مما جعل فترة الطفولة - التي يفترض أنها أجمل فترات العمر - هي بالنسبة لي فترة خوف وحزن وكره لنفسي مما أثر علي الآن، وما زالت ذكريات الطفولة تطاردني وأشعر بالضيق والإهانة، فكيف أنتقم لكرامتي وأستعيد هيبتي أمام الناس؟

أريد الانتقام من كل من أهانني، خاصة وأن فيهم فاسقين، فبماذا تنصحوني؟

وشكراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ علي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فالعيش في الماضي واجترار الماضي ومصاعب الماضي وحتى إيجابيات الماضي لا يفيد كثيراً؛ لأن كل المدارس النفسية تتفق الآن اتفاقاً ثابتاً وقويّاً وصارماً أن الماضي – خاصة مرحلة الطفولة – يجب أن تتخذ وسيلة فقط لتطوير الحاضر والمستقبل، ومع هذا أنا أحترم مشاعرك جدّاً ولكن لا أود أن تعيش مع هذه الدفاعات النفسية السلبية القائمة على التبرير وعلى النكران وعلى العيش في الماضي، فهناك من عاشوا طفولة قاسية وصعبة ونعرف ذلك ولكن بفضل الله تعالى استطاعوا أن يبنوا حياتهم بصورة إيجابية جدّاً.

وأنت تقول أنك تريد أن تنتقم من الذين أهانوك في طفولتك، فهذا المبدأ غير مقبول وليس مشروعاً أبداً، فعليك أن تعيش الحاضر بقوة وتعيش المستقبل بأمل، ولا تعش هذه الاجترارات السلبية، كما أن الانتقام في حد ذاته ليس شيئاً مفضلاً وليس من الأمور التي يمكن أن يقرها الإنسان شرعيّاً، وأيضاً فأنت لا تستطيع أن تحدد حجم أخطاء الماضي وأخطاء الطفولة، ولا تستطيع أن تحدد كم كانت مشاركتك في هذه الأخطاء، فالإنسان لابد أن يكون متجرداً، فالذي أدعوك بقوة هو أن تفكر في الحاضر وأن تكون فعّالاً وأن تكون منتجاً وأن تكون مربيّاً للآخرين، فلا تترك ما حدث لك في الطفولة يحدث للآخرين؛ فهي تجربة تستفيد منها بكل إيجابية وبكل قوة.

أنت قلت أنك كنت جباناً، لماذا اعتقدت ووصفت نفسك بالجبن في الطفولة، فربما تقييمك لنفسك ليس صحيحاً مع احترامي الشديد جدّاً، فهذه الأمور أمور نسبية يساهم فيها المجتمع والطريقة التي ينشأ بها الإنسان، وحقيقة أنا أراك الآن رجلاً تبلغ من العمر تسعة وعشرين عاماً تملك كل مقومات الرجولة، وهذا يجب أن يكون البداية الصحيحة وتكون الانطلاقة الصحيحة، لن يفيدك أبداً هذا التفكير السلبي، ولن يفيدك أبداً أن تقول أنك قد شعرت بالإهانة من الآخرين وأنك تريد أن تنتقم منهم، فاترك أمرهم إلى الله، وكن مسامحاً، وكما ذكرت لك أنا لا أتفق معك أن كل الأخطاء كانت من الآخرين، حتى الضحية كثيراً ما يشارك في الخطأ، فهذا مبدأ معروف.

فعش الحاضر بقوة، فإذا كنت في العمل كن منتجاً، وإذا كنت في المحيط الاجتماعي كن متواصلاً، وكن كريماً مع نفسك ومع الآخرين في أن تقدم المساعدة وفي أن تكون متسامحاً، وقو من مقدراتك المعرفية ومن ثقافتك، وكن ملتزماً بدينك وتطبيقه، وحين تقرأ عن العبادات وعن المعاملات سوف تكتشف تماماً أن الانتقام أمر بغيض وأن التسامح هو الأفضل.

أرجو أن تطرح هذه الأمور مع من تثق فيهم من الأخوة الأفاضل الصالحين، أطرح مع إمام المسجد على سبيل المثال أو من تثق فيهم من العلماء والمشايخ، ومصر العزيزة بفضل الله تعالى مليئة بأهل العلم والمعرفة، ولا تكتم هذه الأفكار في نفسك أبداً، وحاول أن تحقرها ولا تعطيها قيمة ولا تتصرف على ضوئها، فالماضي قد انتهى وهو حقيقة أمر يجب أن نستفيد منه ونعتبره مزرعة وارفة وطيبة للحاضر والمستقبل.

أسأل الله لك التوفيق والسداد وأن تعيش حياة سعيدة، وعفا الله عمَّا سلف، ابدأ وانطلق انطلاقة جديدة وسوف تجد أن الدنيا مشرقة أمامك وسوف تجد أن شخصيتك قوية وفعّالة وأنك قد اكتشف أموراً إيجابية كثيرة في نفسك كنت تغفل عنها ولا تعرفها منذ البداية.

أسأل الله لك التوفيق والشفاء والعافية.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • مصر شاعرة العرب

    شكرا جزيلا

  • الجزائر amal

    الانتقام حرام ليس عمل مسلم ربما . كانو اصدقائك مازيحين

  • الجزائر وفاء

    اعجبني شكرا

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً