الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أسأت كثيراً فيما مضى من عمري، فما السبيل للتوبة؟

السؤال

أسأت كثيراً فيما مضى من عمري، فأنا لم أترك حرمة من حرمات الله رب العالمين إلا وانتهكتها، وأسأل الله المغفرة، وأنا الآن أحس بالضياع، والعمر يتقدم بي، وأنا غير راضٍ عن حالي، ولكني لا أقوى على طاعة الله رب العالمين، فليس لي عزيمة إلا على معصيته -سبحانه وتعالى- دلوني بالله عليكم كيف أغير من وضعي البائس هذا؟

ويا حبذا لو كتبتم لي خطوات عملية أتخذها للطريق إلى الله، ولا تنسوني من دعائكم.

وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن الخطوات العملية تبدأ بالبعد عن رفقة المعصية وشركاء الجريمة، والاجتهاد في تغيير بيئة المعصية التي تذكر بكل ما فيها بما يغضب الله، كما أرجو أن تتخلص من آثار المعصية وأرقامها وذكرياتها وآلاتها.

وقد أسعدني إحساسك بمضي العمر وانصرام أيامه، وأخطر من ذلك أن الإنسان لا يدري كم تبقى له، فعجل بالتوبة قبل حلول الأجل، واعلم بأن الله -عز وجل- يمهل ولا يهمل، والسعيد من اعتبر بغيره واستيقظ من غفلته قبل دخول قبره، ووعظ بغيره ولم يجعله الله عبرة وعظة لغيره.

وهذه قصة شاب قال لابن أدهم: لا أستطيع أن أتوب ولا أستطيع ترك المعاصي، فقال له إبراهيم بن أدهم: يا هذا! إذا أردت أن تعصي الله فلا تأكل من رزقه! فقال الشاب: ومن أين آكل والأرزاق كلها بيد الله؟ فقال له: أما تستحي تعصي الله وأنت تأكل من رزقه؟! ثم قال له: إذا أردت أن تعصي الله فلا تسكن في أرضه؟ فقال: وأين أسكن والأرض كلها لله؟ فقال له: أما تستحي تعصي الله وأنت تسكن في أرضه؟! ثم قال: يا هذا! إذا أردت أن تعصي الله فابحث عن مكان لا يراك فيه، فقال وأين أجد والله لا تخفي عليه خافية؟ قال: فكيف تعصي الله وهو يراك؟! ثم قال: يا هذا! إذا أردت أن تعصي الله فادفع عن نفسك ملك الموت، فقال: فأنى لي بذلك؟ قال: فكيف تعصي وأنت لا تستطيع أن تدفع عن نفسك الموت؟! ثم تاب الشاب وحسنت توبته.

وأرجو أن تعلم أن العبور من الوضع اليائس سهل وميسور بحول الله وقوته، فارفع أكف الضراعة إلى من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء، واعلم أن الله سبحانه يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، بل إنه سبحانه ليفرح بتوبة من يتوب إليه، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، فلا تستجب لنزوات الشيطان الذي يصعب عليك التوبة والإنابة، فمهما عظمت ذنوبنا فإن مغفرة الله ورحمته أوسع، وإذا أخلص الإنسان في توبته وصدق في أوبته بدل الله له السيئات إلى حسنات، فعجل بالرجوع، فإن الله سبحانه يمهل ولا يهمل، وهو سبحانه يستر على العاصي، فإذا لبس للمعصية لبوسها فضحه وهتكه وخذله (( فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ))[الأعراف:99].

وهذه وصيتي لك بتقوى الله، وقد أسعدني سؤالك الذي يدل على صدق رغبتك في الرجوع، ويدل على أن دوافع الخير بدأت تتحرك في نفسك، فتجنب التسويف.

واسأل الله الهداية والثبات، واطلب دعاء الآباء والأمهات، واعلم أن الله سبحانه يغفر الزلات، وكرر التوبة والرجوع حتى يكون الشيطان هو المخذول، وأكثر من الاستغفار والصلاة على الرسول، ومن أراد الوصول فعليه برعاية الأصول. ومرحباً بك في موقعك، ونسأل الله أن يسهل أمرك، وأن يغفر ذنبنا وذنبك.

وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً