الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إسقاط الجنين .. حكمه ومخاطره

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تأخّرت الدورة عن موعدها ثلاثة أسابيع، وعملت تحليل حمل منزلي، وظهر لي خطّان -يعني حمل- وصراحة أنا وزوجي لا نرغب بطفل في هذا الوقت؛ لأن عندي طفل رضيع الآن، ولا أستطيع رعايتهما معاً، مع أننا استخدمنا العازل، لكن هذا ما حدث.

فهل هذا الاختبار للحمل دقيق؟ وكيف يمكنني إسقاط هذا الحمل بالحبوب أو بماذا؟ وهل إذا نزل ينزل مثل نزول الدورة؟ وهل أحتاج لعمل تنظيف؟
في انتظار ردكم السريع أرجوكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ المغتربة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فنسأل الله عز وجل أن يبارك لك فيما رزقك من هذه الذرية، وأن يجعلها ذرية طيبة صالحة، فإن الله جل وعلا جعل من دعاء عباد الرحمن الذين هم خاصته وأولياؤه أنهم يقولون: (( رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ))[الفرقان:74]، فنسأل الله أن يقر عينك بذريتك وزوجك وأن يجعلكم من عباد الله الصالحين.
أما عن الناحية الطبية فإنا نترك الإجابة لأختنا الفاضلة الطبيبة المختصة (سامية الناملة) ونجيبك عن الناحية الشرعية التي لابد لك أن تنظري فيها قبل أن تفكري في إسقاط حملك، فإن المؤمن وقَّاف عند حدود الله عز وجل، وقبل أن يُقدم على عمل ينظر فيه هل هو مباح أم لا؟ فإن كان مباحاً استعان بربه وأقدم عليه، وإن كان غير مباح كان أبعد الناس عنه.

وأصل ذلك: أن تعلمي أن هذه الذرية رزق يسوقه الله جل وعلا لعباده المؤمنين، بل هي من أعظم الرزق؛ ولذلك اضطرد في كتاب الله عز وجل التعبير عنها بلفظ الهبة؛ قال تعالى: (( لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ))[الشورى:49-50]. وقال جل وعلا في دعاء خليل الرحمن إبراهيم عليه الصلاة والسلام: (( رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ))[الصافات:100]. فاستجاب الله دعوته فقال جل وعلا: (( وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ))[الأنعام:84]، وقال زكريا عليه الصلاة والسلام في دعائه المخبت الخاشع: (( رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ))[آل عمران:38]، فقال الله جل وعلا: (( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى ))[الأنبياء:90]. وقال الله جل وعلا حاكياً عن عباده المؤمنين: (( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ ))[الفرقان:74]. فهي هبة ومنحة ومنَّة يهبها الله جل وعلا لعباده المؤمنين، فينبغي حينئذ أن تعامل بما يليق بها من الشكر والثناء على الله جل وعلا الذي جعلك أنت وزوجك أهلاً لأن تُرزقا هذه الذرية ومنَّ عليكما بتيسيرها على أيسر الأمور وأسهلها وأفضلها. فهذه هي الوقفة الأولى التي لابد منها.

وأما من ناحية الحكم الشرعي؛ فإن الأصل أنه لا يجوز إسقاط الذرية إذا ثبت الحمل في أصح كلام أهل العلم – عليهم جميعاً رحمة الله تعالى – بدون عذر شرعي، والعذر الشرعي كأن يكون هنالك ضرر محقق عليك في بدنك تقرره الطبيبات المختصات بحيث يستبين أن وضعك لا يحتمل الحمل، وأنه سيؤدي إلى أضرار صحية عليك من الناحية العضوية، وهذا قد يقع في بعض الأحوال، وليس من هذا المعنى المشقة التي قد تحصل للمرأة في الحمل نتيجة اشتغالها بإرضاع ولدها وحملها كذلك، فإن هذا ليس من المشقة التي تبيح إسقاط الحمل، فليس هذا عذراً شرعيّاً معتبراً، والأصل في ذلك أن تعلمي أن الله جل وعلا قد حكم على فعل إهدار الذرية بغير وجه حق وبغير عذر شرعي أنه من الفساد؛ قال تعالى: (( وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ ))[البقرة:205]. فحكم جل وعلا أن إهلاك النسل بغير عذر شرعي وبغير وجه حق من الفساد في الأرض، ولذلك كان أصوب كلام أهل العلم عليهم جميعاً رحمة الله تعالى: أنه يحرم إسقاط هذه الذرية وإفسادها إذا ثبت الحمل بغير عذر شرعي، فالواجب هو أن تشكري الله جل وعلا على ما أتاك من هذه النعمة، وأن تستقبليها بالثناء عليها أنت وزوجك، بل أن تخرا لله ساجدين أن أهَّلَكُما لهذه النعمة العظيمة شكراً له وإنابة وتعظيماً.

هذا مع التأمل كم من زوج وزوجة قد حرما نعمة الذرية، فهما يبذلان الأموال الطائلة والتعب والجهد النفسي والبدني لأجل أن ينالا طفلة أو طفلاً يملأ عليهما حياتهما، فعليكما إذن بشكر الله جل وعلا وعدم الالتفات إلى أمر إسقاط هذا الجنين طالما أنه لا يوجد عذر معتبر يعول عليه، هذا مع الالتفات إلى أن هنالك نواحٍ نفسية تترتب على إسقاط الجنين، فإن المرأة عادة يحصل لها ضررٌ نفسيٌ ظاهر في هذه الحالة حتى وإن كانت راغبة في إسقاط الحمل، ومع هذا فلابد من مراعاة هذا الأمر أيضاً وإن كان في الأصل أن تتركيه طاعة لله عز وجل ورعاية لنعمته ومحافظة عليها، فهذا هو اللائق بكما – حفظكما الله تعالى ورعاكما – وينبغي أن تتذكري يا أختي أن من أعظم الأعمال الصالحة التي تقومين بها أنت وزوجك هي أن توجدي هذه الذرية المؤمنة التي تحمل راية لا إله إلا الله لتكوني مربية لأحفاد عمر بن الخطاب، وخالد بن الوليد، وطارق بن زياد، وصلاح الدين، فتنشئي هذه الذرية الصالحة التي حثنا عليها رسول الله صلوات الله وسلامه عليه بقوله: (تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر بكم الأمم)، والحديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ومعنى: (تزوجوا الودود الولود). أي: تزوجوا المرأة التي تكون ودوداً في معاملة زوجها، لطيفة في حسن تبعلها وتغنجها له، وهي الولود التي تكون ولاَّدة للذرية حريصة على إيجادها وعلى إنشائها وعلى رعايتها، لاسيما وأنك بحمدِ الله ربة بيت متفرغة لهذا الشأن العظيم الذي هو من أعظم الأمانات وأجل الغايات، والله يتولاكما برحمتِه ويرعاكما بكرمه، ونسأل الله أن يبارك لكما في ذريتاكما، وأن يرزقكما منها الذرية الخير والفضل؛ (( رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ))[الفرقان:74].
وبالله التوفيق.
=======================
انتهت إجابة الدكتور أحمد الهنداوي المستشار الشرعي، وتليها إجابة الدكتورة سامية النملة طبيبة النساء والولادة:
الأصل في الطب هو المحافظة على الحياة، لا المساعدة على التخلص منها، وما نراه من أحوال النساء هو أنك لا تستطيعين الحصول على الطفل دائماً وقتما تشائين، فإنما هو الله تعالى الذي يخلق ما يشاء ويختار، وكثيرات أسقطن الحمل ثم عندما أردن الحمل مرة أخرى وجدن صعوبة كبيرة، ولا أظن أنه حتى في بريطانيا يمكنك الحصول على هذه الحبوب المجهضة بسهولة، فراجعي نفسك، واتقي الله تعالى في هذا الجنين، فلا يعلم الإنسان في أي من أولاده الخير، وبتقواك لله تعالى يعينك الله في حملك ويعينك على أمر الطفل الرضيع، فاجعلي تقوى الله نصب عينيك.

وبالنسبة لدقة الحمل فغالباً هو دقيق، ولكن إن أحببت فيمكنك إجراء تصوير (ألتراساوند) فهذا الحمل قد وصل غالباً إلى سبعة أسابيع، ويمكن رؤية الجنين، ودقات القلب بصورة واضحة.
والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً