الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الاستعجال في الدعاء ومدى انطباقه على منتظر الإجابة

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فقد قيل: إن من يتعجل الاستجابة فإن رب العباد لا يستجيب له، وذلك في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل).

وسؤالي هو أنني أدعو ربي كل يوم، وأتحرى ساعات الإجابة وأحمد الله أني على تدين، وهناك أمر أود أن يحققه لي ربي، وكل يوم أنتظر وأقول بداخلي: إن لم يكن اليوم فغداً وإن لم يكن غداً فبعد غد، وهكذا كل يوم أستيقظ فيه أنتظر هل سيستجاب لي اليوم أم ما زال ربي يختبرني بالصبر؟ علماً بأني أحمد الله كل يوم إن لم يتحقق، فهل هذا يعني أنني عجولة؟!

وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ المتدينة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:

فقد أفرحني استمرارك في الدعاء؛ لأن الدعاء عبادة، والداعي على خير في كل الأحوال، وكما قال عمر رضي عنه: (لا أحمل هم الإجابة لأن الله تكفل بها، ولكني أحمل همّ السؤال)، وأبخل الناس من بخل على نفسه بالدعاء، والله سبحانه يحب الإلحاح في الدعاء، ولابد لمن أكثر من قرع الأبواب أن يلج، كما أرجو أن أعبر لك عن سعادتي بثقتك بربك وتعلقك به، وهذا أمر مطلوب في حد ذاته، فهنيئاً لك بهذا الخير، وأسأل الله أن يحقق لك ما في نفسك وأن يرزقك الرضى بقضائه وقدره، فأكثري من السؤال واللجوء إلى الكبير المتعال، وما أحسن ما قيل في ذلك:
لا تسألن بُني آدم حاجة *** وسل الذي أبوابه لا تحجب
الله يغضب إن تركت سؤاله *** وبني آدم حين يُسأل يغضب

ولا يخفى على أمثالك أن من يتوجه إلى الله لا يخيب أبداً، وأن الإجابة تتنوع، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يدعو الله بدعوة إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يستجيب الله دعوته، وإما أن يدخر له من الثواب مثلها، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها).

كما أن الدعاء والقضاء يتعالجان بين السماء والأرض، والدعاء سلاح والسلاح يضاربه، فإذا كان الداعي قوياً رد الدعاء البلاء بإذن الله، وإن كان فيه شيء ظل الدعاء معالجاً ويصارع البلاء، وإن كان الداعي ضعيفاً خفف دعاؤه من البلاء، وبهذا يتضح لنا أن كل من يتوجه إلى الله ينال من الخير.

وقد أعجبني ما ذكره الإمام ابن الجوزي من أدب السلف في هذه المسألة حيث قال: (كانوا يسألون الله فإن أعطاهم شكروه، وإن لم يعطهم كانوا بالمنع راضين، يرجع أحدهم بالملامة على نفسه فيقول: مثلك لا يجاب)، وهذا منهج مهم جداً؛ لأنه يحمل على التوبة والمراجعة والاستغفار، وعندها تأتي الإجابة؛ لأننا قد نمنع بسبب ذنوبنا، وكانوا يقولون أيضاً: (لعل المصلحة في أن لا أجاب)، فكم من إنسان سأل الله مالاً فكان سبباً لطغيانه! وكم من إنسان ألح في طلب سيارة ليكون موته عليها!

وأما بالنسبة للحديث المذكور عن الاستعجال فهو صحيح، ولا ينطبق عليك لكونك تواصلين الدعاء؛ لأن في نهاية الحديث توجد عبارة: (فيتحسر عند ذلك ويترك الدعاء)، وذلك هو عين ما يريده الشيطان؛ لأنه يفرح بتركنا للدعاء ويفرح إذا وصلنا إلى مرحلة اليأس من رحمة الله، والعياذ بالله.

وهذه وصيتي لك بتقوى الله ثم بمواصلة الدعاء وبعدم استعجال الإجابة، ولا يخفي عليك أن الإجابة تتنوع، وقد أدرك السلف قيمة الدعاء فكانوا يسألون الله ملح الطعام إذا فقدوه، وكانوا يسألون الله شسع النعل إذا انقطع.

نسأل الله أن يوفقك للخير وأن يسعدك بعبادتك ودعائك.

وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً