الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

سبب الأحساس بالرعشة والخشوع حال الدعاء في قيام الليل

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أشعر برعشة شديدة عندما أدعو الله في قيام الليل تضرعاً، ويأتيني خشوع شديد، وأشعر بقلق شديد ولا أعرف ما هو هذا الشعور، وأرغب في أن يستجيب الله لي دعائي ويرزقني بالشاب الذي أعجبت به، فماذا أفعل لكي يستجيب الله لي هذا الدعاء؟

وشكراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ Hanady حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك (استشارات الشبكة الإسلامية) مرة أخرى، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا دائماً، ونسأل الله جل جلاله أن يزيدك إيماناً وصلاحاً وتقىً، وأن يملأ قلبك محبة له ويقيناً به وحسن ظنٍّ فيه وتوكلاً عليه، كما نسأله تبارك وتعالى أن يحقق لك رغبتك إذا كان فيها من خير في زواجك بهذا الشاب الذي أعجبت به.

وبخصوص ما ورد برسالتك؛ فإن الذي ذكرته في رسالتك من حيث الشعور بالرعشة الشديدة في جوف الليل، فهذا أمر طبيعي، ويدل - ولله الحمد والمنة - على أنك صادقة في توجهك إلى الله جل جلاله؛ لأن هناك من يقوم الليل وحاله كحال من يصلي النهار، لا يتأثر بذلك لأنه يصلي ببدنه ولا يصلي بقلبه، وأما أنت فالذي يبدو أنك تصلين صلاة صادقة وتقبلين على الله تبارك وتعالى بقلبك، ولذلك تستشعرين عظمة الله في جوف الليل البهيم، خاصة أن في جوف الليل يتنزل مولانا الجليل جل جلاله نزولاً يليق بجلاله، وينادي على عباده: (هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من سائل فأعطيه؟ حتى يطلع الفجر)، ففي هذا الوقت الذي تقومين فيه بين يدي الله تعالى تكونين في حضرة الملك جل جلاله، مما يترتب عليه هذا الشعور العجيب وهذه الرغبة الرائعة وهذه الرعشة المتميزة وهذا القلق الذي يأتيك أيضاً وهذا الإحساس الذي لا تعرفين ما هو، هذه كلها إنما هي آثار من انعكاسات الأنوار الربانية على قلبك.

ولذلك كم أتمنى أن تواصلي هذه المسيرة وألا تتوقفي عن هذه العبادة العظيمة الرائعة؛ لأن الصلاة في جوف الليل أو قيام الليل إنما هي دأب الصالحين من قبلنا، وحقيقة: لقد رتب الله تبارك وتعالى عليها ثواباً عظيماً، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (شرف المؤمن قيام الليل، وعزه استغناؤه عن الناس)، فقيام الليل تاج سيأتي على رأسك يوم القيامة، ولذلك أتمنى أن تظلي هكذا وأن تحرصي على ذلك في كل وقت ما دمت لست معذورة بعذر شرعي وما دمت قادرة على ذلك، ولا تنسينا من صالح دعائك في تلك اللحظات التي تتنزل عليك فيها الرحمة.

وأما رغبتك أن يستجيب الله دعاءك بأن يرزقك هذا الشاب؛ فتشرع صلاة الحاجة لذلك، فاجتهدي كلما صليت صلاة أن تسألي الله تبارك وتعالى ذلك؛ لأنك تعلمين أن الدعاء هو الذي يرد القضاء، وأن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقد بشرنا فقال: (إن الله يحب الملحين في الدعاء) بل قال: (من لم يسأل الله يغضب عليه)، وقال: (سلوا الله من فضله)، وقال: (واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه)، وقال أيضاً: (ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة)، وقال: (ليس شيء أكرم على الله من الدعاء)، وقال: (الدعاء هو العبادة).

والله جل جلاله سبحانه أمرك بالدعاء ووعدك بالإجابة، ووعد الله لا يتخلف: ((وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ))[الروم:6]، ((وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ))[الزمر:20]، حيث قال سبحانه جل شأنه: ((أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ))[البقرة:186]، والقرآن مليء بهذا النوع من العبادات، حيث بيَّن الله لنا أنه استجاب لدعاء آدم عليه السلام، واستجاب لدعاء نوح عليه السلام، واستجاب لدعاء إبراهيم عليه السلام، واستجاب لدعاء موسى عليه السلام، واستجاب لزوجة عمران أم مريم عليهم وعلى أنبياء الله جميعاً صلوات ربي وسلامه، كل ذلك يدل على أن الدعاء سلاح ماضٍ وله أثرٌ عجيبٌ غريبٌ، بل إن الله يغير به المقادير، فواصلي الدعاء.

ولكني أتمنى أن يكون الدعاء: (اللهم إن كان في هذا الشاب من خير فاجعله من نصيبي واجعلني من نصيبه واجعله زوجاً لي، وأعني وإياه على طاعتك ورضاك، وارزقني منه الذرية الصالحة يا رب العالمين)، لماذا؟ لأنك قد تلحين على الله في الدعاء أن يجعله من نصيبك ولكن لا توفّقين معه، فأضيفي هذه العبارة: (اللهم إن كان فيه من خير لي في ديني ودنياي)، وبذلك تتركين الأمر للملك وتتوكلين عليه وتفوضين الأمر إليه، والله تبارك وتعالى جعل ذلك كله عبادة وقربة، فهو يحب المتوكلين وهو نصير المتوكلين وهو سندهم وعونهم.

وختاماً: نسأل الله تبارك وتعالى لك التوفيق والنجاح والفلاح، وأن يقضي الله حاجتك وأن يفرج الله كربتك، كما أسأله تبارك وتعالى أن يجعلك متميزة متفوقة، وأن يجعل النجاح والفلاح حليفك في الدنيا والآخرة، ولا تنسينا من صالح دعائك، وأشركينا معك في قيام ليلك، ونسأل الله لك التوفيق والسداد والهداية والرشاد، إنه جواد كريم.

والله ولي التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً