الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أنا ملتزمة، فهل أتزوج شابا عرفته من خلال الإنترنت؟

السؤال

السلام عليكم.

إن الإنسان في الأشياء المصيرية دائماً يحب أن يستشير من هم أكثر منه خبرة، ولأني لا أجد حولي من أثق في رأيه، فأنا أستشيركم وأجد لديكم النصح -بإذن الله-.

بداية أنا طالبة في السنة النهائية من كلية الهندسة، وملتزمة والحمد لله، ومنذ صغرى وأنا أرفض الارتباط إلا مِن مَن سوف يكون زوجاً لي في المستقبل، والأمر بالنسبة لي -في البداية- كان من منظور أخلاقي، أما بعد ذلك صار من منظور شرعي؛ لأني في الفترة الأخيرة قربت من الله أكثر والحمد لله، فالاختلاط عندما عرفت أنه حرام ابتعدت عنه إلا في الحدود الضيقة جداً، وابتعدت عن كل الشباب الذين أعرفهم في الكلية، والأمر كان سهلاً بالنسبة لي؛ لأن علاقتي أصلاً كانت محدودة بالشباب، وكذلك تركت الشات في هذه الفترة؛ لأني كنت لا أرغب فيه كثيراً، وما كنت أعلم أنه حرام، فتعرفت على شاب في النت، وكان الكلام بيننا محترماً جداً، وارتحت له وارتاح هو لي كذلك، وأرسل لي صورته وطلب منى أن نتقابل حتى لو في بيتنا، فلو حصل توافق استمر الأمر حتى نتزوج.

على كلٍ أنا لم أكن مرتاحة؛ لأني أتكلم مع شاب غريب، مع أني ارتحت له جداً، لكن غير مرتاحة للطريقة، وكنت أشعر أني أعمل عملاً يغضب ربي، إلى أن عرفت أن المحادثة مع الغريب في الشات حرام فتركت كلامه، مع أنه كان محترماً جداً في رده عليّ، ولم يحاول مضايقتي، مع أنه كان بإمكانه وبسهولة أن يفعل ذلك، فيمكن له أن يستغل كلامي معه في أن يعمل مشاكل لي، ولم يرسل لي على النت مرة أخرى، لكنه قال لي: ليس المهم الطريقة التي تعرفنا بها على بعضنا، المهم أنك مرتاحة إلي، وأن الإنسان قد يرتاح لإنسان ولم يره، والمهم هو ربنا سبحانه ما دمنا أننا نخاف منه، وأما الناس فلا يهموننا، وأنا لما فكرت في كلامه وجدت أن معه حق، وليس كل شيء تقول العادات: إنه خطأ نمشى وراءها، وتذكرت قول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: ( وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ )[الأحزاب:37]، عندما لم يرد الرسول علية الصلاة والسلام أن يتزوج زوجة زيد السابقة؛ لأنه كان ابنه بالتبني من قبل أن يحرم الله التبني.

لا أعرف ماذا أعمل؟ هل أخبر والدتي ثم يأتي هو للبيت؟ ولكن ماذا أقول لها لما تسألني: كيف تعرفتِ عليه؟ ويدور في ذهني أن الفراغ العاطفي هو السبب فيما أنا فيه، وقد كنت أستمع إلى جارتنا البارحة وهي تتحدث عن إحدى الفتيات -نعرفها- كتب كتابها على زوجها، وكان التعارف بينهما قد تم عن طريق النت، فتذكرت أمري وفكرت في طلب المشورة، فماذا أعمل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة / داليا حفظها الله .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فبدايةً أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يبارك فيك، وأن يكثر من أمثالك، وأن يحفظك من الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وأن يزوجك زوجاً صالحاً تقر به عينك، ويعينك على طاعة الله ورسوله، وبما أنك في سن أبنائي فاسمحي لي أن أتحدث إليك كما لو كنت أتحدث مع ابنتي التي هي في مثل سنك تقريباً.

ابنتي الكريمة: مما لا يخفى عليك أن الإيمان بالقدر ركنٌ من أركان الإيمان، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبرنا أن الله قدر المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، ومن هذه المقادير الزواج وما يتعلق به، فمن كان من نصيبك فتأكدي قطعاً وجزماً أنه سيكون لك، والمطلوب منا فقط أن نراعي مرضاة الله تعالى، وأن نلتزم بالضوابط الشرعية، وما قدره الله فهو كائن، ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:( لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتعود بطاناً )، فهذا العصفور الصغير ليست لديه حرفة، وليس خريج جامعة، ولا عضو في نقابة، ولا يحمل بطاقة شخصية أو تموينية، وإنما رزقه على الله فقط، لا يعرف غير هذا، ولم يضيعه الله؛ لأنه متوكل عليه وحده، وهكذا حال المؤمن الصادق يتوكل على الله في كل أموره، ويأخذ بالأسباب المشروعة، ويحرص على ألا يسلك طريقاً تغضب الله أو يخالف شرعه، وبعد ذلك يضع في بطنه بطيخة صيفي كما يقول المثل المصري.


وهذه هي حقيقة الإيمان، وبذلك لا يحمل المسلم أي هم لقضية الأرزاق مطلقاً، ولا يفكر فيها أبداً، وهذا ما أعتقد أنك مارستيه بعض الشيء في موضوعك هذا، فرغم ارتياحك للأخ إلا أنك لم تكوني مرتاحة من طريقة التعارف؛ نظراً لما فيها من بعض المحاذير الشرعية، وبما أن الأمر قد انتهى وتوقفت عن الاتصال، والأخ ما زال يبدي رغبةً صادقةً في الارتباط بك شرعاً، وقد لمست فيه الصلاح والاستقامة والدين والخلق، ولديك ولو شبه قناعة بأنه يصلح زوجاً، فلا أرى مانعاً من استضافته في المنزل بطريقة شرعية لرؤيتك أمام أهلك، ولترينه أنت كذلك؛ لأن هذا من حقك شرعاً، فالرؤية مطلوبة للطرفين؛ لأن الارتياح النفسي لا يكفي وحده في هذا الأمر؛ لاحتمال أن يكونه الإنسان قد وضع للطرف الآخر صورةً معينة من خلال الصوت ونبراته والحديث وما فيه، ثم يفاجأ بأن الصورة على العكس تماماً، ولذلك قال النيي -صلى الله عليه وسلم- لأحد أصحابه: ( انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما ).

وبالنسبة لإخبار والدتك: فلا أرى ما يمنع شرعاً أو عرفاً من إخبارها بحقيقة طريقة التعارف، ولكن أفضل أن يكون ذلك بعد الزيارة؛ لأنها لو اقتنعت به فستغض الطرف عن طريق التعارف وإلا فلا، فقولي لها: سوف أخبرك بعد الرؤية، وبعد ذلك قولي لها: ما هو رأيك يا أمي العزيزة؟ ثم اشرحي لها بعد ذلك الطريقة بأسلوب مبسط، وأنا على يقينٍ من أن مثلك لن تجد مشكلة في شرح وجهة نظرك وإقناع الآخرين بها.

وأخيراً أوصيك بصلاة الاستخارة والدعاء، واعلمي أنه ليس شيئا أكرم على الله من الدعاء، وأنه سبحانه يحب أن يسأل، مع تمنياتنا بالموقع لك بالتوفيق والسداد، والسعادة في الدنيا والآخرة، ولك خالص شكرنا على ثقتك الغالية بموقعك: (استشارات الشبكة الإسلامية)، وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً