الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ضعف الثقة بالنفس والإحباط واللامبالاة بسبب معاملة وقسوة زوجة الأب

السؤال

السلام عليكم

قبل أن أبدأ في مشكلتي أحب أن أشكر الشبكة الإسلامية الأكثر من رائعة، وهذه صراحة وليست مجاملة.

مشكلتي بدأت عندما كنت في الرابعة من عمري وهي وفاة والدتي، فجاء أبي بامرأة كانت تعاملنا بأحسن ما يكون أمام أبي ومن ورائه بأقبح ما يكون! وعندما أقول لأبي يكذبني ويصدقها، فاستمرت على ذلك وهو يكذبني حتى أصابني الإحباط واللامبالاة عندما كبرت.

علماً بأنني كنت في الابتدائية والإعدادي من الأوائل، والآن أصبحت في الحياة بلا هدف أسعى إليه، فماذا أفعل الآن؟ وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:

إنه ليسرنا أن نرحب بك مرة أخرى في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يصلح من شأنك وأن يرفع من قدرك وأن يعيد إليك ثقتك في نفسك، وأن يرزقك المهارات الطيبة التي تجعلك رجلاً ناجحاً في خدمة دينه ودنياه، إنه جواد كريم.

كما يسرنا أيضاً أن نشكرك على ثنائك على الشبكة الإسلامية وفيما تقدمه، وأحب أن أخبرك بأننا دائماً هنا في خدمتك وفي انتظار أي اتصال منك.

بخصوص ما ورد برسالتك فإن ما ذكرته – مع الأسف الشديد – موجود ومتكرر، حيث إن بعض الناس – والعياذ بالله تعالى – لا يخافون الله تبارك وتعالى بالقدر الذي يخافون من الناس، فنجدهم أنهم يقدمون خوفهم من الناس على خوفهم من الله تبارك وتعالى، وهؤلاء من شرار الخلق عند الله كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام عنهم بقوله: (إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها).

كما حدث وما يحدث من زوجة أبيك أمر درج عليه بعض المسلمات -مع الأسف الشديد- وبعض النساء حيث إنها تحرص على أن تكون أمام زوجها كأنها قديسة أو صالحة، وأن الرحمة كلها قد احتوتها بين جنباتها، وأنها في غاية العطف والشفقة، فإذا ما خلت بهؤلاء الأيتام المساكين الضعاف فإنها تذيقهم سوء العذاب، خاصة إذا تكلم بعضهم أو أفشى سرها أو أخبر زوجها بما يحدث معهم، فإنها بذلك تصب عليه جام غضبها حتى إنه ليكاد أن ينسى نفسه.

أخي الحبيب وولدي الكريم محمد، الحل هو أنك كنت متميزاً في المرحلة الابتدائية والإعدادية وكنت من الأوائل، والآن أصبحت في الحياة بلا هدف فماذا فعلت؟ أنت الآن – بارك الله فيك – عالجت الخطأ بخطأ وعالجت الداء بداء وعالجت المرض بمرض؛ لأن ما أنت فيه الآن ليس في صالحك قطعاً، ولا ينبغي أبداً إذا كانت قد ضيعتك زوجة أبيك صغيراً أن تضيع نفسك أنت كبيراً، واعلم أن لديك القدرة على التغيير؛ لأن الإنسان – يا ولدي – إذا استطاع أن يشخص حالته تشخيصاً دقيقاً فقد اهتدى إلى ثلاثة أرباع حل المشكلة، فإن حل المشكلة يكمن أولاً في تحديد أساس الداء وفي تشخيصه بدقة، ثم بعد ذلك البحث له عن دواء، وأنت قد وفقت في هذا ولله الحمد والمنة.

قد أكرمك الله تبارك وتعالى واستطعت أن تحدد الوضع الذي أنت فيه الآن، أنت بلا هدف تسعى إليه فماذا تفعل؟ لابد أن يكون لك هدف ولابد ألا تستسلم لهذا الواقع، وأن تعلم أن هذا القدر الذي قد مر لن يتكرر، فأنت الآن رجل كبير ثمانية عشر عاماً تعلم مصلحتك وتعلم أن الدنيا لا بقاء فيها إلا للأقوى، وأن الإنسان الضعيف لا وجود له على خريطة الدنيا، وإن عاش فلابد أن يعيش في الظلام أو أن يعيش بعيداً عن الطريق العام، وهذا أمر أعتقد أنه لا ترضاه لنفسك، ولذلك الحل:

اعلم أن الله تبارك وتعالى قال: (( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ))[الرعد:11]، لابد أن تأخذ قراراً لتغيير واقعك، وأن تعلم أن ما أنت فيه سيعود بالوبال عليك أنت وحدك، لن تضر إلا نفسك، فأنت شاب غداً لعلك تدخل الجامعة وتتخرج منها فتجد نفسك أيضاً متواضع الأداء، تجني على نفسك وعلى من تتقدم إليها من النساء وتجني على أولادك أيضاً من بعد؛ لأنه – يا ولدي – فاقد الشيء لا يعطيه.

لذلك أقول: لابد أن تسعى في تغيير نفسك، اهتم بمذاكرتك ورتب حياتك ترتيباً جديداً من أولها إلى آخرها، ولا تلتفت لهذه الأشياء التي حدثت سابقاً لأنها تاريخ وقد مضى، وإذا كانت موجودة الآن فتفاعل معها بما يتناسب مع ظروفها على ألا تفتح النار من جميع الجبهات عليك، وإنما حاول أن تهادن وحاول أن تجامل وحاول أن تتجمل حتى تنتهي من مرحلتك الدراسية على خير - بإذن الله تعالى - .

حافظ على صلاة الجماعة؛ لأن الله تبارك وتعالى جعل الصلاة نوراً كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (والصلاة نور)، وذكر العلماء أن هذا النور نور يقذفه الله في القلب ويعرف بنور البصيرة، ونور يقذفه الله تبارك وتعالى في الوجه ويعرف بالهيبة والجلال، ونور ينير الله به وجوه هؤلاء الناس يوم القيامة (( نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ ))[التحريم:8]، فحافظ على الصلاة – بارك الله فيك – واجتهد في ذلك، وإن استطعت أن تجعلها كلها في المسجد مع الجماعة فلا تقصر في ذلك؛ لأن صلاة الجماعة قطعاً أفضل عشرات المرات من صلاة الرجل وحده كما أخبر حبيبك عليه الصلاة والسلام.

أكثر – يا ولدي – من الدعاء لنفسك أن يصلحك الله، واعلم أنه لا يرد القضاء إلا الدعاء وأن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل كما أخبر حبيبك صلى الله عليه وسلم.

عليك بالإكثار من الصلاة على النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بشر من يصلي عليه بقوله: (إذن تُكفى همك ويُغفر لك ذنبك).

اجتهد -يا ولدي- في أن تحدد لنفسك مواعيد للمذاكرة، واجعل المذاكرة عادة يومية لا تتأخر عنها ولا تتوان فيها ولا تقصر فيها بحال من الأحوال، اجعلها عادة يومية كالأكل والشرب والنوم، حتى تتميز – بارك الله فيك – ولا تضيعها تحت أي ظرف من الظروف، أجلس للمذاكرة في وقت معين ولا تقصر في ذلك أبداً مهما كانت الظروف.

ضع لنفسك جدولاً للمذاكرة واهتم لنفسك – يا ولدي – لأنه لا خير فيك إذا لم تهتم بنفسك، ولذلك هناك كتاب أعتقد لو أن الله أكرمك به وقرأته لأفادك فائدة عظيمة، هذا الكتاب يوضع في المكتبات الثقافية بعنوان (اعتن بحياتك)، فأتمنى أن تقرأ هذا الكتاب – بارك الله فيك – وأن تستفيد منه وأن تعيد الثقة بنفسك بعد ترتيب الأمور وبعد التوكل على الله، وأنا واثق من أنك ستتغلب على هذه المشاكل كلها وسوف تحدد هدفاً رائعاً وسوف تكون إنساناً متميزاً في المستقبل.

أتمنى لك التوفيق والسداد، ونريد أن نراك في رسالة أخرى وأنت في حال أسعد ووضع أطيب.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً