الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

اكتئاب وعدم شعور بالسعادة والراحة والطمأنينة

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

تربيت في بيئة قاسية نوعاً ما، فأبي كان يهملنا وأمي تؤنبنا وتصرخ في وجهي منذ صغري، ومعاملتها لنا كانت بأسلوب تربوي منحط، فانحرمنا من حنان الوالدين وعطفهما، وعندما بلغت السادسة عشر من عمري كان يأتيني شعور بالغثيان والدوار مع خفقان القلب، ثم يذهب هذا الشعور.

ظل يأتيني ذلك بين فترة وأخرى حتى وصل سني إلى الثالثة والعشرين فزادت المشكلة عندي كثيراً، وبدأت لا أشعر بالسعادة والراحة والطمأنينة، حتى أن والدي اشترى لي سيارة جديدة فلم أشعر بالسعادة بها إلا في البداية، وكنت أكلم نفسي كيف لا أسعد بها وهي جديدة! ولم أكن أعرف الجواب فراجعت طبيباً نفسياً فصرف لي دواء (سيتالوجين).

لا زلت أتناول الدواء منذ أربع سنوات فتحسنت حالتي كثيراً ولله الحمد، ولكن بقيت مشكلة الاكتئاب الخفيف الذي أعاني منه، فعندما أخرج في نزهة لا أسعد بها كثيراً كما ينبغي، وإذا جاءتني هدية أو رسالة على الجوال فيها مدح لي فلا أشعر بالسعادة التي ينبغي أن تكون في مثل هذا الموقف، وكذلك إذا حققت إنجازاً، وهذا ينغصني كثيراً، فساعدوني في حل مشكلتي.

ولكم جزيل الشكر.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد علي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

سوف أذكر لك التشخيص ونوع الحالة التي تعاني منها وهي تعرف باسم (نوبات الهرع) أو (نوبات الرهاب)، والتي بدأت عندك في سن السادسة عشر، ثم بعد ذلك حدث لديك اكتئابٌ ثانوي، هذا من الناحية التشخيصية، وإذا رجعنا للأسباب فقد تحدثت كثيراً وأشرت إلى نقاط سلبية في تنشئتك ولديك أيضاً مشاعر ليست بالجيدة حيال والديك، حيث وصفت أنك عشت تحت أسلوب تربوي منحط، وأنك قد حرمت من حنان الوالدين وعطفهما.

لا بد أن تصحح هذه المفاهيم، فإن كثيراً من الناس من يقسون على آبائهم وأمهاتهم نسوا أو لا يتذكروا أن كل أب وكل أم دائماً يسعيان لمصلحة أبنائهما، وذلك بسبب واحد وهو أن حب الآباء والأمهات لأبنائهم هو حب فطري، وهو حب غريزي وجبلي، ولا شك في ذلك مطلقاً، وربما تختلف مناهج الآباء والأمهات في التربية حسب اجتهادهم وحسب معلوماتهم وحسب مقدراتهم، فأرجو أن تكون لك نظرة إيجابية نحو والديك؛ لأن هذا جزء من العملية العلاجية التي سوف تفيدك الآن، ولكن إذا ظللت بهذه الأفكار السلبية نحو والديك فسوف ينعكس سلباً على صحتك النفسية، فإن والديك هما اللذان ربياك صغيراً وسعيا لإسعادك، وإن كان هناك بعض الأخطاء وربما يكون هناك شيء من سوء التربية، ولكن هذا لا يعني سوء القصد مطلقاً.

لا أعتقد أن التنشئة أو معاملة الوالدين كانت سبباً للدرجة التي أثرت عليك، ويجب أن تعلم أن نوبات الرهاب ونوبات الهرع وكذلك الاكتئاب النفسي لها مسببات بيولوجية أثبتها العلم الآن، بمعنى أن هذه الحالات تنتج عن تغيرات في كيمياء الدماغ، فهنالك بعض المواد التي تعرف بالمرسلات أو الموصلات العصبية يحدث فيها نوع من عدم الانتظام في الإفراز أو ضعف في الإفراز، وهذا يؤدي إلى هذه الحالات النفسية خاصة حالات الاكتئاب والقلق والتوتر والاضطرابات الوجدانية المختلفة، فربما لديك بعض الاستعدادات في شخصيتك، فإن هذا لا ننكره ولكن المتغير الكيميائي الذي يحدث في الدماغ هو الذي أدى إلى ظهور هذه الأعراض.

إذن يجب تصحيح المفاهيم بعد أن قمنا بتشخيصها، وحتى إن كنت تعتقد أن التنشئة هي التي جلبت لك كل هذه الأحزان وكل هذا الخوف والهرع فأرجو أن تكون متسامحاً وأرجو أن تسعى لبر والديك؛ لأن هذا أمر ضروري، والبر يكون بدايته هو التسامح وأن ننظر لآبائنا نظرة إيجابية، وأن ننظر إليهم دون تذكر ما نعتقده أنه أخطاء تربوية من جانبهم، فهذه هي نقطة البداية وهي التي تبني الحب والمودة والبر حيال الآباء، ولا شك أنك أدرى بمتطلبات البر بالنسبة للآباء وتعرف الأجر والثواب الذي يجنيه الإنسان من ذلك، ولا تنسى أنك الآن تخرجت وتعمل في وظيفة مميزة ولله الحمد، وهذه الوظيفة محترمة فعليك أن تحمل هذه الرسالة وتتمعن فيما تقوم به من عمل وتتطور نفسك؛ لأن التطوير المهني هو من أفضل وسائل التأهيل النفسي.

أما مفاهيمك نحو السعادة فقد ذكرت بعض المواقف التي قلت أنك لا تحس فيها بالسعادة، فإن السعادة هي أمر نسبي، والسعادة هي الرضا وهذا ضروري جدّاً، فعليك أن يكون لك نوع من الرضا الذاتي ونوع من القناعات، فإن هذا سوف يساعدك كثيراً، والرضا والسعادة لا شك أنها مرتبطة بطاعة الله تعالى والتقرب منه، فأرجو أن تكون حريصاً على ذلك، وهذا فقط من قبيل التناصح أذكره لك.

يأتي بعد ذلك العلاج الدوائي، والدواء الذي تتناوله هو من الأدوية الطبية الجيدة، ولكن الدراسات تشير الآن أن عقار سبراليكس ربما يكون هو العقار الأفضل لعلاج مثل حالتك، وبالرغم من التحسن الذي طرأ على حالتك لكن ربما يكون الآن من الأفضل أن تغير الدواء وتتناول السبراليكس، وجرعته هي عشرة مليجرام ليلاً لمدة أسبوعين، ثم بعد ذلك ترفع الجرعة إلى عشرين مليجرام ليلاً لمدة ستة أشهر – وهذه هي الجرعة العلاجية – ثم بعد ذلك تخفض الجرعة إلى عشرة مليجرام ليلاً وتستمر عليها لمدة عام وهذه هي الجرعة الوقائية.

بالتأكيد سيكون من الأفضل مشاورة الطبيب النفسي في تغيير الدواء، فأنا لا أحتم على أن تغير الدواء ولكن فقط وددت أن أطلعك على ما هو أفضل، وعليك أن تتخذ القرار بعد أن تحاور طبيبك.

أرجو أيضاً أن تمارس أي نوع من الرياضة كرياضة المشي فإنها سوف تفيدك كثيراً، وأرجو أن تتذكر إنجازاتك، فأنت الحمد لله قد أنجزت الكثير ووصلت إلى مراحل جيدة من الناحية المهنية ومن الناحية الاجتماعية، وأرجو أن تلتزم بالإرشادات السابقة وأن تفهم طبيعة حالتك وأن تغير مفاهيمك نحو والديك وأن تعيش الحاضر بقوة وأن تعيش المستقبل بأمل.

لمزيد من الفائدة يرجى التكرم بالاطلاع على الاستشارات التالية والتي تتناول الوسائل السلوكية لعلاج الاكتئاب: (237889 - 241190 - 257425 - 262031 - 265121)، نسأل الله لك الشفاء والعافية.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • السعودية 7

    شكرا

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً