الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

العلاج السلوكي للاكتئاب

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بدأت مشكلتي منذ ثمانية أعوام، عندما كنت طالباً في السنة الرابعة من الجامعة، حيث كنت أدرس مسنداً الكرسي بوضع مائل إلى جدار المنزل، فانزلق الكرسي ووقعت بقوة على رأسي من الخلف، فحدثت غيبوبة لمدة دقيقة، ثم استيقظت وذهبت للمستشفى، وعملت تحاليل للدم وصور أشعة للرأس والرقبة، وكانت النتائج كلها طبيعية ولله الحمد، وانتهى الأمر عند هذا الحد.

بعد هذا الحادث بستة أشهر كنت أبذل مجهوداً كبيراً في الدراسة، فبدأت أشعر بصداع شبه يومي، مع توتر وقلق، ويزداد ذلك كثيراً أثناء الامتحانات، فذهبت لطبيب الأعصاب، فطلب مني عمل تحاليل جديدة وصور أشعة جديدة للرأس والرقبة، وكذلك تخطيط للدماغ (Egg)، وتبين أن كل شيء طبيعي، فوصف لي بعض المهدئات مثل زاناكس).
ولكني لم أستفد، بل تطور الأمر فبدأت أشعر بإرهاق يومي، وأتعب سريعاً من أبسط مجهود ذهني أو جسمي، وأشعر بتوتر كبير وقلق وعدم راحة في النوم، بالإضافة إلى الصداع وضيق شديد في الصدر، وسرعة في الغضب لأتفه الأسباب، وشعور دائم بالإحباط والسوداوية، ثم تطور الأمر فبدأت تنتابني أفكار ووساوس وهواجس غير منطقية إطلاقاً، ولكنها ملحة بشدة ولا أستطيع صرفها.

رجعت لنفس الطبيب عدة مرات خلال السنوات الثمان الماضية، وكان وصفه للحالة بأنها اكتئاب ووساوس فكرية قاهرة، ووصف لي دواء (أنافرانيل، زاناكس) عدة مرات، فكنت أرتاح عليهما قليلاً، ولكني أعود للانتكاس بعد ترك الدواء، وتمر حياتي تعيسة، حيث لا أشعر بالسعادة إطلاقاً، وقد استخدمت نفس الدواء مراراً، ولكني لا أشعر بالراحة، فذهبت إلى شيخ يخرج الجن فأفاد بأني غير مصاب بأي مس ولله الحمد، فما العلاج؟

وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن الأعراض التي سردتها في رسالتك تشير أنك تعاني بالفعل من القلق الاكتئابي، والجزئية المهمة في القلق الذي لديك هي ظهور أفكار وسواسية، والوساوس القهرية عموماً هي في الأصل جزء من القلق، وأنت حاولت أن تربط بين حادثة السقوط من على الكرسي وإصابة الرأس.

ونعرف أن مثل هذه الحوادث وإن لم تترك أثرا عضوياً فربما يكون هناك رابط نفسي، بمعنى أن الإنسان يكون لديه أصلاً الاستعداد للإصابة بالقلق والتوتر، وحين يتذكر هذه الحادثة فهذا في حد ذاته يكون عاملاً مهيئاً لظهور القلق والتوتر.

وعموماً فإننا نحمد الله أن كل فحوصاتك جيدة وطبيعية، وهذا يدل أنه لم يحدث خلل عضوي، وهذا يُرجعني أن أقول أنك في الأصل لديك الاستعداد للقلق والتوتر، والعلاج ليس بالصعب إن شاء الله ولكنه يتطلب الالتزام، فقد تناولت بعض الأدوية ولم تجرب الأدوية الأخرى التي ربما تكون أكثر فعالية.

الأنفرانيل (Anafranil) دواء جيد، ولكن الجرعة العلاجية للوساوس القهرية والاكتئاب يجب أن لا تقل عن مائة وخمسين مليجراماً في اليوم، وقلَّما يتحمل الإنسان هذه الجرعة؛ لأن الأنفرانيل لديه آثار سلبية كثيرة مثل الشعور بالجفاف في الفم والثقل في العينين والإمساك، وربما الخمول وكثرة النوم، كما أن الزانكس (Xanax) لا يعالج الوسواس، فهو دواء يساعد في زوال القلق والتوتر، ونحن لا ننصح باستعماله لفترات طويلة؛ لأنه قد يؤدي إلى التعود.

أريدك أن تبدأ بداية جديدة مع العلاج الدوائي، والدواء الذي أرشحه في حالتك هو عقار يعرف علمياً باسم (فلوكستين Fluoxetine)، ويسمى تجارياً (بروزاك Prozac)، وربما توجد مستحضرات تجارية في فلسطين تحمل أسماء تجارية أخرى، فاسأل عن الدواء تحت مسماه العلمي (فلوكستين).

وأود منك أن تبدأ بتناول جرعة عشرين مليجراماً (كبسولة واحدة) يومياً بعد الأكل لمدة شهر، وبعد ذلك ارفع الجرعة إلى كبسولتين (أربعين مليجراماً)، وهذه تعتبر جرعة جيدة لعلاج مثل حالتك، علماً بأنه يمكن تناوله حتى أربع كبسولات (ثمانين مليجراماً) في اليوم، ولكن لا أرى أنك في حاجة لمثل هذه الجرعة، فاستمر على جرعة الكبسولتين يومياً لمدة ثمانية أشهر، ويجب أن تكون منضبطاً وملتزماً التزاماً قاطعاً بتناول الجرعة في وقتها.
وبعد انقضاء فترة الثمانية أشهر خفف الجرعة لتبدأ في الجرعة الوقائية، وهي كبسولة واحدة يومياً لمدة ستة أشهر، ولا أعتقد أنك بعد ذلك سوف تكون في حاجة للعلاج، وهذا الدواء من الأدوية الممتازة والأدوية السليمة والأدوية الفعالة لعلاج الاكتئاب والقلق والوساوس القهرية.

يبقى بعد ذلك أن تطبق العلاجات السلوكية، وأهم علاج سلوكي هو ممارسة تمارين الاسترخاء المتدرجة، وتوجد كتيبات وأشرطة توضح كيفية القيام بهذه التمارين، كما أن الأخصائيين النفسيين على إدراك ومعرفة تامة بهذه التمارين، فيمكنك الاستعانة بأخصائي نفسي - وليس طبيباً نفسياً - ليدربك على تمارين الاسترخاء، وإذا كان ذلك ليس ممكناً أو متوفراً فيمكنك تطبيق هذه التمارين بما سوف أسرده عليك بصورة مختصرة:
اجلس في غرفة هادئة ويفضل أن تكون شبه مظلمة أو تكون الإضاءة خافتة، ثم أجلس على كرسي مسترخياً أو قم بالإضجاع على السرير، ثم أغمض عينيك وافتح فمك قليلاً وتأمل في شيء طيب وجميل أي حدث سعيد حدث في حياتك، ثم بعد ذلك خذ نفساً عميقاً وبطيئاً، املأ صدرك بالهواء حتى ترتفع البطن قليلاً، ثم بعد ذلك أقبض على الهواء في صدرك لمدة خمس ثوانٍ، ثم أخرج الهواء عن طريق الفم بكل قوة وبكل بطء.. هذا التمرين يجب أن يكرر خمس مرات في كل جلسة بمعدل جلسة في الصباح وجلسة في المساء.

وهناك تمرين الاسترخاء العضلي أيضاً، قم بالقبض بشدة على عضلات راحة اليدين، وبعد ذلك قم بإطلاقها، وخاطب نفسك داخلياً حين تقبض على يديك وقل (أنا الآن أشد وأقبض على يديَّ وأحس بالألم، وحين تقوم بإطلاقها وباسترخائها قل (أنا الآن في حالة استرخاء وطمأنينة)، كرر هذا التمرين مع عضلات البطن، أي أن تقوم بشد عضلات البطن، ثم بعد ذلك تقوم بإطلاقها وباسترخائها، وهكذا قم نفس التمرين على عضلات الصدر والساقين والقدمين، وهذه التمارين تتطلب الالتزام وتتطلب التركيز وهي مفيدة جدّاً.

وبعد ذلك توجد العلاجات السلوكية العامة للاكتئاب، وأهما ما يعرف بالعلاج المعرفي، وهو أن تستبدل كل فكرة سلبية تعاني منها بفكرة إيجابية، ويحبذ أن تكتب كل الأفكار السلبية على ورقة وبعد ذلك تستبدل هذه الفكرة السلبية بفكرة إيجابية وتقوم بكتابة الفكرة الإيجابية المقابلة للفكرة السلبية وتكرر الفكرة الإيجابية عدة مرات، تكررها بتأمل وبتركيز وبقناعة أنها هي الأفيد والأصلح بالنسبة لك.

بالنسبة لكل فكر وسواسي يجب أيضاً أن تحقره وأن لا تعطيه أي اهتمام، وأن تستبدل الفكرة بفكرة مخالفة، والمبدأ العام هو أن تعرض نفسك للوساوس وتمنع الاستجابة السلبية، وتوجد أيضاً علاجات أخرى مفيدة، منها إدارة الزمن والوقت بصورة صحيحة، وأنت مدرس جامعي وفي هذه فرصة عظيمة لك بأن تستثمر وقتك بصورة صحيحة، هذا يقلل من القلق ومن الاكتئاب، ويجعل الإنسان يحس بالاسترخاء والرضا الذاتي، فأرجو أن تكون حريصاً على ذلك.

كما أن ممارسة الرياضة - خاصة رياضة المشي - تفيد في القضاء على الطاقات النفسية السلبية، وتبني طاقات إيجابية مفيدة بالنسبة للإنسان، وعليك بالتواصل الاجتماعي، وعليك بالمشاركة في حلقات التلاوة، ففيها الكثير من الراحة النفسية والإدراك المعرفي، وزيادة المهارات الاجتماعية. وإذا كانت هنالك وسيلة أيضاً للانضمام لأي عمل تطوعي فهذا وجد أنه يعالج الاكتئاب والقلق والتوتر؛ لأن مساعدة الآخرين والقيام بأعمال البر تحفز النفس، وفيها الكثير من الإثابة الداخلية ذات العائد الإيجابي على النفس البشرية أيّاً كانت.

نشكرك على تواصلك مع موقعك إسلام ويب، وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً