الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عدم استحسان التنقل بين الأدوية النفسية

السؤال

منذ أكثر من اثني عشرة سنة وأنا أعاني من اكتئاب حاد، مع قلق شديد ووساوس قهرية شديدة، في البداية أصبت بصدمة شديدة؛ لأن هذا المرض حل علي فجأة بشدة، فلم أستوعب حاجتي للعلاج، ولم ألتزم به، ثم التزمت به نسبياً.

أخذت انفرانيل وتربتزول، ولشدة حالتي أخذت ست جلسات كهربية، لم أشعر بتحسن يذكر، وبعد فترة انقطعت عن العلاج لانزعاجي من الآثار الجانبية وقلة تحسني، وانصرفت إلى الرقية الشرعية، تحسنت نسبياً، لكن ظل المرض يلازمني ويؤثر على حياتي كثيراً، وبعد سنوات تحديداً في 2006م عدت إلى الطبيب ووصف لي استابلون، التزمت تماماً بالعلاج شهرين دون تحسن، فتركته ثم اشتد المرض، فعدت مرة أخرى فوصف لي انفرانيل، تدرجت حتى وصلت إلى 150، ثم أتعبتني الآثار الجانبية مع تحسن قليل، استمريت شهرين ثم تركته أيضاً، وفي العام الماضي 2008م عدت للطبيب وطلبت دواء خارجياً أشتريه، حيث إن المستشفى بالكويت لا يصرف للوافدين سوى الأدوية القديمة، فوصف لي سبرالكس 10 لمدة أسبوع، ثم زاده الى20 ، وظللت أسبوعاً آخر دون أي تحسن، فأضاف استابلون 3 مرات.

وبعد شهر لم أتحسن، فذهبت إلى المستشفى، فأحالوني على طبيبة غيرت الدواء المساعد إلى دوجماتيل50 ثلاث مرات، وبعد شهر كان التحسن ضئيلاً لا يتجاوز 10 بالمئة، فغيرت الدواء إلى ايفكسور 75 حبة مساء، مع حبة سبرالكس صباحاً، ثم أضيف حبة ايفكسور مساء، لم أرتح له للأعراض الجانبية.

أخيراً: وصفت لي سبرالكس 10 ثلاث مرات مع دوجماتيل 50 ثلاث مرات، وأنا على هذا منذ أكثر من أسبوعين تحديداً، في منتصف الأسبوع الثالث وتحسني لا يتجاوز 10 بالمئة، وليس طوال الوقت فكثيراً ما أشعر بأني لم أتحسن أبداً، بالإضافة إلى أعراض جسدية من إجهاد وضعف شديد.

أفكر بالتحول إلى بروزاك أو فافرين، وأرجو من الدكتور محمد عبد العليم حفظه الله أن يشير عليَّ في هذا الأمر، فبالله عليك يا دكتور محمد عجل في الرد عليَّ، كما أرجو إفادتي، هل آخذ دواء مساعداً غير الدوجماتيل؛ لأنه لم يفدني، مع السبرالكس، أم أكتفي بالدواء الجديد؟ وإذا احتجت دواء مساعداً بماذا تنصحني؟

جزاكم الله خيراً، وعافاكم من كل مكروه.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم أنس حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فقد استوعبت رسالتك - بحمد الله تعالى - بصورة واضحة، وخلاصة الأمر أنك تعانين من هذا الاكتئاب النفسي منذ فترة، وظلت حالتك تتأرجح ما بين التحسن البسيط إلى استمرار الاكتئاب.

أقول لك: الأدوية المضادة للاكتئاب هي أدوية مفيدة جدّاً، ولا شك في ذلك، وحقيقةً العلاج يتطلب الصبر، كما أن المرض يتطلب الصبر، والالتزام بالدواء ضروري وضروري جدّاً؛ لأن هذه الأدوية كلها تعمل من خلال عمليات كيميائية وفسيولوجية يحدث انضباطها التام بدرجة انضباطنا والتزامنا في تناول الدواء. أنت الحمد لله أيضاً مستوعبة هذا الأمر، وأعتقد أنك على بصيرة تامة بضرورة الالتزام بالعلاج.

التنقل من دواء إلى دواء ربما يكون ليس مستحسناً، ولكني أعرف أن الناس كثيراً ما تكون مضطرة لذلك، كما أن مناهج الأطباء وأساليبهم المختلفة في العلاج، واختلاف شخصياتهم، وكذلك المدارس التي تدربوا فيها تجعلهم يتخيرون أسلوب العلاج، ونوع الدواء حسب الخلفيات التي ذكرتها، ولكن عموماً الكل – أي: الأطباء – متفقون لدرجة كبيرة على طرق ووسائل علاج الاكتئاب.

أهم طريقة ووسيلة لعلاج الاكتئاب هو التغيير المعرفي، وأقصد بذلك أن الاكتئاب يجعل الإنسان ينظر للحياة ولحاضره ولمستقبله وماضيه بسلبية شديدة، وهذه السلبية حقيقة تجعل الإنسان أسيراً وسجيناً للشعور بالكدر وعدم الدافعية، وحتى فقدان الأمل في بعض الأحيان.

نحن نقول: دائماً، ينبغي على الإنسان أن يغير من فكره، وكل فكرة سلبية توجد فكرة إيجابية تقابلها، والخير دائماً أكثر من الشر. فنصيحتي لك أن تكوني إيجابية في تفكيرك، تذكري الأشياء الجميلة في حياتك، حتى لو كانت بسيطة، فهذه - إن شاء الله تعالى – سوف تتضخم وتتكاثر في تفكيرك، وسوف تنمو، وهذا النمو الإيجابي للأفكار الإيجابية البسيطة يؤدي إلى ما نسميه بالتحفيز أو المكافئة النفسية الداخلية، وهذه في حد ذاتها حين يصل الإنسان إليها يحس بمزيد من الراحة النفسية، مما ينتج عنه - إن شاء الله تعالى – هزيمة وانتهاء الاكتئاب.

أنت سيدة في بيتك، ولديك واجباتك الزوجية والتربوية، وهذا في حد ذاته يجب أن يكون هدفاً ودافعاً لك لأن تكوني إيجابية في تفكيرك، وفي طريقة تعاملك في الحياة.

بالنسبة للعلاج الدوائي، أنا أتفق معك لدرجة كبيرة أن البروزاك Prozac ربما يكون هو الدواء الأفضل في حالتك، وهو حقيقة إذا قسناه بالأدوية الأخرى، نجد أن فعاليته ممتازة جدّاً، خاصة إذا كان هنالك وهن أو شعور بالتكاسل الجسدي والنفسي، هنا البروزاك يتميز بأنه يزيد من طاقات الإنسان الجسدية والنفسية مما يحسن من دافعيته، وهذا أيضاً مهم جدّاً في محاربة الاكتئاب.

فأنا أرى أنه من الأفضل أن تتوقفي عن كل الأدوية التي تتناوليها، وتبدئي في تناول البروزاك بجرعة كبسولة واحدة في اليوم، وليس من الضروري أن تتحصلي على البروزاك بالاسم؛ لأنه ربما يكون مكلفاً بعض الشيء، تحصلي على أي منتج آخر تجاري، فقط تأكدي أن المحتوى الكيميائي لهذا الدواء هو المادة التي تعرف باسم (فلوكستين Fluoxetine)، والحمد لله الآن توجد أنواع ممتازة جدّاً من البروزاك في شكل مركات تجارية، والأدوية في منطقة الخليج عادة تخضع لضوابط جودة عالية، مما يجعلنا مطمئنين على فعالية وسلامة الدواء.

ابدئي في تناول الفلوكستين بجرعة عشرين مليجراماً يومياً بعد الأكل لمدة أسبوعين، ثم بعد ذلك ارفعي الجرعة إلى أربعين مليجراماً (كبسولتين) لمدة شهر، ثم ارفعي الجرعة إلى ستين مليجراماً (ثلاث كبسولات) في اليوم، وهذه هي الجرعة التي أراها سوف تكون مفيدة بالنسبة لك، وهي ليست جرعة مرتفعة، هي جرعة فوق الجرعة الوسطية، حيث إن هذا الدواء يمكن تناوله حتى أربع كبسولات (ثمانين مليجرام) في اليوم، ولكنك لست بحاجة إلى ذلك.

استمري على هذه الجرعة العلاجية (ستين مليجراماً) في اليوم - ويمكنك أن تتناولي كبسولة واحدة في الصباح وكبسولتين ليلاً – لمدة ستة أشهر، ثم بعد ذلك خفضي الدواء إلى كبسولتين في اليوم لمدة عام، واستمري على هذه الجرعة لمدة عام، ثم بعد ذلك خفضيها إلى كبسولة واحدة، واستمري عليها كجرعة وقائية، ومهما طالت المدة لا تنزعجي لذلك؛ لأن الفلوكستين سليم جدّاً.

أما الدوجماتيل Dogmatil ، فأنصحك بالتوقف عن تناوله، وأنا أرشح أن تضيفي كدواء مساند، إما العقار الذي يعرف تجارياً وعلمياً باسم (موتيفال Motival) – إذا كان موجوداً، وأعتقد أنه متوفر في الكويت، وهو غير مكلف أبداً – تناوليه بجرعة حبة واحدة ليلاً لمدة عام.

وإما العقار الذي يعرف تجارياً باسم (فلوناكسول Flunaxol)، ويعرف علمياً باسم (فلوبنتكسول Flupenthixol)، وذلك إذا لم تتحصلي على الموتيفال، فيكون الفلوناكسول بديلاً للموتيفال، والذي يمكنك أن تتناوليه بجرعة نصف مليجرام في الصباح لمدة عام أيضاً.

البروزاك/فلوكستين، سيكون هو الدواء الأساسي، أما الأدوية الأخرى فهي أدوية مساعدة وتضاف إليه.

هنالك دراسات تشير أيضاً أن تناول جرعة صغيرة من هرمون الثيروكثين -وهو الهرمون التي تفرزه الغدة الدرقية- قد يكون مفيداً خاصة بالنسبة للنساء، وحتى إذا كانت الغدة الدرقية في وضعها الطبيعي، لكن هذا الأمر يجب أن يكون تحت إشراف طبي.

أنا كثيراً ما أضيف خمسة وعشرين إلى خمسين ميكوجرام من الثيروكثين مع الأدوية المضادة للاكتئاب، وكثير من الناس خاصة النساء يستفيدون كثيراً من ذلك.

إذا أردت أن تقدمي على هذه الخطوة، فربما يكون من الأفضل أن تستشيري الطبيب، وفي نفس الوقت أنصح بأن تقومي بإجراء فحص للغدة الدرقية إذا كان ذلك متيسراً وسهلاً.

جزاك الله خيراً، وبارك الله فيك، أسأل الله لك الشفاء والعافية.

وبالله التوفيق.


مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً