الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إرشاد لفتاة في إصرار أبيها على فسخ العقد مع صلاح الزوج

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا مخطوبة منذ عام ونصف لشاب ذي دين، ملتزم حتى بالسنن، وذو أخلاق عالية، ولم تكن عندي عقبة في عدم حصوله على شهادة جامعية.

لكن المشكلة في والدي؛ يريد أن يفسخ الخطبة ولكنه لم يقلها علناً بعد، وليس لديه حجة أو أسباب مقنعة أو شرعية، وأنا خائفة من مواجهة هذا الموقف، فما العمل؟ لأني إذا خيرت سوف أترك أهلي وأذهب معه، مع العلم أن هناك كتاباً شرعياً.
أرجوكم أفيدوني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ Noor حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله - تبارك وتعالى - أن يصرف عنك كل سوء، وأن يعافيك من كل بلاء، وأن يجمعك بهذا الشاب الصالح على خير، وأن يشرح صدر والدك لقبول هذا الشاب وعدم فسخ الخطبة، وأن يعجل بجمعكما جمعاً طيباً يُدخل السرور والسعادة على أطراف الأسرتين معاً.

بخصوص ما ورد برسالتك ابنتي الكريمة الفاضلة نور: فإن من نعم الله تبارك وتعالى على الفتاة المسلمة أن يمنَّ عليها بشاب صالح ملتزم حسن الخلق حريص على إحياء سنة النبي عليه الصلاة والسلام، فإن هذه حقيقة من عاجل بشرى المؤمن أن يُكرم الله المرأة برجل يتحلى بتلك الصفات الرائعة والتي تُؤدي إلى استقرار الأسرة ونهوضها وتقدمها ورخائها وسعادتها، وهذا ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه).

أقول: الحمد لله الذي أكرمك بهذه النعمة، ونسأل الله أن يتمها عليك ظاهرةً وباطنة وألا يحرمك منها.

أولاً: أما عن مشكلة والدك الذي يريد أن يفسخ الخطبة ولكنه لم يقل ذلك علناً؛ فأنا أخشى أن تكوني متأولة لكلامه أو أنك تفهمين الأمر على غير حقيقته؛ لأن رجلاً بهذا المستوى من الالتزام والأخلاق مثله لا يُرد، ولا أعتقد أن والدك إلى هذا الحد من عدم التعقل أو عدم استغلال الفرص المتاحة، فإن هذا الشاب فرصة حقيقة، فموضوع الشهادة الجامعية أو غيرها لا يضر ما دام قادراً على الإنفاق على بيته وعلى توفير حاجاته الأساسية وحاجاته الضرورية والحاجات التي جرت بها العادة، فهو زوج مبارك.

ثانياً: إضافة على ذلك فإن أهل الطاعة والاستقامة هم أوسع الناس رزقاً في العموم، فإن الله تبارك وتعالى يقول: (( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ))[الأعراف:96]، وقال تعالى: (( إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ))[النور:32].
إذن أقول: أخشى أن تكوني متأولة لكلام والدك، ولكن في جميع الأحوال إذا بدا أن الأمر حقيقة، وأن والدك فعلاً يفكر جدياً في ذلك؛ فمن حقك أن تتكلمي معه إن استطعت، ولك أن تستعيني بأمك في ذلك، أو أن تستعيني ببعض إخوانك أو بعض أعمامك لإقناع الوالد بالعدول عن فكرة فسخ العقد.

أما ذهابك مع هذا الشاب إذا قدر الله أن والدك لم يوافق عليه؛ فهذا ليس صحيحاً، نعم هو عقد عليك العقد الشرعي وأنت زوجته فعلاً، ولكن ليس معنى ذلك أن تُهدري حق الأسرة أيضاً، فإن هذا حقه عليك بسيط؛ لأنه قد عقد عليك مثلاً من أيام أو منذ عام ونصف، أما أبوك فإن حقه عليك منذ عشرين عاماً، وهذا الأمر سيورث العار لأسرتك قطعاً وسيجعلك تقطعين رحمك وقد يكون إلى يوم القيامة؛ لأن هذا الموقف ليس من شيم الفتاة المسلمة الصالحة المحافظة على نفسها المقدرة لمشاعر والديها، ولذلك أنا أقول:

هذا التفكير الذي ليس بصواب أبداً وليس صحيحاً ولا أوافق عليه مطلقاً ولا يوافق عليه أي إنسان عاقل؛ لأن ضرره أعظم من نفعه بملايين المرات، فأنت لو قدر الله وحدث هذا الأمر في ترك هذا الشاب طاعة لوالديك فقطعاً سيعوضك الله خيراً منه؛ لأن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.

أتمنى ألا تفكري في ذلك التصرف وألا تفكري بهذه الطريقة أبداً، وإنما بدلاً من هذا التفكير السلبي توجهي إلى الله عز وجل بالدعاء واسأليه من فضله أن يشرح صدر والدك لإتمام الزواج وعدم التفكير في فسخ العقد.

كذلك أيضاً خذي بالأسباب، وهي مواصلة الضغط الطبيعي عن طريق بعض الأقارب.. عن طريق الوالدة.. عن طريق كلامك مع والدك أنت شخصياً، أما أن تتصرفي هذا التصرف فأرى أن هذا ليس صحيحاً وليس حسناً، وإنما عليك بالدعاء أن الله تبارك وتعالى يصرف هذه الفكرة عن والدك، واعلمي -ابنتي الكريمة نور- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يرد القضاء إلا الدعاء)، وقال أيضا: (إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء)، فتوجهي إلى الله بصدق وإنابة وأكثري من الدعاء والإلحاح على الله، خاصة ونحن الآن في شهر الصوم – شهر رمضان – وللصائم دعوة لا ترد، وأبشري - بإذن الله تعالى – بفرج من الله قريب، ولكن حتى لو قدر الله وأصر والدك على ذلك فلا تتخلي عن أسرتك أبداً؛ لأن هذا أمر ليس بمقبول لا شرعاً ولا عقلاً ولا عرفاً.

أسأل الله عز وجل أن يصرف عنكم هذا الأمر وأن يعيد الثقة إلى والدك، وأن يكرمه بأن يواصل مسيرة إتمام زواجك على هذا الشاب الطيب المبارك، وأن يرزقكم ذرية صالحة.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً