كره الطفل للمدرسة
2010-04-12 09:09:13 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا أم لأربعة أطفال أكبرهم 6 سنوات، ثم 5 سنوات، وطفلة 3 سنوات، ورضيع عمره 10 أشهر.
أريد حلاً لابني الأكبر، فولدي الآن في بداية المرحلة الابتدائية، ولاحظت في الفترة الأخيرة عدم رغبته في الذهاب إلى المدرسة ويفضل اللعب على المذاكرة، ومشتت العقل والتركيز، في المذاكرة ولا يستجيب لطلباتي وأوامري، وكذاب بشكل رهيب، تعبت منه كثيراً، علماً أنه في السابق كان ذكيا جداً، وهو الآن كذلك ولكن لا يريد التفكير نهائيا، وكان حريصا على دراسته وكتابة واجباته والتمييز في كل شيء، أما الآن فلا.
أنا أتوقع حدوث هذا بسبب أن أباه فُقد في البحر منذ سنة، وكان على أمل أن نجده، ولكننا لم نجده، فكثرة تفكيره في أبيه ربما يكون سبباً من الأسباب، أو أن أخته التي تصغره بسنة -وهي الآن في المرحلة التمهيدي- ليس لها واجبات مثله، أو أن حبي وحناني لطفلي الرضيع سبب له غيرة، مع العلم أنه يحبه جداً، أو رؤيتي بحالتي النفسية السيئة عند فقدان أبيه، ثم بعد ولادتي بطفلي وانشغالي فترة سبب له بداية لا مبالاة.
وربما عدم شرح الأستاذ للدروس وعدم كفاءة المدرسيين وعدم الشدة والحزم للأطفال ولو قليلاً أنتجت لي هذا الطفل الكثير العناد، وبعد أن وضعت جميع الاحتمالات وأرجو منكم النصيحة، فأنا حالتي لا يعلم بها إلا رب العالمين.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم يامن حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فنسأل الله تعالى أن يصلح أمر ذريتك، وأن يجعلهم من الناجحين، وأن يرزقكم الصبر والسلوان على فقدان زوجك.. هذا الابن يعاني كما ذكرت من مشكلات متعددة، أولها عدم رغبته في الذهاب للمدرسة، ولديه مشكلة في التركيز، ويُبدي أيضاً العناد وعدم الانصياع لتوجيهاتك، وأكثر ما أزعجني أنك ذكرت أنه كذّاب بشكل رهيب!
أولاً: أريد أن أوضح لك أن الطفل في هذا العمر لا يفهم الكذب ككذب، والطفل ربما لا يفرق بين الواقع والخيال، وهذا الطفل -حفظه الله- حتى وإن كان لا يقول الصدق فهذا مسلك قد تعلمه وقد اكتسبه من جهة ما.
والذي أود أن أقوله لك هو أنه ربما يكون ابنك قد تأثر بالأحداث التي مرت بها الأسرة، وهي اختفاء الأب، ولا شك أن هذا أمراً مؤثراً.
وعدم رغبة الابن في الذهاب إلى المدرسة لا أعتقد أنها ناتجة من سوءٍ فيه، ولكنها ناتجة من خوف الفراق للبيت وأمان المنزل ويريد أن يستأنس برفقتك، وهذا نسميه بقلق الفراق.
ولا شك أن عدم رغبته في الذهاب للمدرسة أيّاً كان سببها سوف يتبعها عدم الرغبة في المذاكرة وتفضيل اللعب، وبما أنه قد كثر سلطتك له كوالدة ورفض الذهاب إلى المدرسة، بعد ذلك يسهل عليه جدّاً أن لا يستجيب لطلباتك وأوامرك.
الأسباب التي سقتها في رسالتك أسباب وجيهة، وأود أن أضيف عليها أيضاً أنه ربما يكون تحملك أيضاً قد ضعف نسبة للضغوط النفسية التي مررت بها.
عموماً الذي أريده منك أن لا تنظري للأمر بشكل قاتم وسوداوي، هؤلاء الأطفال الأربعة هم نعمة كبيرة من نعم الله تعالى عليك. الذرية من أكبر النعم، قال تعالى على لسان زكريا عليه السلام: (( رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ))[الأنبياء:89]، وقال تعالى: (( يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ ))[الشورى:49]، وقال إبراهيم عليه السلام: (( رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ))[الصافات:100]، فالذرية هبة من الله تعالى ونعمة كبيرة.
فهذه يجب أن تكون نقطة البداية في العلاج، أي أن تتأملي وتفكري وتستبصري بصورة أفضل في هذه النعمة العظيمة التي وهبك الله بها تعالى.
ثانياً: يجب أن تقدّري أن المسئولية عليك قد تضاعفت بعد غياب زوجك.
ثالثاً: الطفل قد يتعلم السلوك السلبي، وذلك عن طريق اكتساب هذا السلوك، وبالمثل وبالمقابل وبنفس المستوى يمكن أن يُبدّل السلوك السلبي بسلوك إيجابي، والعكس صحيح. ومن هنا أرجوك أولاً أن لا تكوني انتقادية لطفلك، وحتى إن كان لا يتحرى الصدق أرجو أن لا تصفيه أو تنعتيه أو تذكري له أنه كذاب، هذا ليس أمراً جيداً.
الطفل الذي لا يكون دقيقاً في كلامه نعلمه كيف يكون دقيقاً في كلامه، وننمي فيه فضيلة الصدق والأمانة، وذلك بتشجيعه، وأن نحكي له القصص التي تدل على أهمية الصدق والأمانة وشيء من هذا القبيل، ونذكر له شيئاً من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في الصدق والأمانة، وما ذكر في القرآن الكريم.
من الضروري أن تشجعي ابنك وأن تحفزيه، وهو في الصباح ذاهب إلى المدرسة حاولي أن تقبليه وأن تشجعيه. الطفل يستفيد ويستجيب للحوافز، الطفل يستفيد من الحوافز ويستجيب لها بصورة واضحة جدّاً.
الذي أطلبه منك هو أن تتجاهلي تماماً سلبياته، ضعي له جدولاً يكون قائماً على الحوافز.
أعرف أنك مشغولة مع أطفالك، أسأل الله تعالى أن يحفظهم، وبالرغم من هذه المشغولية إلا أن الجدول الذي سوف يقوم على التحفيز سيكون أمراً مشجعاً، وطريقة النجوم هي طريقة جيدة، ضعي نجمتين أو ثلاثاً على لوحة من قرب أو فوق سريره لكل فعل إيجابي يقوم به، ضعي هذه النجوم، وحين يقوم بأي عمل سلبي اشرحي له أن ما قام به ليس أمراً جيداً لذا سوف تسحبي منه نجمة أو نجمتين، وفي نهاية الأسبوع يجب أن يعرف أنه سوف يكافأ على حسب عدد النجوم التي اكتسبه وذلك بإحضار هدية بسيطة له.
كل تصرف إيجابي من هذا الابن يجب أن يُشجع عليه، وأريدك أيضاً أن تركزي على أمور بسيطة جدّاً: علميه كيف يرتب فراشه، كيف يعتني بملابسه ويرتبها في الخزانة، كيف ينظف أسنانه، كيف يمشط شعره، وحين يقوم بكل ذلك يجب أن تشجعيه تشجعاً كبيراً وفائقاً.
هذه أمور بسيطة جدّاً تبني في الطفل سمات إيجابية كبيرة، وأرجو أيضاً أن تتيحي له الفرصة لأن يلعب من الأطفال الآخرين، متى ما كان ذلك متاحاً؛ لأن الطفل يستطيع أن يتفاعل بصورة أفضل مع الأطفال وأقرانه.
فإذن خلاصة الأمر هي أن تتجنبي انتقاده، أن تحاولي أن تزرعي السمات الإيجابية فيه، وذلك من خلال تحفيزه والاهتمام به، والانفعالات السلبية من جانبك سوف تضر كثيراً بابنك، فأرجو تجنبها.
إذا كان تشتت التركيز والعقل – كما وصفته – مرتبط بزيادة في الحركة وأن الطفل لا يستطيع أن يجلس في مكان واحد لمدة معقولة، فهنا نفكر إن كان يعاني مما يعرف بداء فرط الحركة – وهي علة مرضية يعاني منها بعض الأطفال – لا يستطيع الطفل أن يجلس لأي فترة من الزمن، حتى وإن عُرض عليه شيء محبب له، مثلاً لا يستطيع أن يشاهد فلم رسوم متحركة في التلفزيون كما يفعل بقية الأطفال، وهكذا.
إذا كان لابنك أيٍّ من صفات داء الحركة المفرط فهنا أقول لك لابد أن تعرضيه على طبيب نفسي مختص في الأطفال؛ لأن هناك أدوية معينة لابد أن تعطى من أجل تحسين التركيز.
أرجو أيضاً أن تتواصلي مع مدرسته، ليعمل الأساتذة - أو على الأقل المدرس المسئول على فصله – على تشجيعه وتحفيزه أيضاً؛ لأن ذلك سوف يحبب إليه المدرسة ويقلل من قلق الفراق لديه، وختاماً نشكرك كثيراً، ونسأل الله تعالى أن يعينك وأن يجعل ذريتك قرة عين لك.
وبالله التوفيق والسداد.