كيفية التوفيق بين حق الله وحق الزوج والأبناء؟
2011-01-31 09:24:20 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم..
أنا امرأة أخاف الله، متزوجة، لي أبناء، لكن أجد أني مطالبة بعدة واجبات تجاه خالقي وزوجي وأبنائي والأقرب فالأقرب، وأنا أعيش في فرنسا فقط مع أسرتي الصغيرة، تنتابني لحظات اكتئاب بسبب تقصيري وعجزي عن أن أوفق بين كل الواجبات، أصبحت جد عصبية تجاه الجميع، فكيف الخروج من كآبتي والتوفيق بين كل ما ذكرت؟
لا تهملوا رسالتي، أرجوكم!
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم سارة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يجعل لك من لدنه وليّاً ونصيرا، وأن يعينك على أن تسددي وتقاربي بين الحقوق الواجبة عليك فيما يتعلق بحق الله تعالى وحق من سواه.
أحب أولاً أن ألفت نظرك إلى أننا لا نهمل أي رسالة مهما كانت، فأي رسالة تأتينا من أي إنسان حتى وإن كان صغيراً أو حتى إن كانت بأي لغة من اللغات، فإننا نجتهد في ترجمتها حتى نرد على جميع الرسائل التي تأتينا، فلا نهمل أي رسالة بفضل الله تعالى؛ لأن هذه رسالتنا، ونحن نشرف ونسعد بالرد على إخواننا وأخواتنا.
وبخصوص ما ورد برسالتك أقول لك: الذي يبدو لي أنك تعانين من مشكلة في ترتيب الأولويات، لأنك تقولين أنت تعيشين وأسرتك الصغيرة، والإشكال الذي أنت فيه أنك عجزت عن ترتيب الأولويات، مما جعلك تخلطين الأوراق وتظلم أمامك الرؤيا، ولكن في الواقع الأمر في غاية البساطة وييسره الله تعالى لعباده، وهذه ليست مشكلة عند السواد الأعظم من الناس، وسببها كما ذكرت عدم قدرتك على ترتيب الأولويات؛ لأن الله تبارك وتعالى جل جلاله صاحب العظمة والجلال أمرنا بترتيب الأولويات؛ لأن هذا مترتب على ترتيب الخدمات، فالله تبارك وتعالى هو صاحب الفضل الأعظم على عباده، إذن يبقى حق الله تعالى أولاً قبل جميع الحقوق، ومن هنا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق).
وأنا لا أتصور أن خمس صلوات في اليوم والليلة لا تزيد عن ساعة تسبب إشكالاً لك ولا لغيرك، لأنها ساعة من أربعٍ وعشرين ساعة، هذه الفروض المفروضة، إذا كنت ترين أن صلاة السنن تؤدي إلى تعطيل بعض الحقوق الأخرى اتركي السنن، لا حرج في ذلك، حتى وإن صليت السنن فإنها في الغالب لن تزيد أبداً بحال عن نصف ساعة، إذن سيكون حق الله تعالى في أعظم ركن من أركان الدين وهو الصلاة لا يتجاوز ساعتين مع ورد الصباح وورد المساء من الأذكار وقراءة القرآن.
ثم بعد ذلك يأتي حق الزوج، وأنا لا أرى أن حق الزوج مشكلة لهذا الحد أو حق الأولاد؛ لأن حق الزوج يكمن في ماذا؟ يكمن في النوم، وأنت تنامين في الوقت الذي ينام فيه زوجك، وتأكلين من الطعام الذي يأكل منه زوجك، وتغسلين ملابسه مع ملابسك، أين المشكلة إذن؟
مسألة الأبناء كل الناس لديهم أبناء ولا يجدون هذه المشكلة، إذن أنت ضخمت الأمر، والشيطان لعله قد ضحك عليك واستحوذ عليك وجعلك تظنين بأن الأمر عظيم، ولكن الأمر من فضل الله تعالى سهل ميسور، وإذا كان عندك أبناء صغار فهناك امرأة لديها عشرة، بل نعرف الكثير من الأخوات لديها اثنا عشر طفلاً ولم تعان هذه المعاناة؛ لأن الله تبارك وتعالى ماذا طلب؟ قال: ((فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ))[التغابن:16]، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) والله تبارك وتعالى يقول: ((لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا))[البقرة:286]، إذن أين المشكلة؟ المشكلة كما ذكرت أنك ضخمت الأمر، وأنه اختلطت عليك الأوراق، ولكن الأمر في غاية البساطة صدقيني.
ثانياً على ذلك: نحن أمامنا الدعاء، نتوجه إلى الله بالدعاء.
ثالثاً: أعلمك شيئاً أنك إذا آويت إلى فراشك سبحي الله ثلاثاً وثلاثين واحمدي الله ثلاثاً وثلاثين، وكبري الله أربعاً وثلاثين، هذه خير لك من خادم، والعلماء يقولون بأن الإنسان عندما يواظب على هذه السنة بهذا الترتيب يقوم من نومه صباحاً وفي قمة النشاط والقوة كأنه لم يبذل أي مجهود في اليوم الذي كان قبله.
رتبي الأمور ترتيباً صحيحاً، حق الله تبارك وتعالى كما ذكرت في وقته، إذا كانت هنالك نوافل تأخذ قدرا من الوقت من الممكن أن تتركيها حتى تتم معافاتك تماماً من قضية الاكتئاب، ثم بعد ذلك حق زوجك كما ذكرت زوجك لا يكلفك أكثر مما تقومين أنت به لنفسك، كما ذكرت فطعامه من طعامك، وشرابه من شرابك، وفراشه هو فراشك، وبيته هو بيتك، إذن أنت قطعاً لو أنك كنت وحدك ولم تتزوجي سوف تطبخين طعاماً، فقطعاً هذا الطعام يشاركك فيه زوجك، سوف تنامين، النوم نفس الشيء، إذن لا توجد هناك مشكلة، وأنها مشكلة في عقلك أنت أختي الكريمة، أنك متصورة أن الأمر عظيم، ولكن ليس حقيقة بهذه الصورة، الأمر في قمة السهولة واليسر.
فيما يتعلق بزوجك والأقرب فالأقرب، الحق المطلوب عليك هو حق الله تعالى، حق النبي عليه الصلاة والسلام، حق زوجك وأبنائك، ما سوى ذلك كلها سنن مستحبات، فإن فعلتها أخذت أجراً، وإن لم تفعليها فأنت غير مجبورة أن تقدمي خدمات لأي أحد ما دام الأمر سيؤدي بك إلى أن تصابي بحالة نفسية تؤدي إلى إزعاجك وعدم راحتك.
فإذن بارك الله فيك، المطلوب منك هذه الحقوق الثلاثة فقط، حق الله وحق نبيه وهذا في المقام الأول، حق زوجك يأتي في المقام الثاني بعد حق الله تعالى؛ لأن النبي عليه صلوات ربي وسلامه قال: (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرتُ المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها)، ثم بعد ذلك يأتي حق الأبناء؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (والمرأة راعية في بيت زوجها، وهي مسئولة عن رعيتها) ثم يأتي بعد ذلك حق الأقربين في صلة الأرحام، وما سوى ذلك أنت بالخيار، إن وجدت خدمتك للناس سوف تؤدي إلى إزعاجك نفسياً أو إجهادك بدنياً اعتذري لهم أيّاً كانوا؛ لأن هؤلاء ليست خدمتهم واجبة عليك كحق الله تعالى وحق زوجك وحق أبنائك وصلة أرحامك.
رتبي الأمور ترتيباً صحيحاً، واستعيني بالله تعالى كما ذكرت لك بهذه السنة المباركة عند النوم، وأكثري دائماً من طاعة الله سبحانه وتعالى، والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، وثقي وتأكدي من أن الله تبارك وتعالى سوف يجعل لك من لدنه وليّاً ونصيراً.
أسأل الله أن ييسر أمرك، وأن يشرح صدرك، وأن يُذهب عنك هذه النوبات، أكثري من الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، وأكثري من الاستغفار، وأبشري بفرج من الله قريب.
وبالله التوفيق.