كيفية تقليص المسافة بين الزوج وزوجته وأبنائه وإعادة اللحمة العائلية بينهم
2011-03-24 11:55:30 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
مشكلتي أنني أحس بوحدة قاتلة، لا سيما وأنا في بلاد أجنبية لا أعرف فيها أحداً سوى زوجي وأبنائي، ولا أجيد لغة قومها.
أما زوجي فهو يعمل طوال أيام الأسبوع -أي سبعة أيام- ويعود مرهقا من العمل، يتناول غذاءه ثم ينام، وفي آخر المساء إما أن يخرج لشراء بعض الحاجيات، وإما أن يقضي باقي وقته أمام الأخبار في التلفاز أو الإنترنت.
والله إني أحياناً أعرف بعض شؤونه من زوجات أصدقائه، وعندما أخبره بها يقول ليس لدي الوقت لإخبارك، أو هذا شيء تافه!
إن هذا الأمر يؤلمني كثيراً، أنام مع الأولاد حتى لا يزعجه صراخهم، ولكن هذا بطلبه طبعاً، وبسبب هذه الوحدة أحس أنني ضائعة، وإن حدثته في الموضوع إما أن يتجاهلني وإما أن يقول ها أنا بجانبكم، ماذا تريدون أكثر؟!
بت أكره الخروج معه لكثرة تذمره من ذلك، أقضي معظم وقتي أبكي وأنا أقوم بواجباتي المنزلية، أو نائمة بعد الانتهاء من أعمالي.
حاولت أن أعمل، ولكن لم أستطع، وأن أكمل الماجستير هنا لكنه لا يوافق، ويتحجج بحجج واهية، وعندما أخرج وأبنائي يتعلق ابني الأكبر وعمره سنتان بأي رجل، ويقول بابا بابا، فيحز هذا في قلبي كثيراً، أنا متعبة جداً، أخبروني بالله عليكم ماذا أفعل؟
جزاكم الله عنا كل خير.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سمر حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
إنه ليسرنا أن نرحب بك في استشارات موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يصلح لك زوجك وأن يصلح ما بينك وبينه، وأن يعينه على التخلص من تلك السلبية، وأن يشرح صدره للتواصل معك والتعامل معك بما يرضي الله جل جلاله، وبما يجعلك آمنة مستقرة سعيدةً مطمئنة لمستقبل أولادك.
بخصوص ما ورد برسالتك أختي الكريمة الفاضلة، فإن مما لا شك فيه أن هذا التصرف الذي يصدر من زوجك تصرف في غاية الإزعاج؛ لأن المرأة لم تتزوج لتكون مجردة إنسانة تأكل وتشرب وتنام وتنجب الأطفال، وإنما هناك جوانب مهمة جداً من الجوانب الإنسانية، فهذا الجانب أخطر من كل الجوانب المادية التي قد يظن البعض أنها هي المطلوبة فحسب، بل إن التواصل والمودة والرحمة، والحوار والنقاش، والكلام المنبسط بلا قيود غير شرعية مع الزوجة والأولاد يكون أحياناً أسعد لهم من أن يكونوا في قصور من الذهب الخالص أو في أبراج عالية ولا يتكلم معهم أحد!
مع الأسف الشديد لأن الإقامة في بلاد الغرب مكلفة للغاية، فهناك نظام العمل نظام قاسي لمن أراد أن يعمل من المسلمين، لأنهم لا يعترفون هناك بالأسرة، ولا يرغبون في الحفاظ عليها، بل على العكس تماماً، وكل ما وجد أدنى اختلاف ما بين الرجل والمرأة سارعت الدولة إلى إنهاء العلاقة الزوجية، لتتشرد الأسرة وليتحول الأطفال إلى لقطاء، يتربون عند غير آبائهم وأمهاتهم، وتتحول الأسرة إلى أشلاء، وتتلاشى القيم والمبادئ إلى غير ذلك.
هذا ليس بالطبع مقصودا به المسلمون فقط، وإنما هذا هو الوضع العام في بلادهم، والرجل يعمل هناك حتى الموت ولا يجد أمامه فرصة إلا يوم العطلة، وقد يقضيه في النوم، أو يقضيه أحياناً إذا كان على غير الإسلام في الخمارات والبارات والحانات، وينفق ما جمعه كله في أسبوع في خلال هذا اليوم، ثم بعد ذلك يعود مرةً أخرى ليبدأ في تجميع المال حتى ينتهي الأسبوع.
هذه حياة لا طعم لها ولا معنى ولا ذوق، حياة كئيبة كريهة، والناس هناك في قمة التعاسة والسوء؛ لأن هذه الحياة لا تحقق لهم ما أراد لهم الله تعالى من الأمن والاستقرار.
زوجك بما أنه عاش في هذا المجتمع وأصبح ضمن هذه المنظومة وهي منظومة صعبة وقاسية، إلا أنه مما لا شك فيه أن هناك آلاف الحلول، والمسألة ليست مستعصية ولا مستحيلة، ولكنها تحتاج إلى نوع من إقناع الزوج بأن هذا الذي يفعله هو ليس الصواب، وليس هو الحق، وأنه ينبغي عليه أن يعدل من سلوكه حتى يحافظ على أسرته.
إنك بالنسبة له لا يقل دورك شأناً عن دوره، وهو بمثابة المدير العام وأنت المدير التنفيذي، فإذا لم تكوني على تواصل معه فقطعاً سوف تدمرين كل شيء من تحتك وتصابين بنوع من التوتر والإحباط والاكتئاب، وقد تسعدين في الحياة الزوجية وقد تنفرين من الأبناء، وقد تصابين بأمراض نفسية مستعصية فيتحول كل شيء إلى ركام وحطام.
بذلك أقول بارك الله فيك: أرجو أن تعقدي جلسة بينك وبين زوجك بعيداً عن الأولاد إذا كانوا كباراً، وتقولين له يا عبد الله يا زوجي العزيز إننا ننتحر! إن هذا الذي تفعله يؤدي بي إلى الهاوية، وأنا حقيقة إنسانة هذا الأسلوب لا يناسبني، فأنا كما تعلم وحيدة لا أعرف إلا أنت، وأولادك، ولا أجيد لغة القوم، وليس بيني وبين الناس تواصل مطلوب، وأنا أكاد أن أجن من طول الوقت الموجود عندي، وعدم الاستغلال للفراغ الموجود، ولذلك لابد لك أن تعوضني عن هذا العمل.
أنت الآن لا تريدنا أن نخرج، وإن خرجنا فإننا نعاني لأننا لا نعرف اللغة، وأبناؤك كل ما مر بهم رجل يتعلقون به ينادونه، فيقتلونني عند سماعهم! وإذا خرجت معنا فإنك تكون متذمرا وغير راض، فهذا الوضع لا يصلح، ولا ينفع، ويؤلمني جداً، وأنا أكاد أن أصاب بأمراض نفسية قاتلة نتيجة هذا التصرف، فأسأل بالله تعالى أن تبحث عن حل لهذا العمل، وإذا كان الوضع بهذه الصورة فلماذا لا نبحث عن عمل ساعات العمل فيه أقل من هذه الساعات القاتلة؛ حتى ترجع إلى البيت وأنت لديك استعداد لأن نتفاهم وأن نتحاور أو تناقش أهلك؛ لأننا في حاجة إليك، وليس لي من رجل سواك، أتريدنا أن نتكلم مع غيرك، وأنت تعلم أن هذا حرام، ولن أفعله -بإذن الله تعالى.
لكن هذا من حقي أن تتكلم معي وأنا حبيسة الجدران طول الليل والنهار، ثم تأتي بعد ذلك أنت لتنام أو تذهب إلى قضاء الحاجات، وكلما تكلمت تقول أنت معنا ولكن بجسدك ولكن لست معنا بقلبك وروحك، فلابد من وضع حل لهذه المسألة، فأرجو أن تبحث عن عمل، ويكون الوقت فيه أقل حتى ولو براتب أقل،
حتى ترجع إلى بيتك وأنت مستريح نفسياً ونستطيع أن نتكلم معاً وأن نتسامر معنا وأن تعود البسمة والحياة إلى بيوتنا وإلى قلوبنا لأني أشعر أننا أصبحنا عبارة عن آلات حديدية نعمل من أجل الطعام والشراب والنوم فقط، وأيام العطلات هذه أيضاً من حقنا لأن نخرج وتخرج معنا، وأقدر ظرفك وتعبك من العمل، لكن أنا أيضاً أصبحت غير قادرة على التحمل والحياة بهذه الطريقة.
زوجي العزيز: نريدك أن تتغير بدلاً من أن تقول أنا ما عندي شيء أغيره! أنا أتمنى ولكن أنت بيدك التغيير؛ لأنك أنت صاحب القرار، وأنت ولي الأمر، وأنت ولي الأسرة وأنت الذي تعمل.
هذا تصوري أختي الكريمة، فأرجو أن تتكلمي وأن تكرري هذا الكلام، وأعتقد أنك في حاجة إلى أن توصلي صوتك بقوة؛ لأن الله قال: ((إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ))[الرعد:11].
لن يتغير هذا الواقع إلا إذا تغيرت أفكار زوجك أختي الكريمة الفاضلة، وإذا تغيرت طريقة عمله، وإلا فهو بهذا التصرف سيؤدي بك إلى فقدان السيطرة على نفسك، وبالتالي ضياع الأسرة، ونحن الآن نريد أن نحافظ على هذه الأسرة، والتي أكرمنا الله بها ونعيش سعداء.
الله خلق الأعمال من أجل السعادة، ونحن جئنا إلى هذه البلاد وتركنا بلادنا الأصلية حتى نعيش سعداء ومستريحين، والآن نحن في قمة الشقاء، فحاولي معه بارك الله فـيك، ولا مانع أن تستعيني بأحدٍ من أقاربكم أو العقلاء إذا كان من الممكن التكلم معه، وعودي إلى الله بالدعاء أن يشرح الله صدره لكلامك، واجتهدي، واعلمي أن الله معك ولن يتخلى عنك.
وبالله التوفيق والسداد.