أشعر بنفور شديد من والدتي...فكيف أتخلص منه لأني أخاف العقوق؟

2011-09-18 09:57:14 | إسلام ويب

السؤال:
لدي مشكلة تؤرقني؛ لأنها تتعلق بأعز إنسانة على قلبي، وهي والدتي، كنت في السابق أشعر بنفور شديد منها دون سبب، فدعوت الله كثيراً بأن يزيل ما بي ويقربها مني - والحمد لله - تحسنت، ولكن ما أعاني منه الآن هو: أن والدتي تعاني من فرقعة المفاصل، وعندما تمشي يصدر صوت عالٍ جدا, وبدأ يضايقني فلا أعلم لماذا؟

حاولت أن أتجاهل, ولا أعيره اهتمامي، ولكني لم أستطع ودعوت الله كثيرا، وحاولت التقرب منها، ولكن دون جدوى، فعندما أسمع الصوت أشعر بنفور شديد جدا؛ لدرجة أني أخرج خارج المكان الذي تكون فيه، وفي مرة من المرات لم أستطع التحمل فصارحتها, وطلبت منها أن تذهب للدكتور لكي تشفى من هذه الأصوات الصادرة من المفاصل لأنها تزعجني جدا، ولا أستطيع التحمل.

فغضبت مني, وأخبرتني بأنها امرأة كبيرة, وهذا شيء عادي لا يدعو للغضب، واتهمتني بخلل في عقلي وبالعقوق، وجلست تبكي فحزنت عليها, ولمت نفسي كثيرا, واعتذرت منها، وحبست نفسي بغرفة بالأسفل بعيدا عنها، لأني والله العظيم لا أستطيع تحمل هذه الأصوات، فما الحل؟ فأنا أحب أمي جدا, ولكن بوجود هذه المشكلة لا أستطيع التحمل، وإذا طلبت أن تعالج هذه المشكلة غضبت مني, وشعرت بجرحي لها، وإذا بعدت عنها بانعزالي لوحدي أحس بأني عققتها.

فما الحل؟ والله إن نفسيتي تعبت من هذا الموضوع.

أفيدوني, وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سلمى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد

إن هناك حقيقة أبدية وأزلية وهي: أنه يجب أن نقبل والدينا كما هم لا كما نريد، نقبلهم كما هم, ونبرهم ونحبهم, ونتجنب تمامًا كل ما يمكن أن يسيء إليهم, أو يعكر أمزجتهم، هذه حقيقة لابد أن تكون راسخة وموجودة.

العلة التي تعاني منها والدتك قد تكون أمرًا طبيعيًا كما ذكرت لك، وإن شاء الله تعالى سوف يقوم الأخ الدكتور محمد حمودة استشاري أمراض الباطنية والمفاصل، بشرح الحقيقة العلمية حول هذا الأمر حتى تكوني على بصيرة، وإن شاء الله تعالى تجدين نفسك أكثر استعدادًا لقبول ما تعاني منه والدتك.

فإذاً المبدأ الأساسي هو: يجب أن نقبل والدينا كما هم، هذا أمر يجب أن يرسخ في كيانك وفي وجدانك وفي عقلك المعرفي.

أمر آخر: أعتقد أن هنالك نوعا من الحساسية من جانبك، هذا الأمر يُقبل حتى من الغرباء، ناهيك أن مصدره هو الوالدة، فيجب أن تحدّي من هذا التضخيم والتجسيم لهذه المشكلة، أعتقد أنك حساسة جدًّا حول أمر لا يستحق أبدًا أن يكون سببًا لمشكلة بينك وبين والدتك، لابد أن تجلسي مع نفسك، ولابد أن تحاسبي نفسك، ولابد أن تعيدي ترتيب أفكارك ومفاهيمك ومشاعرك حول هذا الأمر، هذا هو الذي سوف يساعدك كثيرًا.

أمر آخر ضروري جدًّا، وهو: أن لا تتركي هذا الموضوع يكون جوهر مركز العلاقة بينك وبين والدتك، العلاقة أكبر من ذلك كثيرًا، الذي لاحظته أن هذا الأمر البسيط قد عكر مزاجك, وفي نفس الوقت أخذ حيزًا فكريًا ومعرفيًا كبيرًا منك، مما يكون قد عطل عندك مشاعر إيجابية نحو والدتك.

الحياة أكبر من ذلك، وأوسع من ذلك، وعلاقتك بوالدتك أكبر وأكبر, وأهم من كل الذي يجري من فرقعة للمفاصل, أو الأصابع, أو شيء من هذا، انطلقي بفكر جديد تستوعبين من خلاله والدتك، وهي أيضًا تستوعبك في نفس الوقت.

أعتقد أن إجابتها لك كانت بليغة جدًّا، كانت طيبة، كانت إجابة بسيطة, يجب أن تكون مقبولة لديك، كوني قريبة من والدتك، خذي بنصيحتها، خذي بحكمتها، واسعي دائمًا أن تكوني بارة بها.

أمر آخر: بالنسبة لك يجب أن تحسني إدارة وقتك، لا تتركي مجالاً للفراغ الذي يؤدي إلى القلق والوسوسة, والاهتمام بصغائر الأمور، كوني فاعلة في البيت، في عملك، طوري نفسك مهنيًا، تواصلي مع صديقاتك، كوني بارة بأرحامك، التحقي بمرافق ومراكز تحفيظ القرآن وتلاوته، احضري الدروس، انخرطي في العمل الخيري والاجتماعي والثقافي.

هذا يقوم ببناء سمات وصفات جديدة في نفسك مما يطور من مهاراتك, ويشغل هذا التطوير كل الحاجز الفكري مما يجعلك لا تهتمين بهذه الأمور الصغيرة.

نصيحة أخرى وهي: حين تتوطد علاقتك بوالدتك أقنعيها بالذهاب إلى الطبيب، وذلك ليس من خلال الكلام حول هذه الفرقعة في المفاصل، بل أنها في هذا العمر يجب أن تقوم بالفحص الدوري لدى الطبيب الباطني، أو طبيب الأسرة، فيمكن إقناعها من خلال هذا المدخل بأن تذهب وتقوم بإجراء فحوصات عامة للتأكد من الضغط، من السكر، نسبة الدم، وظائف الكبد، وظائف الكلى، وجود الروماتيزم من عدمه، التأكد من أنها لا تعاني من هشاشة في العظام، هذا مدخل جيد، قولي لها (يا والدتي، أنت من حقك في هذا العمر أن تقومي بإجراء فحوصات دورية, وتقابلي الطبيب لأننا نريدك دائمًا أن تكوني في صحة جيدة).

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وأسأل الله تعالى التوفيق والسداد، وأن يصلح ما بينك وبين أمك، وأرجو أن تتغاضي وتتجاهلي وتحقري هذه الفكرة التي أساءت إلى العلاقة بينك وبين والدتك.

نشكر لك تواصلك مع إسلام ويب، ومن الله التوفيق والسداد.
______________________________________
انتهت إجابة الدكتور/ محمد عبد العليم استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان،
وتليها إجابة الدكتور/ محمد حمودة استشاري الأمراض الباطنية والعظام والقلب:
______________________________________

فأنا أريد أن تضعي نفسك مكانها, وأنك أنت من تصدرين هذه الأصوات، فهل ستفعل أمك هذا الذي تفعلينه بها ولا يرضاه الله تعالى؟ هل نسيت كم قاست أمك معك وأنت طفلة صغيرة تحتاجين إلى الغذاء, وإلى السهر, وإلى أمور كثيرة أخرى؟ كانت تحزن إن مرضت, وتفرح إن شفيت.

تذكري أن كل ما تفعلينه مع والدتك سيرد إليك في الدنيا قبل الآخرة, وستجدين ابنتك تفعل معك نفس الشيء, فما تعاني منه والدتك من هذه الفرقعة ستعانين أنت منها عند الكبر, وأنا لا أخيفك, وإنما هذه الأمور لها دور وراثي كبير, وهي ناجمة عن الاحتكاك بين المفاصل بسبب السن, وهذا ما قالته لك, وحاولت أمك أن تفهمك بأنه شيء عادي, وكلامها صحيح, وهذه الفرقعة في المفاصل بسبب خشونة المفاصل, والعلاج يتركز على تسكين الألم, والشيء الوحيد الذي يذهب هذه الفرقعة هو تبديل المفصل بمفصل اصطناعي, وقد لا تحتاجه الوالدة لأن هذا يعتمد على مدى الألم الذي تعاني منه, وعلى مدى تأثر حركتها, وليس على مدى ما تصدره من أصوات.

أنت تبالغين بهذا الموضوع, وأنت تعاتبينها على شيء ليس لها فيه إرادة, وهذا ما كتبه الله عليها, وكأنك تعترضين على شيء كتبه الله عليها, والعلاج الطبي لن يذهب الصوت, وإنما يخفف الألم كما ذكرت.

أنا أرى أن تراجعي نفسك وتتذكري أن ما تفعليه بوالدتك سيرده إليك أولادك, وما تعاني منه والدتك هناك احتمال كبير أنك ستعانين منه عندما تصلين إلى سن والدتك, فلذا أعيني والدتك على مرضها حتى تجدي من يعينك على أي مرض يكتبه الله عليك في كبرك.

نسأل الله لنا ولك الهداية.

www.islamweb.net