هل اختيار التخصص المحتاج إليه في سوق العمل ينافي التوكل؟
2011-12-05 13:22:47 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
أما بعد:
هل يجب أن يأخذ الطالب في عين الاعتبار سوق العمل والراتب عند اختيار تخصصه الجامعي -كنوع من اتخاذ الأسباب-, أم يختار التخصص الأحب لقلبه, والذي يبرع فيه بغض النظر عن سوق العمل والراتب؟ لأن العمل والرزق هو في علم الغيب.
اتخاذ الأسباب هو: المجهود, والإخلاص في العمل, لا طبيعة العمل, طالما كان مشروعاً على الإنسان التوكل والجهد, وعلى الله الرزق والتدبير.
جزاكم الله عنا كل خير.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ماهر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فأهلا بك -أخي الفاضل- في موقعك إسلام ويب, ونحن سعداء بتواصلك معنا, ونسأل الله أن يبارك فيك, وأن يحفظك.
وبخصوص ما سألت عنه: فاعلم -أيها الفاضل- أن الله خلق الدنيا بنظام السبب والمسبب، وأوجب على الناس العمل في هذه الدنيا ضمن هذا النظام، فمن ألغى الأسباب فقد تعدى على شرع الله وقدره, ومن أرجع كل أموره إلى الأسباب فقد جنى علي عقيدته ودينه, ولذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: إن بعض السلف كان يقول: (التفات القلب إلى الأسباب قدح في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسبابًا قدح في العقل، والإعراض عن الأسباب قدح في الشرع).
ومعنى ذلك -أخي الحبيب- أن تأخذ بكل الأسباب المفضية إلى الخير, ولا تترك شيئا منها, مع الاعتقاد الجازم أن الأمور بيد الله, يصرفها كيف شاء، وأنت بذلك تنفذ أمر الله عز وجل، ولو اطلعت -أيها الحبيب- على سيرة الأنبياء والمرسلين, وجدت هذا الأمر بينا وضحا، فنوح عليه السلام أمره الله عز وجل بصنع السفينة لقومه من الصالحين, وأن تكون ضخمة ليحمل فيها من كل زوجين اثنين, ومن آمن من البشر، وفعل نوح ما أمره ربه مستعينا به, متوكلا عليه, آخذا بالأسباب فنجاه الله، ولو شاء الله أن ينجيه لنجاه بلا سبب, ولا سفينة, ولكنه أمره بالفعل ، وموسى عليه السلام أمر بأن يضرب البحر بعصاه، وهو سبب، ومريم عليها السلام أمرت وهي في أشد مراحل الضعف - في المخاض- أن تهز النخلة التي لو اجتمع عشرة رجال لهذا الفعل ما قدروا، وفعلت آخذة بالأسباب, فكان ما وعدها الله به: رطبًا جنيًا.
ألم تر أن الله أوحى لمريم *** وهزي إليك الجذع تسَّاقط الرطب
ولو شاء أن تجنيه من غير هزها *** جنته ولكن كل شيء له سبب
وعليه فلا مانع أبدا من النظر إلى احتياج السوق من العمل, ودراسة ما يؤهلك إلى ذلك مما تحسنه, وتستطيع أن تسير فيه سيرا طبيعيا, ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد, وفي انتظار المزيد من رسائلك واستفساراتك, والله ولي التوفيق.