ضيق الصدر وعدم الاستمتاع بالحياة... هل أعاني من الاكتئاب؟
2011-12-08 11:23:07 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله
أولاٍ: أشكر القائمين على هذا الموقع المبارك، وأسأل الله أن يجزل لهم المثوبة والأجر.
ثانياً: أتوجه بسؤالي هذا إلى المختص بالعلاج النفسي الدكتور محمد عبد العليم الذي لا أستطيع أن أثني عليه أو أدعو له بأكثر من ( جزاه الله خيراً ).
دكتور: أبعث لك رسالتي هذه وأرجو من الله أن أجد لديكم العلاج الناجع لحالتي:
عمري/ 27 سنة، الجنس/ ذكر، محافظ -ولله الحمد والمنة- على صلاتي وواجباتي الدينية ما استطعت.
عشت طفولتي مع والديّ وإخوتي ال11 بشكل طبيعي، والدي -حفظه الله- شديد من ناحية الخروج من البيت وإقامة العلاقات، فنشأت ( بيتوتيا ) نوعا ما، لم أكوّن صداقات كثيرة، وكنت مرتاحاً لذلك.
العام الماضي وتحديدا في شهر 7 بعد التحاقي بإحدى الوظائف، اضطررت للخروج من بلدتي التي عشت فيها والانتقال إلى بلد آخر لانتقال عملي إلى هناك فترة أربعة أشهر من كل سنة، انتقلت إلى هناك وسكنت مع مجموعة شباب طيبين، مضت 3 أشهر ثم عدت لأقضي إجازة العيد مع الأهل، بعد العيد كان عليّ الرجوع وإكمال باقي المدة، حينها بدأت معي حالة من الضيق الشديد في الصدر، وعدم الرغبة في عمل أي شيء، وفقدان الاستمتاع بما كنت أستمتع به، سكنت وحدي طيلة 3 أسابيع، وبي من الضيق ما لا يعلمه إلا الله.
بعدها انتهت المدة وعدت لأهلي واستمرت الحالة معي تشتد علي 3 أيام تقريبا ثم تزول لمدة أسبوع، أحيانا تزيد وتنقص.
ذهبت للطبيب النفسي وشخّص حالتي باكتئاب، ووصف لي سيبرالكس، أخذت الدواء لمدة ستة أشهر، أول خمسة أيام 50 ملج، ثم 10 ملج لمدة شهر، راجعت الطبيب مبينا أن حالتي لم تتغير وزاد الجرعة إلى 20 استمريت على العلاج وأحسست أن حالتي لم تتحسن كثيراً، نعم أصبحت الضيقة أخف نوعا ما، لكنها مستمرة لا تنقطع، كما كانت سابقاً.
الأن لي قرابة شهرين قطعت العلاج، وحالتي كما هي، مراجعة الطبيب لم تجد نفعا، خاصة مع غلاء الأسعار.
الأعراض التي تأتيني غالباً:
حرارة شديدة في مقدمة الرأس، عندها أعلم أن الحالة وصلت مداها في الشدة، وأنها ستخف بعد ذلك، وأحيانا يصاحب ذلك ألم في الأذن.
أرجو من سعادتكم التكرم بالنظر في حالتي التي أتعبتني جداً، خاصة في القيام من النوم، وبالأخص لصلاة الفجر؛ حيث أني متخلف عنها من بداية الحالة ولم أستطع أبداً التغلب على ذلك، أيضا برُّ والديّ ضعف، وأصبحت لا أطيق سماع الأوامر والتوجيهات.
شكر الله لكم.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبدالله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فنشكرك على رسالتك المفصلة، وأؤكد لك أنني قد اطلعتُ عليها بكل دقة، وهي واضحة بذاتها.
فإن الإنسان حين ينتقل جغرافيًا أو ذهنيًا من مكان إلى آخر أو من فكرة إلى أخرى أو تحدث أي متغيرات في نمط حياته، ربما يؤدي ذلك إلى ما نسميه بعدم القدرة على التواؤم، وهنالك بعض الناس لديهم استعداد يسميه البعض هشاشة نفسية لكني حقيقة لا أفضل هذه التسمية كثيرًا.
هذا الاستعداد قد يجعل الإنسان عرضة لنوبات قلقية واكتئابية ظرفية، ومن الملاحظ -وهذا شيء غريب بعض الشيء- أن التغيرات الحياتية حتى وإن كانت إيجابية تجد أن بعض الناس يكون المردود النفسي عليهم سلبيا جدًّا، فقد شاهدنا بعض الناس يصابون بحالات اكتئاب بعد الأفراح، كالزواج مثلاً، بالرغم من أن الزواج جيد جدًّا.
في أوروبا هنالك ظاهرة الاكتئاب المعروفة جدًّا بعد احتفالات السنة الجديدة - وهم يهتمون كثيرًا بهذه الأمور - .
فيا أخي: متغيرات الحياة عامة ربما تؤدي إلى شيء من عدم التكيف أو عدم التوافق والتواؤم، وهذا قد ينتج عنه إفرازات نفسية سلبية.
هذه الحالات لا نعتبرها حالات جوهرية من حيث التشخيص، ما ذكره لك الطبيب أنك قد أصبت باكتئاب أنا أعتبره اكتئابا ظرفيا عابرا، ويظهر أن التفكير السلبي لديك هو الذي دفعك أيضًا لهذا القطب الاكتئابي البسيط إن شاء الله تعالى.
فيا أخي الكريم: أنت مطالب بأن تتفكر وتتأمل في حياتك، وتعيد النظر في تقييم ذاتك، فأنت رجل صاحب مقدرات، ولك -والحمد لله- مآثر وسمات طيبة جدًّا، عندك العمل، لديك الأصدقاء، فلا تجعل الفكر السلبي يطبق عليك.
الاكتئاب يُهزم تمامًا إذا حاول الإنسان أن يكسر طوق الفكر السلبي، الاكتئاب لا ينمو إلا من خلال الفكر المعرفي السلبي؛ فلذا التغيير الإيجابي مطلوب، وليكن شعارك: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}، ولتكن قاعدتك (استعن بالله ولا تعجز).
فالأمر يتطلب دفعات نفسية إيجابية داخلية حتى تستحوذ على فكرك إرادة التحسن، وإرادة التحسن حين تأتي تتغير الأمور تمامًا.
بالنسبة لموضوع الصلاة وتخلفك عنها وموضوع بر الوالدين: أنا أقول لك في هذا السياق: يجب أن تكون حريصًا وتغلق كل أبواب الشيطان، لا تعطه مساحة أبدًا، ضيِّق عليه، وهذا الأمر هو تحت إرادتك تمامًا، والإنسان يكون أكثر حاجة للصلاة عند الضيق، هي مريحة، ترتقي بالإنسان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أرحنا بها يا بلال)، فخذها عبادة وعلاجًا، واعرف أن بر الوالدين أيضًا هي من طرق جلب السعادة في الدنيا والآخرة.
هذا أمر لا يتحمل أي نوع من المساومة، فأنت مستبصر، وهذا لا يعالج بالدواء أبدًا، هذا يعالج بالتفكر والتأمل واستشعار أهمية الأمر، وأن يكون حقيقة على رأس الأسبقيات، الحياة فيها قيم لا يمكن أبدًا أن نساوم فيها، من الصلاة وبر الوالدين، وأنا أعرف أنك مدرك لذلك، ولكني أحببتُ أن أذكرك وأن أذكر نفسي.
اجعل الصلاة محورًا ومركزًا ونقطة بداية لإدارة وقتك، أوقات الصلاة يمكن أن تكون مرتكزات وأعمدة أساسية لأن يدير الإنسان وقته بصورة صحيحة: (ماذا سوف أفعل بعد الفجر؟ ماذا سوف أفعل قبل العشاء؟ ماذا سوف أقوم بتنفيذه بعد العصر؟ وماذا سوف أقوم به بعد الظهر؟) وهكذا، ويعرف أن من يدير وقته بصورة جيدة وفاعلة وممتازة ينجح في حياته، يتخلص من الاكتئاب، يتخلص من الشعور السلبي، يذهب عنه الكدر، فاجتهد في هذا السياق.
بالنسبة للعلاج الدوائي: أنا أرى أنك في حاجة إليه، وأعتقد أن عقار دوجماتيل- والذي يعرف علميًا باسم سلبرايد- كعلاج بسيط سوف يكون جيدًا ومفيدًا لك، تناوله بجرعة خمسين مليجرامًا صباحًا ومساءً لمدة ثلاثة أشهر، ثم خمسين مليجرامًا ليلاً لمدة شهر، ثم توقف عن تناوله.
والعلاج الثاني هو عقار زولفت - والذي يعرف علميًا باسم سيرترالين - ابدأ في تناوله بجرعة نصف حبة (خمسة وعشرين مليجرامًا) تناولها ليلاً لمدة عشرة أيام، بعد ذلك اجعلها حبة كاملة (خمسين مليجرامًا) لمدة ستة أشهر، ثم خففها إلى نصف حبة لمدة شهر، ثم توقف عن تناول الدواء.
نصيحتي لك أيضًا أن تكون حريصًا على ممارسة الرياضة، فهي تحسن من الدافعية الإيجابية.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.