بعد قراءتي رسالة عن عذاب القبر أصبت بالوسواس القهري
2012-01-24 10:57:18 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم,,,
أتمنى أن أوفق في طرح مشكلتي وتلخيصها، وأرجو من الله أن يكتب لي الشفاء, وأتخلص منها فحياتي أصبحت بمثابة الكابوس.
قبل خمس سنوات تقريبًا, كنت أشعر بالسعادة والراحة والثقة, وكنت مرتاحة في أمور ديني بلا تشدد، صحيح أني كنت أوسوس لحظات, لكن ذلك لم يكن يحزنني أبدًا, ولا أنكر بأنه لم يكن يزعجني ويضايقني، لكن الابتسامة كانت دائمًا على وجهي, وكنت في الإعدادية وقتها, وعندما انتقلت إلى الثانوية أصبحت انطوائية قليلًا وهادئة, ذات يوم قرأت رسالة في الجوال عن أهوال يوم القيامة, وكانت مخيفة جداً, وأثرت فيّ لدرجة أني تشددت في ديني, ثم تلا ذلك وسواس الطهارة والصلاة, ثم تلا ذلك اكتئاب شديد قلب حياتي رأسا على عقب, لا أستطيع وصف حياتي تلك الفترة إلا بأنها كانت كالجحيم, وعندما وصل مرضي أقصاه شكوت حالي لأحد إخوتي, وقد كان صديقه طبيبا نفسيا, فكلم صديقه عني ونصحني بأخذ عقاقير (سبرام), و( لسترال) -والحمد لله- تحسنت كثيرا, وعادت إليّ بهجتي, تركت العلاج, وبعد عدة أشهر من تركه -بعد أن أنهيت امتحانات تلك السنة- عاد الوسواس والاكتئاب, وهذه المرة بشده, لم يكن بالتدريج كالمرة الأولى, وانهرت واستنجدت بالله ثم بأخي, فنصحني بعقار (سيروكسات) لكني أخذته لمدة أسبوع, ولم أحتمل, أردت رؤية طبيب نفسي لإنهاء هذه المعاناة, وفعلا زرت طبيبا نفسيا لكن لم أتحسن كثيرا، والحمد لله على كل حال, وقد شخّص حالتي بأنها اكتئاب ووسواس, ووصف لي عقار ( فافرين) و(ريسبريدول) كما أخذت 8 جلسات لتقوية الثقة بالنفس, مع أخصائية بنفس المشفى, ولم أستفد منها سوى جلسات الاسترخاء فقط, ولم أشعر بأن ثقتي بنفسي تحسنت أبدا, تركت العلاج في ذلك المستشفى لأني لم أر التحسن والعناية المرغوب فيهما –والحمد لله على كل حال- فذلك الطبيب وتلك الأخصائية (فاشلان), مرت الأيام وحالي يتقلب بين الإفراط والتفريط, فإما أن أكون مهملة بنفسي وديني, وإما أن أهتم ويرافق ذلك الاهتمام التشدد والأفكار الوسواسية بمختلف أنواعها, وأنا الآن في الجامعة وأعاني كثيرا, واسأل نفسي هل سأبقى هكذا وأجمل سنوات عمري تمضي أمامي؟ حاولت التغير بلا جدوى، فالوسواس والتشدد والاكتئاب -بالإضافة لشخصيتي الحساسة- وانعدام ثقتي بنفسي يعذبني، يدمرني, ولا أستطيع فعل شيء, كم أتمنى زيارة طبيب نفسي موثوق, لا مانع لدي, لكن ظروفي تحول دون ذلك, ليس لدي إلا الله ثم مواقع الاستشارات النفسية, آملةً أن أجد حلا لعذابي.
آسفة جدًّا على الإطالة, وأرجو منكم التكرم بالرد عليّ, وشكرا.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ منال حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأؤكد لك أن رسالتك قد وجدت الاهتمام التام من الإخوة في إسلام ويب، وقد قمتُ بالاطلاع عليها, وتدارسها بكل دقة، والذي خلصتُ إليه أنك بالفعل تعانين من وساوس قهرية، ويظهر أن شخصيتك شخصية حساسة وطيبة, وذات مستوى عالٍ فيما يخص تقدير الفضائل، وهذا جعلك تعيشين في دوامة الوساوس القهرية؛ فهي أفكار تستحوذ على الإنسان, وتكون ملحة، ويسعى الإنسان للتخلص منها، لكن يجد صعوبة كبيرة في ذلك، ومعظم حالات الوساوس تكون مصحوبة باكتئاب، لكن هذا الاكتئاب نعتبره اكتئابًا ثانويًا وليس اكتئابًا أساسيًا.
أنا أريدك أن تعرفي أن حالتك هي وساوس قهرية, وليس أكثر من ذلك، وكل الباقي هي إضافات: عسر المزاج، الاكتئاب، عدم الارتياح، ما أسميته بفقدان الثقة بالنفس، الحيرة، الشعور بأنك مدمّرة... هذا كله وَليد للوسواس؛ لأن الوسواس بالفعل مُحير, وهو خبرة مزعجة، وهذا لا يعني أن لا يعالج، لا، بل بفضل من الله تعالى, وبعد ظهور الأدوية الجديدة أصبح هناك مجال كبير جدًّا لعلاج الوساوس القهرية.
لكن –وهذه مهمة– الأدوية ليجنيَ الإنسان فائدتها التامة لابد أن يصبر عليها؛ فالجرعة المطلوبة في الوساوس القهرية هي جرعة خاصة جدًّا، ليست بجرعة صغيرة, وليست بجرعة قصوى، ومدة العلاج غالبًا تكون طويلة بعض الشيء، وفعالية الدواء الحقيقية لا تظهر قبل شهرين من بداية العلاج.
والإنسان حين يحس بالتحسن وهو على الدواء لابد أن يدعم ذلك بالتطبيقات السلوكية، ومنها: تمارين الاسترخاء، صد الفكر الوسواسي, ورفضه, وتحقيره، إدارة الوقت بصورة جيدة للاستفادة منه.
من الضروري جدًّا أن لا تنقادي بمشاعرك، إنما تنقادين بأفعالك, كل الذين يشتكون مما يسمى بفقدان الثقة في الذات يحكمون على أنفسهم من خلال مشاعرهم السلبية، لكن الإنسان إذا ألزم نفسه بتطبيق برامج يومية يُطبق فيها أنشطة, ويقوم بواجبات حياتية، هنا سوف يحس بالرضا في نهاية اليوم, وسوف تتبدل المشاعر.
معظم السلوك الإنساني هو فكر ومشاعر، ولذا نحن نقول في بعض الأحيان يجب أن نبدأ بالسلوك نفسه, ونترك المشاعر جنبًا ما دامت سلبية، وحين يسلك الإنسان السلوك الصحيح، بمعنى أن يستفيد من وقته, ويوزعه توزيعًا صحيحًا, ويجتهد في دراسته – أو في عمله – ويتواصل اجتماعيًا، يشارك أسرته في كل أنشطتها، بر الوالدين، ممارسة الرياضة، الانخراط في أي أنشطة ثقافية واجتماعية ... إلخ، هذا يكون مآله -إن شاء الله تعالى- الشعور بالكينونة, والشعور بالقيمة الذاتية، والقيمة الذاتية حين يحس بها الإنسان فهذا يرفع من معدل ثقته بنفسه.
بالنسبة للعلاج الدوائي: الأدوية متقاربة ومتشابهة جدًّا, ودراسات كثيرة أشارت أن السبرام دواء متميز، ودراسات أخرى تقول: إن الفافرين ربما يكون هو الأفضل، لكن يعرف عن الأدوية أن فعاليتها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالمكونات الجينية للإنسان – أي المكونات الوراثية – لأن هذه الأدوية تحدث لها ما يُعرف بالتمثيل الأيضي والاستقلاب، وهي عمليات فسيولوجية, وكيميائية معقدة جدًّا، هذه هي نفسها تعتمد على شفرات جينية، كل إنسان له مركباته الخاصة به، ولذا يُعتقد الآن أن العلماء إذا استطاعوا التوصل للخارطة الجينية لكل إنسان يمكن على ضوء ذلك أن نُحدد له الدواء الذي يناسبه.
لا أريد أن أطيل عليك, وأسحبك بهذه التفاصيل العلمية، كل الذي أريد أن أصل إليه هو أن الأدوية مفيدة، وأنا أقترح أن تتناولي العقار الذي يعرف تجاريًا باسم (بروزاك), واسمه العلمي هو (فلوكستين)، هذا دواء فاعل جدًّا وممتاز، لكن يتطلب الصبر عليه.
ابدئي بتناوله بكبسولة واحدة في اليوم بعد الأكل، استمري عليها لمدة شهر، بعد ذلك اجعلي الجرعة كبسولتين في اليوم، وهذه مدة أساسية, وجرعة ضرورية، والمدة أقصد بها أن تكوني على الدواء لمدة ستة أشهر كاملة, بعد ذلك خفضي الجرعة إلى كبسولة واحدة في اليوم لمدة ستة أشهر، ثم كبسولة يومًا بعد يوم لمدة شهر، ثم توقفي عن تناول الدواء.
هنالك دواء بسيط مساند أريدك أن تتناوليه لمدة ثلاثة أشهر، هذا الدواء يعرف تجاريًا باسم (فلوناكسول), واسمه العلمي هو (فلوبنتكسول), تناوليه بجرعة نصف مليجرام – أي حبة واحدة – صباحًا ومساءً لمدة شهرين، ثم اجعليها حبة واحدة في الصباح لمدة شهر، ثم توقفي عن تناوله.
هذه أدوية سليمة فاعلة، ممتازة، وليست إدمانية, وليست تعودية، ولا تؤثر على الهرمونات النسائية.
بارك الله فيك, وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لك التوفيق والسداد.