كيف ينصح الأولاد والدهم إذا كان مرتكبا لبعض الأخطاء؟
2012-03-14 07:15:26 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل يمكن نصح الأب من ابنه؟ وإن كان النصح يلزمه بعض التأنيب واللوم؛ حيث إن هذا الأب وبسبب معاملته السيئة التي ما زال عليها كان سبباً في مرض زوجته، نتيجة حزنها الشديد من معاملته السيئة لها، حتى لا يظل على هذا الأسلوب البعيد عن الدين، ويحسن الله خاتمته.
كما أنه أيضاً لا يقبل النصح من أي أحد، ولا بد من نصحه حتى لا يكون سبباً في تدهور حالتها، وهى غير قادرة على البوح بما تشعر تجاهه لسوء حالتها الصحية، كما أنه دائماً ما يهرب من الشعور بالذنب ولا يتعظ.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن ولاه، وبعد:
إننا نرحب -بابننا الكريم-، ونشكر له التواصل مع موقعه، ونثني على حرصه على إسداء النصح لوالده، فالدين النصيحة، والمسلمون نصحة والمنافقون غششة، والإنسان عليه أن ينصح لإخوانه وينصح لآبائه وينصح للوالده، وينصح للكبير وينصح للصغير، شريطة أن يراعي منهج النصيحة وأسلوب النصيحة مع كل من يريد أن يقدم له النصيحة.
إننا إذا قدمنا النصيحة، وهي من الواجبات في هذا الدين بل هي جماع الدين لأنه قال: (الدين النصيحة) كأنه يقول (جماع الدين النصيحة)، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: (لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم)، فهي واجبة على الإنسان على أن يقدم هذه النصيحة.
لكن الذي يريد أن ينصح لابد أن يعرف أسلوب النصح، ولا بد أن يعرف مقام من يريد أن ينصح، ولابد أن يكون عنده فكرة خلفية من يريد أن ينصح له، عن تاريخ الخطأ الذي وقع فيه، عن طبيعة هذا الإنسان الذي نريد أن نقدم له النصيحة، هل هو معاند، هل هو سهل القبول لما يُعرض عليه، وإذا كان الشخص الذي نريد أن ننصح لا يقبل منا لفارق السن أو لطبيعة هذا الشخص، فإن من واجبنا أن نبحث عن أنسب الناس لمن يكون في سنه، أو من كان عنده مكانة لديه من أجل أن يقدم له النصيحة.
ليس من الضروري أن يقدم كل أحد النصيحة، لكن من الضروري أن يسعى في الإصلاح وينتخب من يقوم عنه بهذه المهمة إذا اضطر لذلك.
النصح بين الآباء والأبناء طبعًا هذا من أوجب الواجبات، لأن هذا من أوسع أبواب البر، فإن من البر والنصح أن ينصح الإنسان لوالده كما فعل الخليل الذي دعا والده وناده بقوله {يَا أَبَتِ} -عليه وعلى نبينا صلوات الله وسلامه- وإذا حاول الإنسان أن يقف مع الآيات فإنه يجد فيها المنهج العجيب في نصح الآباء والأمهات، كيف أنه كان في منتهى الأدب وكان في منتهى اللطف {يا أبتِ}، {يا أبتِ}، {يا أبتِ}، يكرر هذا النداء بهذا اللطف، ولما غضب الأب وقال: { يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا } يعني لما وصل إلى هذه المرحلة فإن خليل الله إبراهيم لم يسئ إليه، وإنما انسحب في هدوء، وقال: {سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا * وَأَعْتَزِلُكُمْ} عليه وعلى نبينا صلاة الله وسلامه.
هذا مما ينبغي أن يراعى، فإذا نصح الولد لوالده أو نصح الولد -أو البنت- لأمه وغضب هذا الوالد أو غضبت الوالدة فإن الإنسان عليه أن ينسحب في ذلك الوقت ويلطف الكلام، ولا مانع من أن يعود مرة أخرى، يختار الوقت المناسب، يقدم بين يدي نصحه صنوفًا من البر وألواناً من الإحسان لوالده ولوالدته، قبل أن يقدم تلك النصيح.
إذا كان لاحظ أن الوالد أو الولدة لا يقبلون منه فما المانع أن يطلب من العم، يطلب من الخال، يطلب من إمام المسجد، أو يطلب من أصحاب الوجاهات أن يقدموا النصيحة.
خاصة في الأمور التي تكون معروفة، والإساءة للزوجات من الأمور التي تُعرف، لأن الزوجة تُخبر أخريات والرجال يكونون على اطلاع بمثل هذه الأمور، فإن رأيت أنه من المناسب أن يقوم الجار بنصحه أو يقوم المدرس بنصحه، أو يقوم إمام مسجد بنصحه، أو داعية لتقديم النصح له، فذلك أيضًا من الأساليب الممتازة جدًّا التي لابد للإنسان أن يقدمها ويسلكها في سبيل تقديم النصحية النافعة لإخوانه وأخواته، للآباء للأمهات، لأن شريعة الله تأمرنا لأن نبلغ النصيحة، وأن نحسن إلى الجميع في هذا الجانب، قال تعالى: { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}.
إذا كانت الزوجة أو الوالدة تأثرت بالمعاملة السيئة لدرجة أن ذلك أثر على صحتها، وترك تراكمات سالبة وسيئة في نفسها، فليس من الحكمة أن نقول إنها تشكو من كذا، ولكن أيضًا من الحكمة أن ننطلق من قناعاتنا، فيمكن أن تقول (يا والدي أنت ما شاء الله طيب، وأنا فخور بأنك والدٌ لي، لكني أرى أنك تقسو بعض الأحيان على فلانة، والمرأة ضعيفة، وقد يؤثر هذا فيها، ولا أستبعد أن يكون المرض الذي عندها من وراء هذا الأمر، وأنت ما شاء الله أعقل منا وأعرف بمثل هذه الأمور) يعني الإنسان يتخذ مثل هذا الأسلوب ويدعوه إلى الإحسان.
أيضًا الوالدة -أو زوجة الأب- أنت تكلمها ضرورة بأن تحتمل وأن لا تعطي الأمور أكبر من حجمها، وأن توقف أن هذا الرجل الذي عرفته منذ سنوات هذه هي طبيعته، فالإنسان إذا عرف طبيعة الإنسان يستطيع أن يتعامل معه بأريحية، ولا مانع من أن تصل إليه إشارة لطيفة إلى أن هذا المرض له علاقة بالتوترات بالغضب بشعورها بأنها لا تنال حقوقها، ويمكن أن يقال هذا الكلام على لسان طبيب أيضًا فيكون أوقع في النفس، ولكون الطبيب صاحب تخصص، فإذا وصلته هذه الفكرة فإنه يستطيع أن يبلغها للوالد، وطبعًا أنت قلت إنها ليست قادرة على أن تبوح وقد لا تكون المصلحة في أن تخبر وتشكو هذا الوالد، أو تشكو أنه السبب في مرضها أو كذا، لأن هذا قد يزيد الأمور سوءاً.
أيضًا إذا كان هو يهرب من الشعور بالذنب ولا يتعظ، فإن مثل هذا الإنسان كونه لا يريد أن يلوم نفسه ولا يتأثر باللوم، هذا قد يكون فيه جانب إيجابي، لأن له نفس تشعر بهذا الخلل وهذا الخطأ، وهذا قد يكون من الأمور التي تعين إذا بلغنا النصيحة بطريقتها الصحيحة من الشخص الصحيح المناسب في التوقيت المناسب، وانتقينا الألفاظ الجميلة، وذكّرنا هذا الوالد بمحاسنه، وقلنا: ما أحسن هذه المحاسن والصفات الجميلة، إلا أن تجمّلها بتاج الإحسان إلى الزوجة).
الزوجات، لا شك أن المرأة فيها نقص، وهي عان وأسير، والنبي -صلى الله عليه وسلم- أوصى بالنساء فقال: (استوصوا بالنساء خيرًا) وكرر هذه الوصية، ومثلك يتأسى بالنبي -عليه صلوات الله وسلامه-، وهذا الإحسان لها سيكون سببًا في علاجها وشفائها من المرض الذي ألمَّ بها.
نسأل الله أن يكتب العافية والسلامة للجميع، وأن يرده إلى الحق مردًّا جميلاً، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين.