أهلي لا يثقون بي ولا يعطونني حريتي، فماذا أفعل؟
2012-04-23 13:19:03 | إسلام ويب
السؤال:
عمري 18 سنة، ولا أدرس، منذ سنين، أحببت شخصا، ثم علم أهلي بالموضوع، وصارت مشاكل كثيرة، وأخرجوني من المدرسة، وحرموني من كل شيء.
لم أعش فترة المراهقة حلوة! بل كانت كلها ألم وحزن، ولقد عانيت كثيرا من كل شيء، فأهلي صاروا يكرهونني، أشعر بأن الدنيا كلها سدت في وجهي، ورغم ذلك صبرت وتماسكت وكنت قوية، ومرت سنين وأنا حياتي كما هي لم تتغير شبرا واحدا.
حاليا خفت قيود أهلي قليلا، ولكن بدون فائدة، أنا أشعر بنقص ليس عندي ما عند الفتيات الأخريات اللاتي في سني، فأهلي لا يثقون بي، وحرموني من حريتي، ودائما محبوسة في البيت.
أنا أعلم أن ما يحصل لي هو نتيجة أخطائي، وأنا راضية، ووالله لقد تغيرت، وأتمنى أن يفهم أهلي ذلك، والله لقد تعبت، وأتحدى أن تكون هناك بنتا في مثل سني مرت بالذي مررت فيه، أو تحملت الذي تحملته، وأعتقد أن مشكلتي ليس لها حل، ولكنني أحتاج لنصحكم!
وشكرا.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه.
وبعد:
فإنا نشكر لابنتنا الفاضلة تواصلها مع موقعها، ونسأل الله أن يسهل أمرها، وأن يردها إلى الصواب، وأن يعينها على فهم مشاعرها، والقيام والوفاء بحقها، والاعتراف بتوبتها، ومنحها مقدارًا من الثقة حتى تعاود حياتها من جديد.
ابنتي الفاضلة: لا شك أن ما حصل منك كان خطئا، ولكن الأهل أيضًا عالجوا الخطأ بخطأ مماثل، وليتهم تواصلوا معنا حتى نبين لهم أساليب الحل والتعامل في مثل هذه الأحوال.
واحمدي الله تبارك وتعالى الذي ردك إلى الصواب، فليس العبرة أن تواصلي الدراسة أو غيرها، ولكن العبرة أن تكوني عفيفة طاهرة كما أراد الله تبارك وتعالى؛ لأن الفتاة مثل الثوب الأبيض، والبياض قليل الحمل للدنس.
وأرجو أن تعلمي أن أهلك ما شددوا عليك وما فعلوا معك هذه الإجراءات الصارمة إلا حرصًا على مصلحتك، وإلا رغبة في إخراجك مما كنت فيه.
والحمد لله أن الظاهر من كلامك أنك قلت أن مسألة الحصار المفروض عليك بدأت تخف، وندعوك إلى مزيد من إظهار الثقة والطاعة لله تبارك وتعالى حتى يتقبلوك، وحتى تعود المياه إلى مجاريها بحول الله وقوته.
ولا يخفى على أمثالك أن الدراسة مهمة، ولكن يبدو أنك أخذت القدر المناسب، والدليل على ذلك استطعت أن تتواصلي مع موقعك، واستطعت أن تكتبي وتتفهمي وتعرفي مشكلتك.
بقية المعارف التي تحتاجها المرأة قد تكتسبها من خبرات في الحياة، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يعينك على الخير، وأن يستخدمك فيما يرضيه، هو ولي ذلك والقادر عليه.
أكرر: الثقة دائمًا لا تباع في الصيدليات، ولا تشترى في المتاجر، ولكن الإنسان يكون هذه الثقة، ويجعل الناس يثقون به بتراكم الخطوات الإيجابية التي يقوم بها، وبحرصه على طاعة الله تبارك وتعالى، وعلى التقرب إليه بكل أمر يُرضيه.
فاجتهدي في الاقتراب من أهلك، واشغلي نفسك بذكر الله وطاعته وتلاوة كتابه، واعلمي أن الله تبارك وتعالى هو الذي يقدر للإنسان الخير، فتوجهي إلى الله تبارك وتعالى، وكوني واثقة أن الحرية التي عند البنات إذا كان مفهومها أن تنطلق فهذا دمار وهلاك - والعياذ بالله -، وما من حرية إلا ولها ضوابط وإلا ولها قيود؛ ولذلك لابد أن نتذكر هذا المعنى ونتذكر أن حريتنا تنتهي عند حرية الآخرين.
فرغم قساوة ما حصل معك، إلا أنه كان إجراء قصدوا منه إخراجك مما كنت فيه، والحمد لله الذي سلمك من ذلك الذئب ومن تلك الشرور، فإن في الشباب ذئاب لا هم لهم إلا العبث بأعراض بنات الناس، وأهلك لأجل ذلك كانوا حريصين أن يحولوا بينك وبين ذلك الشر، واتخذوا ضدك هذا الإجراء الذي ما كنا نتمنى أن يكون لهذه الدرجة من القسوة والطول، ولكن نحمد الله تبارك وتعالى أنك صبرت، وأنك صمدت، وأنك متفهمة لما حصل معك، فهذه مشاعر إيجابية ومعاني كبيرة جدًّا، ولله الحمد تدل على أنك عاقلة وعلى أنك فاضلة.
والآن ندعوك إلى أن تقتربي منهم أكثر وأكثر، وأن تجتهدي في بر والديك، وتظهري ما وهبك الله من إحسان ومن حسنات ومن أعمال طيبة، حتى يثقوا فيك، وحتى يتيحوا لك فرصة أوسع مما أنت عليه حتى تمارسي حياتك بطريقة طبيعية.
وأيضًا أريد أن أذكرك بأنك مطالبة أن تكثري من اللجوء إلى الله تبارك وتعالى، فإن قلب الوالدين وقلوب الأهل بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها.
كما ندعوك كذلك إلى إكمال مشوار الصبر، فأنت صبرت، والعاقبة للصابرين، وندعوك إلى الإكثار من الحسنات الماحية، فقد قال ربنا الكريم الوهاب: {إن الحسنات يُذهبن السيئات}. ندعوك كذلك إلى أن تحشري نفسك في زمرة الصالحات، وتشغلي نفسك بتلاوة كتاب رب الأرض والسموات، وفعل الخيرات، لأن هذا عامل أساسي جدًّا.
إذا وجدت استطاعة في مساعدة المحتاجين والضعفاء، ومن تحتاج إلى المعونة من أخواتك أو جيرانك فلا تترددي في مساعدتهنَّ، فإن الواحد منا إذا كان في حاجة الضعفاء كان العظيم تبارك وتعالى في حاجته.
ونتمنى كذلك أن تحاولي أن تناقشي وتحاوري الفضلاء العقلاء من محارمك حتى يعاونوك في الخروج مما أنت فيه، وأرجو كذلك ألا تعتقدي أنهم يكرهونك، فهم يكرهون ما حصل منك، والآن ستطوى هذه الصفحات عندما يلاحظون منك صدق التوبة والرجوع إلى الله تبارك وتعالى، والحرص على فتح صفحة جديدة مليئة وعامرة بالخيرات وبالسجود لرب الأرض والسموات.
نتمنى أيضًا أن يتواصل أهلك معنا، وليتهم يكتبوا إلينا حتى نتناقش معهم في هذه المسألة، ونبين لهم الطريق الذي ينبغي أن يسيروا عليه، فإن القسوة الزائدة لا تقل في خطورتها عن التساهل الزائد، يعني كلاهما وجهان لعملة واحدة في الشر، ولكن نحمد الله تبارك وتعالى أنك تفهمتِ واحتملتِ تلك الصدمات، وبلغتِ هذه الدرجة من العافية، وهذه نعمة من الله تبارك وتعالى عليك وعليهم، ونتمنى أن يشكروا هذا، وأن يشعروا بما حصل منك من وفاء واحتمال وصبر، لأن هذا كله يدل على أن معدنك أصيل، وأنك طيبة.
ونسأل الله تبارك وتعالى أن يقدر لك الخير حيث كان ثم يرضيك به، وندعوك إلى مواصلة الصبر مع تجديد المحاولات، وإدخال الوساطات بعد التوجه إلى رب الأرض والسموات، ونسأل الله أن يهيأ لك رجلاً صالحًا يكرمك ويُنسيك كل هذه الجراح، وأن يُلهمك السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.
والله الموفق.