كيف أصبر على ما ابتلاني الله به؟
2012-05-06 09:34:28 | إسلام ويب
السؤال:
الحمد لله رب العالمين
أنا منذ صغري وأنا ملتزمة, أقوم بفرائضي, وبكل عمل يقربني إلى الله تعالى, لما كان عمري 10 سنوات أصبت بحادث وتعالجت منه خطأً مدة 14 سنة, وبعدها ربنا أكرمني بدكتور عمل لي عملية, والحمد لله تحسنت كثيرا.
طوال هذه الفترة كنت أحاول أن أكون راضية, لكن أحيانا رغما عني أحزن على حالتي, لكن الحمد لله على مدار الـ 17 سنة وأنا أحاول أن أكون راضية, وكل ما يحصل لي ابتلاء أحاول أن ألتزم بما قاله ربنا ورسولنا صلى الله عليه وسلم, وأرضى بقضاء الله, لكن أحيانا أحس أني ظلمت في حياتي, يعني أني بعد عذابي سنين طويلة في العلاج, والعملية لم تكن سهلة وما تزال آثارها واضحة.
رغم أني كنت أدعو ربنا وكان متقدم لي واحد من أقربائي على خلق ودين لكن إرادة الله حالت دون ذلك, صبرت نفسي وقلت عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم, ودائما أقول: اللهم آجرني في مصيبتي واخلفني خيراً منها, وعندي أمل أن الله سيرضيني, لكن لما مضى سنتان على الموضوع ولم يتقدم لي أحد شعرت أني لن أتزوج - خاصة لما أرى من لم ينزوج وسنه كبير جداً-.
ومرة قرأت قصة عن بنت توفيت ليلة فرحها, وأن جنازتها كانت أشبه بالفرح, وأنها تزف إلى الجنة, وجدت نفسي أقول: حتى لو كان هذا صحيحا هي كانت ستفرح وتعيش مع الإنسان الذي أحبته, وأرجع أقول لنفسي لا, ربنا أعلم بالحاجة التي ستفرحنا أكثر من علمنا نحن.
رغم أني مداومة على الدعاء وعلى قيام الليل، أقول كثيرا لنفسي: إن إيماني بالله ظاهري وليس حقيقي؛ لأني أتعدى على الله عندما أقول أني ظلمت, لكن هذا الإحساس يأتي رغما عني, ودائما في صلاتي ودعائي أدعو ربنا أن يطهر قلبي, وأن يرضى عني, لكن لما أشعر أن ربنا غير راضٍ عني أموت رعباً.
آسفة على الإطالة, لكن والله العظيم أنا متعبة جدا وأسألكم الدعاء.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ إيمان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يشرح صدرك، وأن ييسر أمرك، وأن يرزقك الرضى بما قدره لك وقضاه، وأن يعوضك خيرًا عن هذه السنوات التي مرت بك وأنت تتألمين وتعانين من تلك الظروف الصحية والنفسية.
كما نسأله تبارك وتعالى أن يربط على قلبك كما ربط على قلب أم موسى عليه السلام، ونسأله جل جلاله أن يجعل مستقبلك خيرًا من أمسك وخيرًا من يومك، كما نسأله أن يمنّ عليك بزوج صالح طيب مبارك يعوضك عن تلك السنين التي مرت خيرًا، وترزقين ذرية صالحة تقر بها عينك وتكون لك قرة عين في الدنيا والآخرة.
وبخصوص ما ورد برسالتك – أختي الكريمة الفاضلة – فبداية أنا أحمد الله تعالى أن جعل بداياتك بداية طيبة، ولقد نشأت على طاعة وعبادة واستقامة، وأسأله تبارك وتعالى أن يجعل خاتمتك أيضًا أفضل من بداياتها؛ لأن العبرة بالخواتيم والعبرة بالنهاية، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما يُبعث العبد على ما مات عليه) وهذا الابتلاء الذي تعرضتِ له دون قصد أو إرادة منك مما لا شك فيه أنه ابتلاء مأجور من قبل الله تعالى، وأن الله سيعوضك خير عوض في الدنيا والآخرة، لأن الله الجليل جل جلاله أخبرنا بقوله: {إن الله لا يظلم مثقال ذرة} وبقوله: {إن الله لا يظلم الناس شيئًا} وبقوله: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره} والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا أحب الله عبدًا ابتلاه، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فعليه السخط).
فأنت مؤمنة أحبها الله تبارك وتعالى وابتلاها هذا الابتلاء، نعم هذا الابتلاء صعب وعطل حياتك لفترة طويلة، ولكن كم كنت أتمنى أن تذهبي بعقلك أو خيالك إلى المستشفيات حتى تتطلعين بنفسك على أصحاب الأمراض المزمنة التي لا شفاء منها ولا علاج، فأنت الآن -ولله الحمد والمنة- تمشين على قدميك وتذهبين وتجيئين، حتى وإن كان هناك بعض الإعاقة والألم، ولكن هناك أناس يتمنون فقط أن يقفوا على أقدامهم ولو لحظة لكنهم لا يستطيعون، هناك أناس يتمنون فقط أن يخطوا خطوات إلى الأمام ولكنهم لا يستطيعون، هنالك أناس يتمنون فقط شربة ماء من الحنفية كما نشرب ولكنهم لا يقدرون، هناك أناس يتمنون أن يأكلوا وجبة شعبية على عربة من عربات الصباح المنتشرة في مصر ولكن أنَّى لهم ذلك.
فأنت في خير ونعمة، لو نظرت إلى غيرك – أختي الكريمة إيمان حفظك الله تعالى – وهذا ما علمنا إياه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (انظروا إلى من هو دونكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فإنه أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم). دائمًا الواحد منا ينظر إلى من هو أقل منه في الجمال وفي المال وفي الصحة وفي أمور كثيرة، فقطعًا ستجدين نفسك أفضل من ملايين من المسلمات، بل أفضل من آلاف مؤلفة من البنات اللواتي يعشن معك على أرض مصر.
فأنا أقول: حتى يذهب عنك هذا الألم النفسي اجعلي دائمًا هذه المسائل نصب عينيك، وكلما أرادت نفسك أن تثور على الوضع الذي أنت فيه قولي لها (يا نفسي احمدي الله، فإن هناك حالات ميئوس منها، وهناك حالات أصحابها يتمنون الموت فلا يجدونه).
هذا الأمر الذي أذكره الآن سيخفف عنك مسألة التردد التي تأتيك أحيانًا وتشعرين بأن الله غير راضٍ عنك بسببها، ولكن أقول لك: اعلمي أن الله يُحبك – والله – وأقسم على ذلك بالله من كلام النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أحب الله عبدًا ابتلاه) ، (إذا أحب الله قومًا ابتلاهم) وقال صلى الله عليه وسلم: (من يُرد الله به خيرًا يُصب منه) فأنت إنسانة أحبك الله فابتلاك هذا الابتلاء ليختبر إيمانك، وأنت الحمد لله قد ثبت هذه الفترة ولم تتركي دينك ولم تفرطي في طاعتك لله تعالى، رغم هذه اللحظات التي تعتريك من لحظات الضعف.
فيما يتعلق بهذه الفتاة التي ماتت ليلة عرسها وتقولين بأن العرس تحول إلى جنازة، ويقولون بأنها ستزف إلى الجنة، هذا الكلام غير شرعي وغير دقيق، لأن الموت بهذه الحالة ليست شهادة في سبيل الله، وليست من علامات حسن الخاتمة، ولذلك هذا الكلام كله كلام جرائد، وليس بكلام حقيقي، أو كلام قصص وخيال، العبرة بالطاعة والاستقامة على منهج الله، سواء مات الإنسان ليلة عرسه أو ليلة ميلاده، أو ليلة نجاحه، هذه المسائل لا علاقة لها بالجنة أو النار.
ويُبعث العبد على ما مات عليه، إذا كان الإنسان قد مات على عمل صالح ومستقيم فهو من خير إلى خير -بإذن الله تعالى- أما إذا كان مات ليلة العرس وهو عاصٍ وفاجرٍ، أو كانت مثلا امرأة متبرجة أو لم تكن تصلي فكيف تدخل الجنة؛ لأنها ماتت ليلة عرسها؟
هذا فهم خاطئ، ولذلك كلامك أنت الآن كلام في محله.
ولكن أقول لك: عليك بمواصلة ما أنت عليه من الخير والطاعة والعبادة، وثقي وتأكدي أنك لو كنت أقل دينٍ من هذا الذي أنت عليه لكانت المصائب أعظم والبلاء أكبر، ولكن الله تبارك وتعالى يرحمك ويعطف عليك ويحن عليك ويحسن إليك، ولذلك ابتلاك هذا الابتلاء وجعلك لست مقعدة يُشفق الناس عليك ويحسن الناس إليك، وإنما الحمد لله استعدت وضعك وإن كان هناك بعض العجز، إلا أنك أفضل من آلاف مؤلفة من المرضى الذين لا يحركون ساكنًا.
عليك بالطاعة والعبادة، ولا تخافي من أن الله تبارك وتعالى لا يحبك أبدًا، فوالله إن هذا الابتلاء من علامات محبة الله تعالى لك، ولكن عليك فعلا بالدعاء أن يرزقك الله الرضى، وأن يمنَّ عليك بزوج صالح، ولا تيأسي من روح الله أبدًا، ولا تقنطي من رحمة الله، واعلمي أن فرج الله قريب وأن مع العسر يسرًا، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وأبشري بفرج من الله قريب.
ونسأل الله أن يقدر لك الخير حيث كان، ثم يرضيك به.