حالة من اللاوعي واللاواقع لم تنفع معها الأدوية؛ فما حلها؟

2012-06-13 10:18:27 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شاب أبلغ من العمر ثلاثة وعشرين عامًا, قبل خمس سنوات - في عام 2007 - كنت في المرحلة الدراسية الثانوية, نجحت بالفصل الأول بمعدل جيد جدًّا, وفي الفصل الثاني أثناء رجوعي من المدرسة؛ أصابني شيء في مؤخرة رأسي, وكأنه صعقة كهربائية؛ مما أدى إلى أني لا أرى الأشياء كما هي بالواقع, كنوع من اللاواقعية, أو أني أعيش بالخيال, وأحسست بأنني غير موجود, ولم يبق لدي قدرة على التركيز, عندها أسرعت إلى طبيب الأعصاب, وعملت تخطيط دماغ وكان سليمًا, بالرغم من ذلك أعطاني دواء تيجريتول, وبعدها أعطاني دواء ديباكين, لكن دون فائدة.

ومنذ أربع سنوات إلى الآن وأنا من طبيب إلى طبيب, عملت تخطيط دماغ وكان سليمًا -والحمد لله-وفحص نظر وأيضًا كان سليمًا, وفحص بي تويلف وكان سليمًا، ومن وقت الحادثة إلى الآن وأنا وضعي الصحي متدهور, لا أعرف كيف أصف ما بي من معاناة؟! فليس لدي القدرة على التذكر, أنسى كل شيء, ولا أحس بطعم الحياة, ولا أحس بأي شيء من حولي, حتى لذة الأكل لا أحس بها, أعيش بحالة من اللاوعي واللاواقعية, وكأني أعيش بخيال أو حلم.

يوجد ألم وثقل بآخر رأسي, وشد في أعصابي, و"غباش" في عينيّ, وإرهاق بشكل عام دون سبب, كأن شيئًا معلقًا على رأسي, ليس لدي طموح, وليس لدي أي شيء أفكر به, لا أحس بالوقت, أشعر بخوف دائم من كل شيء, ولدي رهاب اجتماعي, أنا درست دبلومًا وكنت الأول على الكلية, والثاني على المملكة بالشامل, لكني لا أعرف كيف نجحت وأنا بوضعي النفسي هذا؟

أنا شخصيتي بشكل عام انطوائية, وخجولة, وعصبية في ذات الوقت.

رحلتي مع الأطباء النفسيين كبيرة, زرت العديد من الأطباء ووصفوا لي العديد من الأدوية, منها: سيروكسات, وأفيكسور, وفافرين, وريسفارم, وبروزاك, وسيبرالكس, واكسل, وديناكسيت ديباكين, ونيوروتوب, وانافرانيل, فالدوكسان, ولوكسول, ولامور, وسيرالين, وريسبال و و و و ........الخ ولكني لم أستفد شيئًا, أخذت إبر بي تويلف ومقويات ولم ينفع شيء, وقد عملت صورة طبقية وصورة رنين مغناطيسي والحمد لله سليمة.

وضعي الآن كالتالي:

أولًا: أعيش بحالة من اللاوعي, لا أرى الأشياء أو الأشخاص بشكل طبيعي.

ثانيًا: ثقل في مؤخرة الرأس أثّر على تركيزي, ثقل فوق الحواجب, وأنا الآن أعمل في مطعم بدوام 11 ساعة تقريبًا.

وفي أثناء اليوم لا أتذكر الأحداث التي تحدث, وإن تذكرتها فكأنها لم تحدث معي, لا أعتبره نسيانًا, ولكن ضعف في التركيز ناتج عن الحالة التي أشعر بها, وقبل الحالة بسنتين أصبت بالرهاب الاجتماعي, وصرت أجلس وحيدًا, ولا أكلم أحدًا, ولا أختلط مع أحد, أغلق الغرفة على نفسي, وأجلس في العتمة, ولا أحب أن أكلم أي شخص, وكنت هادئًا جدًّا, وأخجل بشكل كبير, وأحس بثقل فوق الحواجب, وعندما أحرك رأسي أحس بصوت كصوت طقطقة, أي عندما أحرك رأسي من اليمين إلى اليسار أو العكس, وأنا أتدرب للحصول على رخصة القيادة الآن, ولا أركز على شيء, مع أني تعلمت القيادة, لكني لا أشعر أني أتقنها, لكني عندما أركب السيارة أتقنها تمامًا.

ألم في الرقبة ومؤخرة الرأس, وأسفل الرقبة, مع العلم أني أتناول الآن دواء أفيكسور 75 اكس ار, ودواء لامور, لكني أحس مع تناول الأدوية أن الحالة تزيد, هل حالتي لها شفاء مع الأدوية النفسية؟ وكيف؟

علما بأن وضعي المادي ضعيف جدًّا, والأدوية النفسية باهظة الثمن, أتمنى منك -يا دكتور- أن تدلني على الصواب, وأن تشرح لي طريقة العلاج بالتفصيل؛ لأني أكاد أن أصاب بالجنون, فقد تعبت, لا أشعر بشيء, وعندي فقدان في الثقة بالنفس, هل أتابع مع طبيب الأعصاب؛ لأن أغلب الأطباء النفسيين قالوا لي: إن حالتك لا يوجد لها علاج عندنا, فأنا أناشد الدكتور محمد أن يساعدني بما يستطيع, وجزاك الله كل خير, وأناشدك أن تقف معي موقفًا إنسانيًا بأن تتابع حالتي, وتشرحها لي, وتدلني على الصواب, وأن ترفع من معنوياتي؛ لأني - واللهِ - أتمنى الموت في كل حين؛ لأني لا أشعر بشيء, وكأني جماد.

علما بأن حالتي تزيد مع تناول الأدوية النفسية, ولا أحس بتحسن نهائيًا, حتى لو زدت الجرعة بعد فترة, مع العلم أن من طبيعتي أني كتوم, وعصبي بشكل كبير, مع العلم أني عندما أذهب للأطباء النفسيين أقترض من الناس النقود؛ لأني لا أستطيع الدفع, فأنا منذ شهر فقط عملت في مطعم, علما بأني كنت من الأوائل على تخصصي, وأتقنه تمامًا, لكني لم أجد عملاً, ولا يوجد هدف ولا شيء.

وأتمنى من الدكتور محمد - جزاه الله كل خير- أن يكتب لي إيميله الشخصي إن لم يكن هناك مشكلة, ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب الآخرة.

آسف للإطالة, وآسف لأن المعلومات غير مرتبة بشكل صحيح.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ akms حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

فأنا أتعاطف معك جدًّا, وقد اطلعت على رسالتك بكل دقة, وبكل تفاصيلها، والذي أستطيع أن أستخلصه أن جوهر شكواك يدل على وجود اكتئاب نفسي.

الأعراض الأخرى – أو ما نسميها بأعراض التجسيد, أو الأعراض الجسدية – هذه من وجهة نظري ثانوية، المهم هو أنك لا تحس بطعم الحياة، لا تحس بأي شيء من حولك، ضعف الذاكرة، العيش كأنك في خيال أو حلم، هذه كلها أعراض اكتئابية, لا شك في ذلك، ومن الواضح جدًّا أنك مشبع بالأفكار السلبية، وهذه إشكالية كبيرة جدًّا فيما يخص علاج الاكتئاب النفسي أو تسبيبه.

أنا كما ذكرت لك أتعاطف معك جدًّا، ومن واجبي أن أملكك الحقائق, وأهم حقيقة يجب أن تمتلكها أن حالتك يمكن علاجها – فهذا مهم جدًّا جدًّا – وأرجو أن تترك سني المعاناة التي تحدثت عنها خلف ظهرك, والخبرات أيًّا كان نوعها – سالبة أو إيجابية – فما دامت هي في الماضي فيجب أن يعتبرها الإنسان خبرة فقط, ويتخذها عبرة, وليس أكثر من ذلك.

كثير من الناس الذين عانوا وعانوا تحولت وتبدلت حياتهم بعد ذلك, وأصبحت إيجابية جدًّا، وذلك من خلال أنهم قرروا أن يغيروا أنفسهم، قرروا أن تكون لديهم إرادة التحسن؛ لأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم؛ فاجعل هذه انطلاقة أساسية بالنسبة لك.

أنا أعتقد أن استمرارك على دواء أو دواءين من الأدوية النفسية الجيدة سوف يساعدك تمامًا، وفي ذات الوقت عليك أن تشعر بقيمة ذاتك, فأنت - الحمد لله -الآن لديك عمل، حتى وإن كان الدخل بسيطًا - أسال الله تعالى أن يبارك لك –فالناس كلهم مرزوقون, لكنهم يختلفون في الكسب، وما يأتيك - إن شاء الله تعالى – يكون فيه بركة وخير كثير جدًّا.

انطلق انطلاقات إيجابية في حياتك، تواصل اجتماعيًا، اطلع واقرأ، وكن حريصًا على وقتك, فهذا كله يمثل دفعات إيجابية جدًّا.

وأنت أيضًا لك فرصة عظيمة من خلال عملك في المطعم أن تتواصل مع الناس، وهذا التواصل سوف يعود عليك بإيجابيات كثيرة، فهي خبرة, والخبرة الاجتماعية تطور المهارات الاجتماعية.

فمن وجهة نظري أنك إذا نقلت نفسك نقلاً فكريًا إيجابيًا معرفيًا فهذا سوف يفيدك كثيرًا.

مارس أيضًا تمارين الاسترخاء، فهي مهمة، وإليك بعض الاستشارات السابقة التي تبين لك كيفية تطبيقها، وهي برقم (2136015).

بالرغم من ساعات عملك الطويلة، لكن يجب أن تعطي الرياضة أهمية في حياتك، فهي تجدد الطاقات, وتزيل الإجهاد والقلق والتوتر، وشعورك الذي فيه شيء من اللاواقعية - أو ما يسمى باضطراب الأنّية – هو جزء من حالة الاكتئاب التي تعاني منها، وأن تؤهل نفسك على الأسس التي ذكرتها لك، فسوف تخرج نفسك تمامًا من هذا الوضع.

أنت محتاج للعلاج المضاد للاكتئاب، وهذه حقيقة يجب أن أؤكد عليها، وما دمت لا تستطيع أن تواصل على الإفكسر نسبة لتكلفته, فيمكن أن تنتقل إلى دواء آخر، هنالك أدوية قديمة لكنها ممتازة، مثلاً عقار (تفرانيل/إمبرامين) دواء جيد، وهو رخيص الثمن جدًّا، وفي ذات الوقت هو دواء سليم، ربما يسبب آثارًا جانبية بسيطة جدًّا في الأيام الأولى, تتمثل في شعور بالجفاف في الفم مثلاً، إذا أردت أن تستشير طبيبك في هذا الأمر فهذا أمر جيد، لكن أرى أن تتناول التفرانيل، ويمكنك أن تتوقف عن الإفكسر تدريجيًا، تناوله كبسولة يومًا بعد يوم لمدة أسبوعين – مثلاً – ثم توقف عنه، وحين تبدأ في تخفيض الإفكسر ابدأ في تناول التفرانيل، ابدأ بخمسة وعشرين مليجرامًا يوميًا، وبعد أسبوع اجعله خمسين مليجرامًا، وبعد أسبوع ثالث اجعلها خمسة وسبعين مليجرامًا، وبعد أسبوع رابع اجعلها مائة مليجرام في اليوم, ويمكن أن تتناول خمسين مليجرامًا صباحًا, وخمسين مليجرامًا مساءً، وعند البداية ابدأ بخمسة وعشرين مليجرامًا ليلاً، ثم حين تنتقل لحبتين في اليوم اجعلها حبة صباحًا ومساءً، ثم حين تنتقل إلى الحبة الثالثة اجعلها حبتين مساءً وحبة في الصباح، وحين تصل إلى الجرعة العلاجية – وهي مائة مليجرام – أعتقد أنه يجب أن تستمر عليها لمدة عام على الأقل، بعدها يمكن أن تخفض الجرعة بمعدل خمسة وعشرين مليجرامًا كل ستة أشهر.

بجانب التفرانيل هنالك دواء أيضًا بسيط وفاعل وممتاز يعرف تجاريًا باسم (دوجماتيل), ويعرف علميًا باسم (سلبرايد), وهذا الدواء تناوله بجرعة كبسولة صباحًا ومساءً، وقوة الكبسولة خمسون مليجرامًا، تناولها لمدة ستة أشهر، بعد ذلك يمكن أن تخفضها إلى كبسولة واحدة في اليوم، وإن استمررت عليها أي مدة لا بأس في ذلك.

فإن شاء الله تعالى الأمور مبشرة، والأمور أفضل مما تتصور، فأنت شاب، وأنت لديك - إن شاء الله تعالى – طاقات يمكن أن تجددها، ويمكن أن تطور نفسك، ولابد أن تغير ما بداخلك، لا تعش أبدًا عيشة سلبية، لا تدع مجالاً للفكر السلبي ليسيطر عليك، انهض بنفسك وانطلق، وادع الله تعالى أن يعافيك.

بالنسبة لإرسال الإيميل: أنا ليس لدي مانع من ذلك، كثير من الأخوة والأخوات يطلبون مني ذلك، وحتى أكون واضحًا وصادقًا وأمينًا مع الناس لن أستطيع أن أوفي بأن أرد عليهم نسبة لكثرة المشاغل، فلذا أرجو أن تعذرني حول هذا الأمر.

وبارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وأسأل الله لك الشفاء والعافية, والتوفيق والسداد.

www.islamweb.net