السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة أبلغ 21 من العمر عاما, وأعتبر الفتاة الكبرى بين عائلتي, لدي أخ يكبرني بثلاث سنوات, وأخت فارق السن بيني وبينها 11 سنة، مشكلتي تكمن بيني وبين أمي, فأنا - ولله الحمد - طالبة جامعية, على خلق ودين, وأحاول قدر المستطاع أن أرضيها بشتى الطرق, وأفاجئها كلما سنحت لي الفرصة بالأشياء التي تحبها, وإن عرفت خبرًا مزعجًا أخفيه عنها, وأحاول حله دون أن تشعر بشيء, منذ طفولتي وهي تركز لي على دراستي, وواللهِ العظيم إني أكون في حالة يأس وإحباط, وأقول لنفسي: تحملي من أجل أمك, بينما أخي يرد عليها, ومتأخر في دراسته, ويسهر طول الليل, وتنظر إليه أنه كالملاك, إضافة لذلك أشعر أنني وبسبب هدوئي وطيبتي الزائدة معها فإن مكافأتي الجامعية تذهب أكثرها لها, وحتى فاتورة الهاتف الخاصة بأخي صرت مرغمة على سدادها.
وبعد كل ذلك فإنها كثيرًا ما تتهمني بالغباء, والسرحان, وعدم التركيز, بل إني عندما أسألها استفسارًا عن موضوع طفيف فإنها تهيج بوجهي كالبركان.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ عبير حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب, فأهلاً وسهلاً, ومرحبًا بك, وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت, وعن أي موضوع, ونسأل الله تعالى أن يبارك فيك, وأن يثبتك على الحق, وأن يكثر من أمثالك, وأن يزيدك طاعة لأمك, وبرًا بها, وإحسانًا إليها, وأن يجعلك من الفائزات المتفوقات, وأن يمن عليك بسلامة الصدر والصبر والحلم والأناة, وأن يمتعك بالثبات في الدنيا, والتفوق في الدين, وأن يمن عليك بزوج صالح يكون عونًا لك على طاعته ورضاه.
وبخصوص ما ورد برسالتك - ابنتي الفاضلة الكريمة - وبما أنك الكبيرة في الأسرة - كما ذكرتِ - فيبدو أن والدتك تركز عليك تركيزًا شديدًا, وتتمنى أن تكوني متميزة متفوقة؛ لأن بعض الأمهات لا تنتبه للظروف النفسية التي يمر بها أبناؤها من حيث الاستعداد للدراسة, أو المذاكرة وعدم ذلك, وإنما تريد لهم أن يحفظوا الكتب حفظًا, وأن يحصلوا على أعلى الدرجات, وأنا أعرف كثيرًا من الآباء لا يسألون أولادهم هل نجحوا أم لا, وإنما يسألون عن ترتيبك بين زملائك, فإن قال له: أنا الثالث أو الرابع أو الخامس تلقى وابلاً من السب والقذف واللعن - والعياذ بالله - لماذا لا يكون الأول؟! هذه عقول لا زالت موجودة, وأنا أرى أن والدتك من هذا القبيل, فهي تريدك أن تكوني متفوقة ومتميزة, وكونها تتهمك أحيانًا بالغباء أو السرحان وعدم التركيز فهذا يدل على شدة رغبتها في أن تتميزي, وأن تكوني متفوقة, وأن لا يفوتك شيء من التميز أبدًا, وقد تسيء التعبير فعلاً, وقد تضغط في أوقات غير مناسبة, ولكني أقول: هي ما أرادت لك إلا الخير, وما أرادت بك إلا كل خير, فأرجو أن نستقبل هذا الضغط وهذه التصرفات استقبالاً حسنًا, وأن نعلم أن هذا لفرط المحبة ومن شدة التعلق.
أما فيما يتعلق بأخيك: فإنها تركز عليك على اعتبار أنك الأمل المعقود, ومعظم الأمهات الآن يركزن على البنات أكثر؛ حتى تتزوج وتتأهل, وحتى يكون لها زوج وبيت وأسرة وأولاد, وحتى تستطيع أحيانًا أن تعمل, وحتى يكون لها راتب, وهذه اعتقادات لدى السواد الأعظم من الأمهات الأميات في بلادنا العربية والإسلامية, بل إنهن أحيانًا يحتفلن أكثر بتربية البنات أكثر من الصبيان البنين, رغم أن الاصل في البنين أنهم هم العائلون, وهم القائمون على الأسر, القوامون, ورغم ذلك نجد أن الأم تريد لابنتها أن تكون - كما يقولون - معها سلاحا ضد المشاكل والفتن والعاديات وظروف الزمن, حتى إذا ما قدر الله واختلفت مع زوجها لا تضيع, بل يكون لها راتب, وتكون موظفة, وتسطيع أن تعتمد على الله ثم على نفسها, فأنا أرى أن حرص أمك من هذا الباب, ولا ينبغي أن تعولي على كلام أخيك؛ لأن كل امرئ بما كسب رهين, وعندما تركز أمك عليك الآن لتكوني متميزة ومتقدمة فهذا من فرط المحبة, وإن كانت تسيء التعبير, أو تخالف الأسلوب الذي ينبغي أن يكون.
فيما يتعلق بكونها تأخذ منك مثلاً بعض مكافآت الجامعة وتعطيها لأخيك: أرى أن هذا من باب الإكرام لأمك ما دامت هي راغبة بذلك, فاتركي هذا الأمر, وتأكدي من أن الله سيعوضك خيرًا منه ما دمت تحرصين على رضاها وإكرامها, وخاصة - وكما ذكرت أنت – أنه عندما تعرفين خبرًا مزعجًا وسيئًا فأنت تخفينه عنها في وقته, وتحاولين قدر الاستطاعة أن تخففي عنها, ولا تشعرينها بالخطورة خوفًا عليها, وحرصًا على صحتها, فأنت تتمتعين بخلق رائع, وعقل راجح ورزين؛ ولذلك أرى أنه ما دامت أمك تفعل ذلك فحاولي أن تكرميها, واعتبريها صدقة تقدمينها لأمك ما دامت أمك راغبة في ذلك, وإن شاء الله سيخلف الله عليك بخير الدنيا والآخرة.
وأرجو أن لا تتأزمي من تصرفات والدتك, وأرجو أن تستقبليها استقبالاً حسنًا على أنها نوع من الحرص الزائد على تفوقك وتميزك, وإذا استقبلتها بهذا النظام ستكون بردًا وسلامًا عليك, وسوف تشعرين بأنك أحسنت توظيف هذه المشكلة, وبدلاً من أن تكون نقمة تصبح نعمة, وبعد أن تكون عاملاً من عوامل الصرف والإحباط تصبح عاملاً من عوامل التقدم والتميز.
أسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير, وأن يشرح صدرك إلى كل خير, وأن يعينك على بر والديك, وأن يجعلك من أهل الجنة, إنه جواد كريم, هذا وبالله التوفيق.