أم نصرانية وابن مسلم، كيف أدعوها للإسلام؟
2012-09-27 23:11:31 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا يا إخواني عندي مشكلة، وهي أن أمي نصرانية، لا أواجه مشكلة مع هذا الأمر، أنا وأبي في ديننا وهي في دينها، وتعيش معنا بشكل طبيعي جداً، ولا يوجد اختلاف -والحمد لله- ولكن في يوم من الأيام قال لي أستاذ الدين في مدرستنا يجب عليك أن تدعو أمك للإسلام، وإلا سوف تحاسب يوم القيامة، ثم بدأ الخوف يسيطر على قلبي؛ لأني أعرف أنها لن تغير دينها، وهي قالت هذا الشيء بشكل مباشر، عندما كنا نمزح مع بعض في أحد الأيام، وأنا أعرف أيضاً أنني إن فتحت معها هذا الموضوع سوف تفارقنا، وستبدأ المشاكل في أسرتنا الهادئة، فأنا لا أقدر على فراقها، وأريد أن أعرف الآن هل يجب مهما حصل أن أدعوها للإسلام؟ فأنا أخاف من المشاكل، ولا أريد في نفس الوقت أن أحاسب يوم القيامة.
ماذا أفعل؟ وماذا علي أن أقول إن وجب علي أن أدعوها للإسلام؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الابن الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه.
نرحب بك - ابننا الفاضل - في موقعك، ونشكر لك هذا التواصل والاهتمام والسؤال، ولا يخفى عليك أن الإسلام يبيح للمسلم أن يتزوج من النصرانية، كما قال الله تبارك وتعالى: {والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا أتيتموهنَّ أجورهنَّ محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان} والحمد لله الذي أباح هذا؛ لأن الكتابية صاحبة دين، فلا حرج عليك في أن تكون الأم نصرانية، ولكن الممنوع أن يكون الأب على غير ملة الإسلام، فالإسلام يعلو ولا يُعلى عليه، وإذا أسلم النصارى وآمنوا وصدقوا بمحمد أُبيح لهم النساء المسلمات، لأن الإسلام يؤمن بكافة الأديان، ويتيح للنصرانية أو لليهودية أن تمارس عبادتها، بخلاف بقية الأديان بكل أسف التي لما حرفوها مع أنهم يعرفون النبي - صلى الله عليه وسلم - كما يعرفون أبنائهم، مع أنه لو كان موسى لو كان حيًّا ما وسعه إلا أن يتبع النبي، ولو كان عيسى عليه السلام، ولو كان أي نبي في هذا الزمان – ولا نبي بعد نبي الإسلام - ما وسعه إلا أن يتبع رسولنا - عليه صلوات الله وسلامه – وهو خاتم الأنبياء والمرسلين - صلى الله على محمد، صلى الله عليه وسلم.
فكون الأم على غير الإسلام، هذا لا حرج فيه من الناحية الشرعية، ولكن نحن نتفق على أن الإسلام دين الخير ودين النجاة، وأنه من يبتغي غير الإسلام دينًا فلن يُقبل منه، وأن الدين عند الله هو دين الإسلام، وأن الله لا يقبل من إنسان بعد بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم – إذا لم يؤمن به، ولا عبرة بأي دين بعد هذا الدين، لأنه ناسخ للأديان.
لأجل هذا، ولأنك وجدتَ الخير والكمال والجمال في الإسلام فأولى بالنصح، وأولى الناس بالخير، وأولى الناس بالرحمة، وأولى الناس بالشفقة هي الأم، ولذلك من هذا الباب فقط لعل الأستاذ أراد أن أينبهك إلى الاجتهاد والحرص في دعوتها إلى الله تبارك وتعالى، لكن دون أن تُغضبها، دون أن تُصرَّ عليها، وإذا رأيتها تغضب ولا ترضى فعليك أن تتوقف، ثم تعاود الكرة.
ولن يضرك أن تكون الأم نصرانية، فقد كان والد سيدنا إبراهيم كافرًا ومات على غير الإسلام، وعم النبي - صلى الله عليه وسلم – أبو طالب مات على غير الإسلام، وولد نوح عليه السلام مات على غير الإسلام، فالعبرة بالمجهود الذي يقوم به الإنسان وبحرص الإنسان، لكن الهداية من الله تبارك وتعالى، فأنت لا تملك هداية الأم، لأن الله يقول: {إنك لن تهدي من أحببتَ ولكنَّ الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين} وقال: {ليس عليك هداهم ولكنَّ الله يهدي من يشاء}.
إذن المطلوب هو أن تجتهد أنت ووالدك في أن تُبينوا للوالدة جمال الإسلام وسماحة هذا الدين، بطريقة لا تغضبها، فإن رضيت فهذه نعمة كُبرى، وإن لم ترض واستمرت على دينها فلها حق البر والرعاية والاهتمام، لأن الله يقول: {وإن جاهداك على أن تُشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعمهما} حتى لو قالت لك (اكفر) لا تطعها، ولا تترك هذا الدين – دين الكمال، دين الجمال – ولكن لا تجعل هذا سبب للعداء، إذ قال سبحانه وتعالى: {وصاحبهما في الدنيا معروفًا} فهي تظل أم في كل الأحوال، لها حق البر، لها حق الصلة، حق الاهتمام، حق الشفقة، حق الرعاية، والشرع يأمرك بذلك، ولكن يترتب على ذلك أحكام، فهي لا ترث منك، ولا ترث منها، لاختلاف الدين، ولا تأمرك بمعصية حتى ولو كانت مسلمة، إذا أمر الأب أو الأم بمعصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وإنما الطاعة في المعروف.
فإذن ندعوك والوالد إلى أن تجتهدوا بمنتهى اللطف والرفق في بذل النصح لها، في الدعاء، لعل الله يهديها، في الاجتهاد في تقريب الإسلام لها، بيان محاسن هذا الدين العظيم لها، الاجتهاد في دعوتها بلطف، ولستَ مجبرًا على هذا، ولكن هذا واجب، والنبي - صلى الله عليه وسلم – يُبشرنا جميعًا فيقول: (لأن يهدي بك رجلاً واحدًا خير لك من حُمْرِ النعم) فكيف إذا كانت المرأة هي الأم، كيف إذا كانت هي الوالدة، كيف إذا كانت هي الزوجة بالنسبة لأبيك، فاحرصوا على دعوتها، ولكن هذا ما ينبغي أن يكون مصدر إزعاج، لأن الشرع أباح للوالد أن يتزوج من الكتابية سواء كانت يهودية أو نصرانية، وهم أهل كتب، واشترط الإسلام أن تكون الكتابية مُحصنة، وهذا بكل أسف نادر فيهم في هذا الزمان، واشترط الإسلام أيضًا أن تكون البيئة طيبة، وحرص الإسلام أن يضمن أن يكون النتاج من المسلمين، والحمد لله أنت تقول أنت والوالد على الإسلام، وهذا هو المطلوب، لأن المرفوض هو أن يكون الوالد على غير الإسلام، لكن كون الزوجة على غير الإسلام – يهودية أو نصرانية تحديدًا – لا حرج في ذلك من الناحية الشرعية، ولا حرج في أي أمر تُبيحه وترتضيه هذه الشريعة التي ما تركتْ خيرًا إلا ودلَّتْ عليه، ولا تركتْ شرًّا إلا وحذّرتْ ونهتْ عنه، بل إن الإسلام يوصي الوالد أن يُحسن إليها، ويعطيها حقوقها كاملة، ونحن بحاجة إلى أن نُبرز جمال الإسلام للذين على غير الإسلام حتى يدخلوا في هذا الدين ويستجيبوا لداعي الخير.
نسأل الله أن يقر عينك بهدايتها وصلاحها وعودتها إلى الدين الحق، هو ولي ذلك والقادر عليه.