مشكلتي تقلب المزاج، وعدم الاستقرار، أرشدني جزاك الله خيرا.
2012-11-15 08:12:05 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة أبلغ من العمر 16 سنة، بفضل الله جالسة في بيتي ولا أخرج إلا للمسجد، أريد بهذا أن أتفرغ للعبادة وللتقرب إلى الله.
أعاني من مشكلة تقلب المزاج، وعدم الاستقرار على حال مع الله، مثلا تكون حالتي الإيمانية في الصباح عالية، ثم تسوء بعد الظهر وتعود في الليل .. وهكذا، وأمر بعدة تقلبات يومياً، وهذا يقلقني جداً ويضيق صدري، ويهز من ثقتي بنفسي، ولا أخفي عليك، أني إذا أحسست بهذا الضيق أفقد حضور قلبي، فتحصل لي حالة من فتور مؤقت عن النوافل خوفاً من عدم حضور القلب، وخجلا أن أقابل الله على هذه الحال؛ لأني مثلاً إذا لم أخشع في الصلاة أحبط وتزداد حالتي سوءًا.
فهل من الممكن أن يكون السبب هو المراهقة، لأني أجهل سبب التقلب، وقد انزعج من أبسط الأمور كفعل أي نشاط آخر غير العبادات، أم ماذا؟
هناك مشكلة أخرى، هو أني لا أحس بأية مشاعر نحو أمي، وهي لا تحسن معاملتي غالباً، ولا أرى فيها القدوة، وهذا جعل معاملتي لها غير جيدة، أحاول الكظم ولا أجد حلا، وضعنا يشعرني بالذنب، وأخشى أن يكون وراء هذا كبر أو ما شابهه.
أرشدني جزاك الله خيرا إلى كيفية التصرف لأني لست مرتاحة لما أنا عليه.
بارك الله فيكم.
ومشكلتي الآخرى هي أني تركت هذا العام الدراسة بسبب الاختلاط، وبعد عناء في إقناع والدي، ولكنهم إلى الآن مترددون ويفكرون في احتمال إرجاعي العام القادم، والسبب أنهم يخافون من وضعنا في تونس، ويقولون أن مجتمعنا لا يقبل مثل هذه الأفكار، وأني سأتعب كثيراً في العيش بسبب مستواي الدراسي، خاصة وأني لم أتحصل على شهادة "البكالوريوس" على الأقل، إضافة إلى معارضة جميع أقاربي لأني كنت من المتميزات وزعمهم أن هذا هروب وقلة إيمان.
وأنا لا رغبة لي في العودة إلى ذلك الإحساس بالإثم والذنب، ولا طاقة لي في العيش في محيط مختلط بتلك الصفة، ولا حتى الدراسة أصلا، وخاصة أن ذلك يؤثر على ديني ونفسيتي بصفة رهيبة، كما لا أرتدي النقاب لأنهم يمنعون ذلك في مدارسنا، أنا متيقنة أنه من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، وأتمنى خدمة الدعوة في تونس بعد طلب العلم، خاصة وإن الدين هنا في حالة نشتكي إلى الله منها، وليس لدي أية مخاوف بخصوص المستقبل، بل بالعكس، فالله كافيني.
وهذه الاستشارة تلبية لطلبهما، (فأرجو من فضيلتكم مخاطبتهما والتعليق على ما قلت).
جزاكم الله عني خيرا، وزادكم علما.
والسلام.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ راجية عفو ربها حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يزيدك صلاحًا وهدىً واستقامة، وأن يجعلك من الصالحات القانتات، الداعيات إليه على بصيرة، وأن يجنبك كيد شياطين الإنس والجن.
وبخصوص ما ورد برسالتك - ابنتي الكريمة الفاضلة - فإن عدم الاستقرار على حال مع الله تبارك وتعالى أمر طبيعي، لأن القلوب لها إقبال وإدبار، لذلك كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان هناك أمرًا عظيمًا أقسم بقوله: (لا ومقلب القلوب) بل إنه رغم أنه أثبت الناس إيمانًا وأقواهم يقينًا، كان دائمًا يدعو الله تبارك وتعالى: (اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على طاعتك) بل إنه يُخبر - عليه الصلاة والسلام - أن القلوب أشد تقلبًا من القِدر إذا استجمعتْ غليانه، فالقلوب يا بُنيتي تتغير، كما ذكر ابن القيم - رحمه الله تعالى - في الدقيقة الواحدة عدة مرات، فما بالك باليوم الواحد.
فهذا شيء طبيعي، ولذلك أرجو ألا تقلقي من ذلك، إلا أن الذي ذكرته من الإقلال من النوافل في حالة عدم حضور القلب، أرى أن هذا من تلبيس إبليس، عليك بالإكثار - بالعكس - فأنت تحتاجين إلى الإكثار والدعاء مع البكاء والإلحاح على الله تعالى، وكثرة الذكر، حتى لا تطول فترة الإدبار، فعليك يا بُنيتي بذلك، والتقلب كما ذكرت شيء طبيعي، والدليل على ذلك ما ذكرته من سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
فيما يتعلق بمشاعر أمرك: أرى أنه لابد لك من زيادة الجرعة العلمية فيما يتعلق بمنزلة الوالدين - خاصة الأم - في الإسلام، وأنت تقولين: كيف تستطيعين أن تتغلبي على هذا الجفاء أو النفور الموجود بينك وبينها؟ خاصة وأنها لا تُحسن معاملتك، مما ترتب عليه عدم شعورك بمشاعر إيجابية نحوها؟
أتمنى أن تقبلي يدها ورأسها كل يوم، وإن استطعت أن تقبلي قدمها سيكون ذلك - بإذن الله تعالى - فيه علاج لما يُخشى أن يكون من الكبر، وفيه تطيب لخاطرها، وأعتقد لعلها بذلك تستطيع - إن شاء الله تعالى- أن تتغلب على سوء معاملتها لك.
فيما تعلق بتركك للدراسة خاصة وأنها مختلطة: أرى أن هذا قرار موفق، وأرى أن والدك له فيه حظ عظيم من الأجر والثواب هو ووالدتك لأنهما أعانك على ذلك، فجزاهم الله خيرًا، وأنا أقول: فعلاً إن محافظة الفتاة المسلمة على دينها وخلقها أفضل من حصولها على أكبر المؤهلات مع معصية الله تعالى، فإذن هذا شيء طيب.
إلا أني أقترح اقتراحًا إضافيًا قد يحل الخلاف بينك وبين أسرتك، وهو: لماذا لا تدرسين دراسة منزلية إذا كان ذلك ممكنًا؟ لأن هذا موجود في معظم البلاد العربية والإسلامية، دارسة المناهج هي نفس الدراسة المنتظمة، نفس الكتب ونفس المقررات، ولكن لا يُلزم الطالب بالذهاب إلى المدرسة، ومن الممكن أن تواصلي العملية الدراسية وأنت في بيتك، خاصة وأنك من المتميزات المتفوقات، وأعتقد أن ذلك سوف يعينك أيضًا على أن تحصلي على شهادة دنيوية كبيرة، بها تستطيعين أن تخدمي دينك بصورة أفضل، فقد يمنّ الله عليك فتصبحي أستاذة في الجامعة في تدريس العلوم الشرعية، وهذا أمر نحن في أمس الحاجة إليه.
فأنا أرى - يا بُنيتي - فعلاً التوسط في الأمر، وأنا أؤيد موقفك من عدم الذهاب إلى المدرسة بسبب الاختلاط وعدم القدرة على ارتداء النقاب، خاصة وأنك الآن أصبحت بالغة، ومعنى بالغة أنك مكلفة شرعًا بجميع التكاليف الشرعية سواء أكانت في الكتاب أو في السنة، ووجودك في هذا الجو ليس صحيحًا وليس صحيًّا، لأنه جو موبوء، وعادة ما تنشأ فيه علاقات محرمة ما بين الفتيان والفتيات، وهذه مسائل مع الأسف الشديد منتشرة في معظم الدول التي بها هذا الاختلاط الغير منضبط.
فأنا أرى بارك الله فيك أن تظلي على ما أنت عليه، وأشكر لوالديك وقوفهما معك، رغم أنهما يخافون من وضع المجتمع، نقول: إن المجتمعات بيد الله والأرزاق بيد الله والآجال بيد الله، ولقد جعل الله الشرع حاكمًا على الواقع، ولم يجعل الواقع حاكمًا على الشرع، إن الذين يحكمون الواقع في الشرع لا يفقهون من الإسلام إلا الشيء النادر والقليل.
فعليكم بارك الله فيكم بالتزام الشرع، لأن هذا هو الأصل وهذا هو النجاح.
وفيما يتعلق بمسألة الدراسة المنزلية أقترح أن تدرسوا هذا الموضوع، فإذا كان موجودًا ومتوفرًا في بلدكم فأتمنى - إن شاء الله تعالى - أن تسلكي سبيله، على أن تركزي وأن تذكري مذاكرة مضاعفة، لأنك تعلمين أن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، كما أخبر النبي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ونحن حقيقة بحاجة إلى المؤمنين الأقوياء، الذين يستطيعون أن يخدموا دينهم، لأن الشخص الضعيف لا يستطيع أن يخدم نفسه وبالتالي لن يستطيع أن يخدم غيره -سواء أكان الدين أو غير الدين - فمن الممكن - إن شاء الله تعالى - أن نحصل على الشهادة ونحن في المنزل، وهذا وارد وموجود، ولقد شاهدتُ ذلك بكثرة من أخوات ملتزمات، حصلن على بكالوريوس الطب وهنَّ في البيت، كن لا يذهبن إلى المحاضرات خاصة في القسم العملي إلا نادرًا، وكان هناك فكرة في بعض الكليات بوقف الاختلاط، فكن كبيرات في مدرج خاص، وهذا الأمر تحقق في المستقبل.
فأنا أرى بارك الله فيك إمكانية تعويض هذا الأمر على ما أنت عليه، وبإذن الله تعالى سيكون لك مستقبلاً عظيمًا في خدمة الإسلام، وستستطيعين أن تحققي كل الأهداف: الأهداف في المحافظة على الدين والعفة والحياء والفضيلة، وفي نفس الوقت أيضًا تكون لك القدرة على خدمة الإسلام في مجالات قد تكون في أمس الحاجة إلى وجود صالحات من أمثالك يقمن على خدمة المجتمع النسوي الإسلامي.
أسأل الله أن يوفقك لكل خير، إنه جواد كريم. هذا وبالله التوفيق.