الوسواس القهري أرهقني وأفقدني لذة الحياة، ما الحل؟

2013-01-01 11:55:20 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الأطباء الأفاضل جزاكم الله خيراً على ما تقدمونه من نفع للمسلمين، أسأل الله أن يجزيكم خير الجزاء.

أنا فتاة أبلغ من العمر 29 عاما!، متدينة -والحمد لله- ولكن مشكلتي هي معاناتي من الوسواس القهري، فقد عانيت منه سنين، وكنت أتألم ألماً شديداً لا أعرف لذة النوم ولا أعرف أن أؤدي الطاعة لله على الوجه الأكمل، وعلى الرغم من ذلك -بفضل الله- كنت مداومة على الصلاة والدعاء، ولكن بمجاهدة شاقة استطعت -بفضل الله- أتخلص من كثير من الوساوس، إلا أنني ما زلت حتى الآن أعاني من بعض الوساوس!

مثلاً عندما أصلي يأتي في ذهني صورة الأشخاص الذين رأيتهم في ذلك اليوم، وأخاف كثيراً، وأشعر كأني أصلي لغير الله عند السجود أو الركوع، أحاول الخشوع أحياناً أنجح وأحياناً الصورة تصارعني، لا أدري هل وقعت في الشرك بأنني أخاف جداً؟

أصاب باكتئاب، وعندما أسمع أي صوت وأنا أصلي أتضايق جداً، وأخاف أن آتي بعبارات كفرية في عقلي لا أعرف هل لي دخل بذلك أم هذا لا أحاسب عليه؟ وأيضاً عند التشهد أرددها عدة مرات، لأنني أشك في نفسي أني لم أقلها على الوجه المطلوب، وكلما أتخلص من فكرة تأتي أحياناً فكرة أخرى.

علماً أنني أذكر الله كثيراً، وأحافظ على أذكار الصباح والمساء، ولي ورد من القرآن، وأتصدق بما أستطيع -بفضل الله-.

لا أعرف ماذا أفعل حتى أتخلص من هذه الوساوس؟ وأخاف أيضاً من الرياء دائماً أجدد النية حتى أشعر بالإخلاص، ولكن يتم ذلك الأمر بشكل شاق يسبب لي الإرهاق.

يعني باختصار كلما أردت أن أعمل طاعة أعملها بشكل شاق.

أرجو منكم الجواب الشافي، وأرجوكم أن تجيبوني بأسرع وقت.

لكم مني التحية والتقدير.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ المحبة لله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

إن الأعراض التي أوردتها في رسالتك هي الأعراض المثالية للوساوس القهري، ذي الطابع الديني الذي يُصيب الإنسان الطيب الحساس، وهو ذو المنظومة القيمية العالية.

أصحاب الوساوس دائمًا نجدهم على هذه الشاكلة، فمثلاً أنت خوفك من الرياء ناتج من أن المنظومة القيمية لديك عالية جدًّا -بفضل الله تعالى- والوساوس شيء مصادم تمامًا للنفس البشرية، خاصة إذا كانت هذه النفس نفس ساعية نحو الطمأنينة ونفس منضبطة.

الوساوس محتوياتها حساسة في معظم الأحيان، تجدها حول الدين، الذات الإلهية، الطاعات، القبول للعمل، وخلافه، وبعض الناس تصيبهم في الأمور الجنسية، (وهكذا).

الوساوس باتفاق كثير من الأطباء حتى الأطباء المسلمين الجيدين منهم يرون أن الجانب الطبي فيها كبير جدًّا، وليس كلها من الشيطان، وهذا الكلام لا يتعارض أبدًا مع ما يراه المشايخ الكرام وعلماء المسلمين.

الشيطان يقذف وساوسه، ولكنه يخنس ولا شك في ذلك، والمؤمن دائمًا في حالة ذكر لله تعالى فلا يقربه شيطان، هذا ما أثبته القرآن حيث قال الله تعالى: {ومن يعش عن ذكر الرحمن نُقيض له شيطانًا فهو له قرين} وقال: {إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون}، لكن ليس بالضرورة ألا يُبتلى المؤمن في ذلك بمس أو سحر أو عين أو غير ذلك من هذه الأمور.

الجوانب الطبية إذن موجودة في الوسواس، ويعتقد أن هنالك تغيرات كيميائية تحصل على مستوى كيمياء الدماغ، وحين تحدث هذه التغيرات تزيد من أعراض الوساوس، لذا قُسِّم العلاج للوساوس إلى ثلاثة أقسام:
1)علاج دوائي.
2)علاج سلوكي.
3)علاج اجتماعي.

العلاج الدوائي: هنالك أدوية ممتازة جدًّا سليمة فعالة غير إدمانية، تفيد في علاج الوساوس، لكن شروط نجاحها مرتبطة بالالتزام التام بتناول الجرعة وإكمال المدة العلاجية.

العلاج السلوكي: يتمثل في (أولاً) أن تفهمي أن الوساوس هذه ليست ضعفًا في إيمانك أو ضعفًا في شخصيتك، وأن الوساوس هذه أصابت خير القرون، الصحابة – رضوان الله عليهم – هناك من اشتكى للنبي - صلى الله عليه وسلم – أن الوساوس تأتيه، منهم من قال للرسول - صلى الله عليه وسلم - : (لزوال السموات والأرض أحب إليَّ من أن أتكلم به) وكان هذا هو الوساوس، وقد طمأنهم النبي - صلى الله عليه وسلم – بقوله: (أوجدتموه) وأشار أن ذلك صريح الإيمان.

والمسلم عليه أن يكثر من الاستغفار والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، وحين تأتيه هذه الأفكار أيضًا فليقل آمنت بالله ثم لينته، ولا مانع من استعمال الرقية الشرعية، وهذا دليل قاطع أن مناقشة الوساوس ومحاولة تفصيلها وتشخيصها وتحليلها أمر ليس جيدًا، بل هو مقر، من يلجأ لتحليل وساوسه ويحاول أن يخضعها للمنطق يجد أن الوسواس قد تشعب وتولدت منه أعراض وسواسية إضافية.

إذن من خلال ذلك نستطيع أن نقول: الوساوس تعامل بالتحقير، والتحقير التام، ورفضها، وعدم اتباعها، وأن يبني الإنسان شعورًا عامًا بأنها سخيفة، وسخيفة جدًّا.

أيتها الفاضلة الكريمة: أرجو أن تسعي في هذا النهج العلاجي، هنالك أيضًا تمارين سلوكية خاصة تُسمى بالتمارين التنفيرية، يعني أن ننفر الفكر الوسواسي، مثلاً تأملي في هذه الفكرة الوسواسية، وفي ذات الوقت تأملي في حدث حياتي ليس سعيدًا، مثلاً كحادث سيارة أو خلافه، الربط بين الاثنين – الفكرة الوسواسية والحادث المؤلم – يضعف الوسواس.

تمرين آخر: تأملي وفكري في هذا الوسواس، وفي نفس الوقت قومي بالضرب على يدك بقوة وشدة شديدة، حتى تحسين بالألم. الربط بين الفكرة وإيقاع الألم على النفس أيضًا تُضعف الوساوس.

لكن حتى تكون العلاجات السلوكية منضبطة يجب أولاً أن يكتب الإنسان وساوسه، يبدأ بأهونها وأصغرها، ثم يتدرج إلى أن يصل إلى أشدها، وتمسكي كل محتوى وسواسي وتعاملي معه من خلال الصد والرفض والتحقير، وأن يُربط مع المنفرات كما ذكرت لك.

من الناحية الاجتماعية: الوساوس تعيق الإنسان، وتفقده قيمة الوقت، لذا ننصح بالتواصل الاجتماعي، ألا يؤجل الإنسان الأمور، أن يدير وقته بصورة صحيحة، لأن في ذلك صرفاً كبيراً للوساوس.

أيتها الفاضلة الكريمة: أرجو أن تقابلي طبيبًا نفسيًا، سوف تجدين - إن شاء الله تعالى – الإرشاد التام، وسوف يصف لك العلاج الدوائي، وهنالك أدوية مفيدة وفاعلة جدًّا كما ذكرت لك.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونشكرك على تواصلك مع إسلام ويب.

www.islamweb.net