أشك أن جدتي تبالغ في مرضها لأنها تحب اهتمامنا الزائد بها
2013-07-16 01:06:11 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم
هذه الاستشارة عن أقرب الناس لي، جدتي، عمرها 56 سنة، كانت بصحة جيدة جداً، فجأة بدأت معها حالات من الرعب والهلع، وكانت تشرب الكثير من المهدئات التي وصفها لها الطبيب، كانت تسيطر على الحالة، لكنها من محبي الأدوية التي أنا شخصياً لا أثق فيها، لا يمكن أن تتصوروا حبها للأدوية، وكيف أنها لا يزول عنها المرض إلا بعد أن تشرب الدواء، ولو أنها جربت ما جربته من أعشاب ورياضة، إلا أنها لا ترضى بذلك، وآلت حالتها إلى الأسوأ، والله لو عددنا الأدوية التي عندنا في المنزل، لقلنا صيدلية، بل أكبر من الصيدلية! لدرجة أن الطبيب الأخير الذي زارته، والذي ربما فقد الأمل في مهنته مع جدتي المسكينة، ذهل لكمية هذه الأدوية وقال لها بالحرف الواحد: لقد كنت حقل تجارب.
تفاقمت حالتها فأصبحت لا تمشي ولا تتحرك ولا تقف، لاحظنا انحناء في ظهرها، واعوجاجات في أصابعها، والرعشة في كل أطرافها، وقد جربنا كل شيء، حتى الطبيب الأخير أخبرنا أنه مرض باركنسون، وفي كل مرة كالعادة تتضاعف الأدوية بدون نتيجة، وقد أخبرناها عن المرض -وهي الحمد لله متعلمة- وأن أساس تقليل أعراضه هو المشي والحركة، وهي في كل مرة نخبرها تعي الدرس جيداً لكن بدون تطبيق، لنعود للدواء مرة أخرى.
بدأت أحلل وأفسر حالتها إلى أن خرجت بنتيجة، أن جدتي -سامحني الله- تتمارض لتصبح محط أنظار، والكل يحوم حولها ويسعى جاهداً لإرضائها، وإلا فإن انتقادها سيكون عسيراً، لدرجة أن خالتي طلبت منها أن تلبس قميصها بنفسها بدون مساعدة، فتبولت في ملابسها، ورمت نفسها على السرير حتى تساعدها، والدليل على كلامي أنها أولاً: عانت في صغرها مشاكل نفسية كونها الكبرى من بين إخوتها، ووالدتها لا تعلم بهم أبداً، فلم تعش لا طفولة ولا مراهقة ولا أي شيء، ولم يسمعها أحد في حياتها، لذا ربما هي تعيد إحياء الماضي مع جعلنا نلتفت لها.
ثانياً: ألاحظ دائماً أنها أحياناً عندما تريد شيئاً تفعله وحدها، ما إن ترانا تمثل دور أنها لا يمكنها القيام بشيء!
ولا أكذب لأقول أنها ليست مريضة، هي مريضة طبعاً فقد تغيرت، ولديها كل أعراض مرض باركنسون، ولكن كل إنسان اذا مرض يقاوم ويواجه، لكنها لا تريد لا الحركة ولا المشي، كأن حالتها تعجبها جداً، خاصة ونحن نقوم بكل شيء لأجلها، وهي لا تزال صغيرة لتقوم به بنفسها، وأريد الإضافة أن جدتي من نوع الناس الذين لا يمكنهم التصريح بما في قلوبهم للآخرين، إذا كرهت شخصاً لا يمكنها أن تتنبه بل تبقى معه، وتصمت إلى أن يؤلمها القولون العصبي بسبب الكبت النفسي، لا يمكنها أن تصرخ حتى على أولادها، لأنها تخاف أن يغضبوا عليها، وحتى مع الناس الآخرين، وهي تكره والدتها بسبب ماضيها كما ذكرت، وكل أمراضها ومشاكلها أظن أنها نفسية، هل يمكنكم يا ترى أن تستوعبوا ما هذا المرض؟ يئسنا وتعبنا.
أرجو المساعدة والتفسير.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Ines حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
أشكرك جدًّا على الاهتمام بموضوع جدتك، وثقتك في إسلام ويب.
وصفك لحالة الجدة واضح جدًّا ومفيد جدًّا، والذي أستطيع أن أستخلصه أن حالتها نشاهدها لدى الكثير من السيدات في عمرها، تناول الأدوية بكثرة مشكلة كبيرة، خاصة لدى بعض السيدات، حتى للدرجة التي تجد أن بعضهنَّ قد أدمن بعض الأدوية، لديَّ مرضى من النساء أدمن البنادول والمسكنات، وذلك بجانب أدوية أخرى، حتى أضع لك الصورة بوضوح أكثر أود أن أوضح النقاط الآتية:
أولاً: نشأة والدتك، وسمات شخصيتها لا تخلو من شيء من الهشاشة -كما ذكرت وتفضلت–، وهي لديها قابلية بالفعل لأن تعاني من الاكتئاب النفسي.
ثانيًا: قناعاتي قوية جدًّا أنها تعاني من اكتئاب نفسي للآتي:
1) الذين يعانون مما يسمى بالمراء المرضي أو التوهم المرضي، وكثرة استعمال الأدوية أشارت الأبحاث أن حوالي 90% منهم يعانون من الاكتئاب النفسي، وهذا الاكتئاب غالبًا يكون اكتئابًا غير صريح، غير واضح، لكن قرائن الأحوال والدلائل المادية التي حول المريض تشير أنه فعلاً يعاني من اكتئاب نفسي.
2) الاكتئاب النفسي يكثر في مثل عمر جدتك، ورحلتها مع الأدوية طويلة، وهذه الأدوية نفسها قد تزيد من درجة اكتئابها.
ثالثًاً: موضوع شد الانتباه وأنها تريد أن تلفت الآخرين: هذا موجود، وهذا لا يعني تصنعًا أبدًا، هذه الأمور غالبًا تكون على مستوى العقل الباطني بالذات للذين تضعف نفوسهم، أو تكون هناك هشاشة وحساسية في شخصياتهم.
رابعًا: لا شك أن مرض (باركنسون) مرض رئيسي، لا أحد منا يستطيع أن ينكر ذلك، هذا المرض له تبعاته، يسبب الكثير من المحدودية للمريض، ودراسات كثيرة جدًّا أشارت أن 50% من الذين يعانون من متلازمة الشلل الرعاشي أو علة (باروكسون)، يعانون من الاكتئاب النفسي.
إذن الآن لدينا أسس قوية جدًّا أن هذه السيدة –جزاها الله خيرًا– تعاني من اكتئاب النفسي.
خامسًا: كخطوة عملية ومهمة جدًّا، أرى أن تُعرض على طبيب متخصص في أمراض الأعصاب، وذلك من أجل الحسم الطبي، والمتابعة في موضوع الشلل الرعاشي.
سادسًا: بناء علاقات علاجية طيبة مع طبيب واحد سوف يفيدها كثيرًا، المريض يحتاج للطبيب الذي يثق به، وجُل المرضى الذين يتنقلون بين الأطباء لم يجدوا من يثقون به، فأرجو أن تُبنى علاقة علاجية تقوم على التقدير والاحترام وتبادل الثقة والرحمة والرأفة، هنا أعتقد أن جدتك –حفظها الله– سوف تُقلل فعلاً من تناول الأدوية، وسوف تتبع التعليمات والإرشادات التي يقولها لها الطبيب، بجانب ذلك أن ترددها على طبيب واحد يكون مصدر ثقتها ،هذا سوف يمنع تمامًا ترددها على الأطباء، فأرجو أن تحرصوا على ذلك، وأنا أعتقد أن تناولها لأحد مضادات الاكتئاب سوف يفيدها كثيرًا، لكن هذا الأمر قطعًا يُترك للطبيب.
سابعًا: من المهم جدًّا أن تُشعروها بوجودها وكينونتها، وأهميتها وفعاليتها، هذا مهم جدًّا من الناحية النفسية والسلوكية، هذه السيدة أرى أنها قد فقدت الحماسة والدافعية، لأنها ربما تكون قد استشعرت أن دورها في الحياة، أو دورها الاجتماعي أو الأسري قد تقلص، يجب أن تُستشار، وتُعطى الأهمية، هذا دافع نفسي كبير جدًّا.
وأعتقد أن ذلك سوف يكون البوابة الرئيسية لعلاج حالتها، فأرجو أن تحرصوا على ذلك.
وختامًا بارك الله فيك، ونشكرك مرة أخرى، ونسأل الله لها الشفاء والعافية.