أمي دائمة الحديث في أعراض الناس، وإن نهيتها غضبت علي.
2013-11-17 02:22:41 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة اللّه
أنا فتاة أعيش مع والدتي، ولا يوجد لدي صديقة أو أخت أو ابنة عم أو أي شخص، دائما أجلس مع والدتي وتبدأ بالحديث في أعراض الناس، وإن نهيتها أو قلت لها أني لا أحب أن تذكر أعراض الناس أمامي تغضب بشدة، ومن الممكن أن تقلب يومي جحيما، أنا جدا مستاءة، هناك عبارة في بالي أن الله يبتلي الإنسان بأولاده، وأمي كثيرة الحديث بأعراض الناس، فما ذنبي أنا؟
أشعر بالوحدة جداً، لذلك أذهب للجلوس معها، لكن هي هذه أحاديثها، وأنا قلبي يؤلمني حينما أتذكر أن كل إنسان يتكلم بأعراض الناس يبتلى بأولاده، أنا دائما أحسن الظن بربي، وعلى أمل أن القادم أجمل، ولكن ماذا أفعل مع أمي التي لا تكف عن الحديث بأعراض الناس؟ وإن نصحتها غضبت، أنا في حيرة من أمري.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ السائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فنرحب بك -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونسأل الله أن يلهمك السداد والرشاد، وأن يعينك على الخير، هو ولي ذلك والقادر عليه.
ونشكر لك هذا الحرص على الجلوس مع الوالدة، ونسأل الله أن يبارك لك فيها، فاتخذي هذه الوالدة صديقة، واحرصي على أن تصبري عليها، واعلمي أنه لا تزر وازرة وزر أخرى، وأنك لا تعاقبين ولا تعذبين بكلامها في أعراض الناس، ولكن ينبغي أن تلاطفيها، وتُحسني إليها، وتبادري بالحديث الجميل، وتُدخلي السرور عليها، وليس من الضروري أن تصادميها حتى تُغضبيها، وإذا غضبت عليكِ فعليك أن تتوقفي.
نحن نريد أن نقول: إذا حصل المنكر من الوالد أو الوالدة، فإن الإنسان لا بد أن يغيّر بأسلوب إبراهيم الخليل: {يا أبتِ لما تعبد ما لا يسمع ولا يُبصر ولا يُغني عنك شيئًا}، {يا أبتِ إني قد جاءني من العلم ما لم يأتِك فاتبعني أهدك صراطًا سويًا}، {يا أبتِ لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيًّا}، {يا أبتِ إني أخاف أن يمسّك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليًّا} هذا منهج نتعلمه من خليل الله إبراهيم.
فإذا كان المنكر من الوالد أو الوالدة، فإن الإنسان عندما يغيره لا بد أن يكون في منتهى اللطف، في منتهى الحكمة، في منتهى الرفق، وإذا غضب الوالد يتركه، وحتى مع المعصية لا بد أن يصاحبه معروف، يعني الله تعالى يقول: {وإن جاهداك على أن تُشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما} لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، لكن لم يقل: (نغضبهم) أو (نخاصمهم) أو (نهجرهم) وإنما قال بعدها: {وصاحبهما في الدنيا معروفًا واتبع سبيل من أناب إليَّ}.
فأنت على خير، تلطفي مع الوالدة، وأشغليها بالخير قبل أن تشغلك بأعراض الناس، وإذا تكلمتْ عن الناس فحاولي أن تستري على الناس، وتذكري محاسنهم، وتحاولي أن تشغلي الوالدة بالمفيد، بالقصص، تقرئي معها الأذكار، ترددوا بعض الآيات الكريمة، تُشعريها بالسعادة، تحاول أن تطلبي منها أن تحكي لك قصص الأمم السابقة، كيف كانت طفولتهم وكذا، يعني من هذه الأشياء، أن تبادري وبذكاء وتأخذي زمام المبادرة في الحديث، وتشغليها بالخير قبل أن تشغلك بغيره.
وينبغي أن تعلمي أيضًا أنه لا ذنب لك طالما كنت كارهة وغير راضية بهذا المنكر الذي يحدث، فلن يُصيبك أذى، ولكن الوالدة ما نريد أن تفقد الحسنات؛ ولذلك من باب النصح لها ينبغي أن تتلطفي وتجتهدي، حتى أن تذكري من ذكرتهم بالسوء بالخير، وأيضًا تحاولي إذا كان عندك مال أن تتصدقي عن الوالدة، وتسألي الله أن يغفر لها ويرحمها ويعينها على الخير وأن يتوب عليها.
فإذاً المطلوب هو التعامل بحكمة، ليس هنالك داع لهذا الضيق الذي عندك، ولست وحدك من يعاني مثل هذه المعاناة، وكل من عنده كبير في السن في بيته يجد صعوبة في التعامل معه، لكننا يجب أن نصبر على هؤلاء الكبار، لأنهم درر، لأننا أمرنا ببرهم والإحسان إليهم، مع ذلك لا نطيعهم في معصية الله، نجتهد في أن نتلطف وفي أن ننصح لهم، في أن ندعوهم إلى الله ولكن بلطف وباختيار للوقت المناسب والكلمات الجميلة والمدخل الحسن، كأن تقولي: (يا والدتي، ما شاء الله عليك، وأنا سعيدة بك، وأنت عندك ميزات كبيرة كذا كذا، لكن يا والدتي نحن لا نريد أن نفقد حسناتنا بالكلام عن الناس، والإنسان يشتغل بنفسه، ونذكر الناس بالخير) يعني نحو هذا الكلام اللطيف، ولاحظي نحن بدأنا بمدخل حسن، بالثناء عليها، وشكرها على معروفها، وعلى حسن تربيتها، إلى غير ذلك من الكلام الذي يُدخل السرور عليها، ويكون مفتاحًا أيضًا إلى قلبها قبل أن نقدم لها النصيحة المجردة.
والنصيحة المجردة خاصة إذا كانت من بنت لأمها، تراها صغيرة وتراها بنت لها وقد لا تفهمها فهمًا صحيحًا، كذلك ينبغي إذا كان هناك خال أو أخ لها أو صديقة لها من الكبيرات، واستطعت أن تُوصلي النصيحة من خلال هذا الكبير الذي يؤثر عليها، فإن في ذلك سيكون الخير الكثير؛ لأن بعض الأمهات الكبيرات ترى (كيف ابنتها الصغيرة تعظها؟ كيف تنصحها؟ كيف تريد أن تُرشدها؟) ولذلك نحن نتلطف ونبحث عمَّن ينصح، ونأتي بدروس، ونطلب من خطيب المسجد الذي تصلي فيه أن يتكلم عن هذه المسائل.
نسأل الله أن يعينك على الخير، ونشكر لك المشاعر النبيلة، ونسأل الله أن يبارك لك في الوالدة، وأن يطيل عمرها في الخير، وأن يُذهب وحشتك، وأن يُسعدك في هذه الدنيا وفي الآخرة.